كجوهرة ملقاة في فلاة، أو كواحة مزروعة في وسط اليباب، كانت تتبدى لي صعدة الهادي يحيى بن الحسين، حين رأيتها أول مرة رغم مسافة السير، إلا أن شوقا عارما كان يقودني إليها. كانت لا تزال تحيط نفسها بالأسوار وتحتفظ ببواباتها، وفي خارجها المقابر تحكي قصة عشق نبيل. وقفنا أمام قبر حدثوا أنه لفتاة من بنات المختار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، توفيت ليلة عرسها، فخلدها حبيبها بأبيات نقشت على القبر وكانت ماتزال ماثلة للعيان حين زرناها وفيها. يا قبر لازال يهمي فوقك المطر.. لمْ لا تتيه وفيك الشمس والقمر وفيك لؤلؤة مكنونة تركت. . قلبي عليها كسيرا ليس ينجبر عقيلة من بني المختار طاهرة. . عديمة المثل عنها يحسن الخبر عدمتها قبل أن أشفي الفؤاد بها.. أو ينقضي لي أو مني لها وطر *** صعدة خولان بن عمرو، قيل في معنى الاسم أنها "القناة االمستوية بغير تثقيف" وقيل غير ذلك.. تمرست على القتال منذ العهود السحيقة، وامتزج ترابها بالدم، غير أنها لم تكن تنتظر يوما كيومها الحاضر، يغزوها بغزوهم لأمها اليمن أعراب بطائراتهم وصواريخهم، ويحشدون لها الصهاينة والصليبيين والمنافقين من أرجاء الدنيا، ليمحوا كل آثار الحياة بها. نعم لقد استهدفت اليمن وتوحدت مدنه وقراه ومخاليفه وكل عظيم فيها تحت نار العدوان، وتساوت كل المخاليف تحت القهر والبربرية والتوحش الجبان، ولكن صعدة أخذت، ولا تزال، نصيبا وافرا من ذلك الجنون المقيت والتوحش الآدمي والغطرسة الغبية. أراد غلمان آل سعود أن يعصفوا بهذه المسماة صعدة وجبالها ومزارعها وقراها، بحيث ينامون بعدها آمنين على وجودهم، لأنها تطل على أرض سلبوها وسلخوها ذات يوم من أمها اليمن، وأنّى لهم أن يأمنوا أو يناموا مطمئنين بعد الآن، وقلوب بني اليمن تغلي كالمراجل. صعدة التي كانت تصدر التين والرمان وفواكه الجنة إلى باقي مدن وقرى اليمن، بل وإلى خارجها، أصبحت تصحو وتنام على غارات الحقد والجحيم البشري الذي يصبه غلمان آل سعود، ليعصفوا بوجودنا كله، ولتبقى لهم الهيمنة والاستعلاء الأثيم. صعدة حيث عشق النبلاء للشهادة، حتى لقد صح أن يقال فيها .. "وإن سألوك عن ?صعدة .. قل هناك يوجد شهيد .. يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد" هذه حقيقة صعدة الصابرة والمكابرة والمنتصرة بيمنها وليمنها العظيم إن شاء الله، بعز عزيز أو بذل ذليل.