تناولت موضوع توازن الرُعب الوحيد لدي الكيان الصهيوني في مقال سابق علي جُزأين في العددين (800) و (807) في الثامن والخامس عشر من سبتمبر 2014م، وانتهيت في ذلك المقال بجزأيه إلي أن أطفال وشباب المسلمين علي وجه الخصوص هم وحدهم توازن الرُعب لدي الصهاينة، وليس ما يملكه مجموع جيوش الدول الإسلامية بأكملها من تعداد رأس المال البشري أو العدة والعتاد، مهما بلغت ضخامة وكفاءة وفاعلية تدريب وتأهيل وتسليح كل تلك الجيوش. فالقوي الدولية لن تسمح بأي حال من الأحوال المساس بأمن وسلامة ذلك الكيان المسخ المزروع في قلب العالم العربي الإسلامي، ?ن الصهاينة يعملون بكل ما وهبهم الله من طاقة على بقاء ذلك الكيان مهيمناً ومتحكماً ومسيطراً علي تلك القوي الدولية وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا نكون قد جافينا الحقيقة إن نحن أقررنا بأن (تل أبيب) هي التي تُسيطر وتتحكم ب(واشنطن) وليس العكس، وأن دعم ساسة الولاياتالمتحدةالأمريكية للكيان الصهيوني ليس خياراً يمكن لأيٍ منهم تجاوزه أو الالتفاف عليه، بل إن التصفية الجسدية الفورية المباشرة هي المصير المحتوم لكل من يتجرأ منهم علي لي عنقه والإشاحة بوجهه وعدم مباركة ذلك الكيان، وكلنا يدرك تماماً أن من يفوز برئاسة أمريكا هو من يستطيع كسب ثقة ورضاء الصهاينة الأمريكان، كما نعلم أن السباق الانتخابي نحو كرسي الرئاسة الأمريكية كل أربعة أعوام يتم حسمه تلقائياً لصالح من يتمكن منهم من كسب مودة الصهاينة واستمالتهم وإقناعهم بأنه سوف يخدم الأجندة الصهيونية بصورة أكثر بكثير من باقي المرشحين. بينما الأمريكان العرب يهدرون أصواتهم الانتخابية، ويحولونها لهباء منثور لا قيمة لها ولا وزن ولا تأثير، رغم أنهم عددياً يفوقون الصهاينة بأضعاف مضاعفة، ورغم أن حجم استثماراتهم وأرصدتهم المودعة في البنوك الأمريكية تفوق حجم استثمارات وأرصدة الصهاينة أضعافا مضاعفة، إلا أن حالهم كحال أوطانهم الأصلية، ليسوا علي قلب رجل واحد، بل مشتتون منقسمون ممزقون، لا يجمعهم عنوان واحد بالمطلق، ويمكن استثارة واستنهاض عصبيتهم بمنتهي السُهولة واليُسْر، لذلك فهم عديمو التأثير في محيط ماراثون الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومازال الصهاينة موفقين كل التوفيق حتى الآن بشغل وإلهاء وصرف أنظار الأطفال والشباب المسلم وتغييبهم عن الالتفات لقضاياهم المصيرية، وإيلائها ما تستحقه من الاهتمام الذي يليق بها، وذلك من خلال دعم أولئك الصهاينة المطلق لكل ما من شأنه التسلل الناعم المحسوب والمخطط له استراتيجياً بدقة بالغة، والموجه بعناية شديدة، والذي يتسع يوماً بعد يوم ليمتد إلى مخادعهم في غُرف نومهم، بالعمل علي انتشار الحاسبات الآلية وتطبيقاتها، والتخفيض الدائم في تكلفة اقتنائها، والاستمرار في خفض تكلفة الولوج لعالم الانترنت، المترافق مع الزيادة المضطردة في سرعات ذلك الولوج، بما يضمن بقاء أولئك الأطفال والشباب مشدودين لشاشات حواسيبهم التي صارت في قبضة أياديهم علي مدار الساعة بتطبيقات أجهزة الهواتف المحمولة، تلك الأجهزة التي يطلقون عليها صفة (الذكية)، وهي ذكية فقط بمقدار ما يمكنهم بواسطتها السيطرة على عقولهم وقلوبهم، وسلبهم لمتعة الاستغراق في النوم العميق، وانتزاعهم من واقعهم، والتحليق بهم في عوالم افتراضية وهمية، ودمجهم في علاقات اجتماعية