أكثر من 300 يوم من الانحطاط الأخلاقي الكوني لم يشهد لها التاريخ البشري مثيلاً من قبل، أكثر من 300 يوم من الانهيار المدوي الساحق لكل ما تعارف عليه البشر من القيم والمبادئ والأعراف التي تحكم الحروب وتحدد ما هو مباح فيها وما هو محرم أياً كانت أجناس أولئك البشر وأياً كانت ألسنتهم وأياً كانت معتقداتهم حتى الملحدين منهم الذين لا يؤمنون مطلقاً بأن للكون إلهٌ يُعْبَدْ، أكثر من 300 يوم والعالم كل العالم شعوباً وحكومات في وضع مخزٍ مهين وهم يصرون علي الوقوف مكتوفي الأيدي في وضع المشاهد المتلذذ بما يراه يوميا من تناثر أشلاء الآلاف من البشر رضعاً وأطفالاً ونساءً وكهولاً طاعنين في السن، وتفحم جثث المئات منهم. أكثر من 300 يوم مرت وكل البشر في الكرة الأرضية حكاماً ومحكومين يشهدون بأم أعينهم ويعترف حكامهم رسمياً دونما ذرة من خجلٍ أو حياء باستخدام أسلحة محرمة دولياً وفق مقاييس من يزعمون أنهم حماة حقوق الإنسان في العالم، بعض تلك الأسلحة المحرمة دولياً يستخدم في العدوان علي (اليمن) للمرة الأولي منذ ابتكارها، فقد حولوا جبال (اليمن) وحفلات (الأعراس) فيها والآثار التاريخية الصماء الصامتة لحقل تجارب لتلك الأسلحة الفتاكة التي مازالت تلوث الهواء في كل مليمتر من أرض (اليمن) العظيم، فتعمل علي تشويه الأجنة في بطون أمهاتهم. أكثر من 300 يوم يحياها الكيان الصهيوني في نعيم وأمن وأمان مطلق لم ينعم به من قبل منذ أن تم غرسه في أرض فلسطين، أكثر من 300 يوم صار فيها تحرير (اليمن) من اليمنيين قضية العرب والمسلمين المركزية الأولي، وصار تحرير (اليمن) بزعمهم مقدماً لدى أولئك السُفهاء الحمقى علي ما كانوا يدَّعُون إلي ما قبل العام 2011م أنها قضيتهم المركزية الرسمية الأولي بتحرير أرض فلسطين من الصهاينة الذين كانوا يصفونهم آنذاك بأنهم أحفاد القردة والخنازير، تلك القضية التي كان حكام العرب والمسلمون ينعقون ويزعقون بها في كل محفل دولي، وكان أقصي ما يمكن أن يحصدوه ويحتفوا به ويحلموا به ويعتبرونه نصراً مبيناً يستحق إقامة الأفراح والليالي الإعلامية الملاح لرصد وتحليل نجاحهم المبهر في الحصول علي مجرد شجب أو إدانة أو تنديد بالمذابح والمجازر التي كان يرتكبها الكيان الصهيوني في حق أشقائنا الفلسطينيين، حتى وإن استخدم فيها (حماة) حقوق الإنسان حق النقض (الفيتو) لإحباط صدور مجرد بيان النصر العربي المؤزر بالشجب أو الإدانة أو التنديد، فيما القراران الدوليان اليتيمان الصادران عن منظمة الأممالمتحدة موضوع تحت أقدام الصهاينة أو مستخدمان في حماماتهم بديلا لأوراق التواليت. أكثر من 300 يوم شهد فيها اليمانيون آلاف الطلعات الجوية والصواريخ تهبط على رؤوسهم لتطال أجساد الآلاف من الأبرياء كهدايا من أولئك المستأسدين العرب المسلمين في تحالفهم الرسمي المعلن ضد من هم أصل عروبتهم وضد من يشاطرونهم الشهادتين بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلي الله عليه وسلم، أكثر من 300 يوم من الفجور في الخصومة تكبدت فيه خزائن الجيران عشرات المليارات من الدولارات لجلب المرتزقة من كل أصقاع الأرض، ولعقد صفقات الحصول علي المزيد من العدة والعتاد، ولتكميم أفواه ساسة العالم باستثناء سادتهم من ساسة الصهاينة والأمريكان والبريطانيين المشاركين معهم قلباً وقالباً في كل محاولاتهم اليائسة لنهش لحم (اليمن) العظيم، أكثر من 300 يوم من الخزي والعار لم ينفق ملوك وأمراء ممالك الرمال ما مقداره واحد بالمائة مما أنفقوه خلالها من أموال لبذل محاولة صادقة لتحقيق حلم تكوين تحالف عربي إسلامي دولي لنصرة الأقصى الشريف وتطهير أرض فلسطين من رجس الصهاينة. أكثر من 300 يوم أثبت فيها شباب (اليمن) العظيم أنهم الرقم الأسطوري الأصعب في العالم بما هو مخزون في قلوبهم وعقولهم وأفئدتهم وأرواحهم وأحماضهم النووية من إيمان مطلق بأنهم إن نالوا رضاء الله وحده واعتصموا بحبله وحده واستمدوا منه وحده عزيمتهم وثباتهم وقوتهم وبأسهم، فمن ذا الذي في الكون يمكن أن يقف في وجههم مهما امتلك من المال والعدة والعتاد ومهما امتلك من القدرة علي حشد الآلاف بل والملايين من العبيد والمرتزقة الخونة العملاء؟!