خيالية، وإيجاد وتوسيع المسافة بينهم وبين خالقهم، والاجتهاد في صرفهم عن أداء فروضهم الدينية، وخضوعهم لتجارب حقيقية للسيطرة عن بعد علي عقولهم بما يشبه التنويم المغناطيسي، وتوجيه تلك العقول بما يخدم بقاءهم علي هذه الحال، وهذا وحده دون سواه كفيل بتوفير الأمن والأمان للكيان الصهيوني علي مدار الجيل الحالي والجيل القادم. ولست أبالغ إن قلت إن الصهاينة يقفون اليوم مشدوهين مذهولين، وهم يشاهدون بأعينهم صدق كلمات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بإخماد فتنتهم في (اليمن)، وكبح لِجام مؤامراتهم الدنيئة وتحطم مخططاتهم الاستراتيجية على صخرة الصمود الأسطوري لشباب (اليمن) العظيم للشهر العاشر على التوالي في وجه الغطرسة والاستكبار الدولي المدعوم منهم بصورة مباشرة، فقد أثبت شباب (اليمن) أنهم قادرون على لجم تلك التكنولوجيا الخبيثة إن هم أرادوا ذلك، فبالرغم من استمرار نجاح الصهاينة في اختراق بعض أولئك الشباب، واستمرار استجابة بعض أولئك الشباب العفوية للمخططات سالفة الذكر في ظل الظروف الاستثنائية الحالية التي يعيشها (اليمن)، وليس هناك من دليل على ذلك أعظم من مداومتهم على احتضان هواتفهم (الذكية) التي باتت لا تفارقهم أينما ولوا وجوههم حتى وهم يقضون حاجتهم في دورات المياه، والقُدرة على استمالة البعض الآخر ببريق المال ليقفوا في صفوف الذئاب التي تنهش (اليمن) مستغلين فقرهم وعوزهم وسوء أحوالهم المالية، إلا أن الغالبية العُظمى من أولئك الشباب تمكنت بعون من الله من الفكاك من أسر تلك الشياطين بأدواتها الجهنمية، فاستجابوا للنداء الوطني والتحقوا بمختلف جبهات القتال، ليذيقوا أعداء (اليمن) ما لم يكن يخطر لهم على بال. كما تجدر الإشارة إلي أن هنالك من أولئك الشباب الرائع المبدع من استشعر حجم وشراسة الخطر الداهم عبر عالم الانترنت الافتراضي وعن طريق شبكات التواصل الاجتماعي علي وجه الخصوص، فعمل بروح وطنية عالية وبإخلاص شديد وتطوع مطلق بنسبة 100% علي خوض غمار معركة الكترونية لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية المباشرة التي يتصدي لها الشباب من أبطال الجيش الميامين علي ضآلة الإمكانيات المتاحة لهم، بموازاة تلك الحرب الالكترونية الضارية الموجهة نحو أطفال وشباب أمتهم الإسلامية، لتغييبهم عن حقيقة الأخطار المحدقة بوطنهم وبدينهم الإسلامي الحنيف وبأمتهم العربية من المحيط إلي الخليج، والمسئولية الجسيمة الملقاة علي عاتقهم لمواجهة ودرء تلك الأخطار بدلاً من الانقياد الأعمى والسير بحماقة وجهالة خلف من يقف ورائها. ولا أظن أن هناك من يمكنه إنكار حقيقة أن الأغلبية الساحقة من قوام أبطال الجيش الميامين واللجان الشعبية المساندة له هم من الشباب المحصنين بعمق الإيمان والولاء لله وحده بلا شريك أو منازع، كما لا أظن أن هناك من يمكنه إنكار حقيقة أن أولئك الشباب قد أصابوا الصهاينة بالرُعب، فإذا كان هذا حال شباب (اليمن) وهم لا يملكون ما نسبته واحد في المائة مما يملكه المتربصون بوطنهم من عُدة وعتاد، فكيف يمكن أن يكون حالهم إن هم امتلكوا 25% مما يمتلكه أعداؤهم، وأكاد أزعم أنه بقدر ما في قلوب الصهاينة من الغيظ والحقد الناتج عن صمود شباب (اليمن) واستماتتهم في الدفاع عن وطنهم، فبنفس القدر سيظل دعمهم لاستمرار أربابهم في التحالف الدولي بالعدوان على (اليمن).