، ومن ذا الذي يمكن في الكون اِنْسَهُم وجِنَّهُم أن يضرهم بشيء لم يكن قد كتبه الله عليهم؟!، ومن ذا الذي يمكنه أن يقهر إرادتهم إن هم ضمنوا أن الله ناصرهم ومؤيدهم ولو بقذف الرعب في قلوب أعدائهم وبما يزلزل الأرض تحت أقدامهم؟!، من ذا الذي يمكنه أن ينتزع من قلوبهم إيمانهم المطلق بصدق وعد الله لهم في الآية الكريمة التالية طالما كان قائلها هو رب العزة الجبار القاهر المنتقم ذو الجلال والإكرام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقوله تعالي: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ? وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}؟!، وقول الحق تبارك وتعالي: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ? وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ? وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؟!. أكثر من 300 يوم والمدنيون من شباب (اليمن) العظيم يتحدون حصار الكون لوطنهم وفحيح طائرات الجبارين من أهل الأرض الذين كانوا يظنون أن بمقدورهم بسطوة وجبروت أموالهم التي ظنوها تطاول عنان السماء أن يقولوا للشيء (كُنْ) فيكون، وهم في تِيْهِهِم وغفلتهم وعُجْبِهِم وخُيَلائِهِم مُنْكِرُون أن خالقهم وحده هو المتفرد بذلك، أكثر من 300 يوم والمدنيون من شباب (اليمن) يقهرون طغاة الأرض ويمرغون أنوفهم ويضعون جباههم تحت أقدامهم وهم ماضون ومستقرون وعائدون من مدارسهم وجامعاتهم يومياً، أكثر من 300 يوم استبدل فيها شباب (اليمن) العظيم نور الكهرباء بنور الطاقة الشمسية للاستمرار في المذاكرة والتحصيل العلمي فقط ليقينهم بأن الله هو من يُمِدَّهم بنوره الذي يستحيل أن يطفئه كل مخلوقاته ولو اجتمعوا لذلك علي قلب رجل واحد. أكثر من 300 يوم يساند فيها المدنيون من شباب (اليمن) العظيم بكل ما وهبهم الله من قوة الإرادة والعزيمة والثبات أقرانهم الشباب من العسكريين والمتطوعين في كافة جبهات وميادين الشرف لصد علوج العدوان والدفاع المستميت عن العرض والأرض من خلال تعزيز أولئك الشباب المدنيون لصمود وتماسك الجبهة الداخلية في وجه كل هذا السفه والصلف والغرور والعنجهية العالمية التي أدي حصارها المضروب علي (اليمن) العظيم براً وبحراً وجواً إلي انعدام كل مقومات الحياة فيه. أكثر من 300 يوم يشمَخُ فيها شباب (اليمن) العظيم مدنيين وعسكريين بأنُوفِهم وجِبَاهِهِم وترتفع هاماتهم عالية لتعانق السحب في كبد السماء فخراً واعتزازاً بما يُسَطِرُهُ الأبطال الميامين في وطنهم العظيم من مآثر، وطنهم العظيم الذي وضعوا أمانة الحفاظ عليه فوق أكتافهم، وهم على أتم الاستعداد ليجودوا بأعناقهم وهي أغلى ما يملكون رخيصةً إن تطلب الأمر فداءًا لوطنهم العظيم، وهم يرددون بكل إباء وكبرياء وبصوت هادرٍ مزلزل واحد: لن تري الدنيا علي أرضي وصياً، لعلهم يصمون به آذان كل شعوب الأرض الذين يجللهم ما هم عليه من ذلةٍ وخنوعٍ واستكانة لقبح وبشاعة ساستهم وقادتهم وزعمائهم، لعلهم يصمون به آذان تلك الشعوب التي ابتلعت ألسنتها ووضعت ضمائرها في (فريزر) ثلاجاتها، ويقينا فإننا بعون الله وحده بلا نِد ولا شريك: لن تري الدنيا علي أرضي وصياً.