ربما ظن البعض عدم وجود أي رابط بين عنوان ومضمون المقال السابق، ولكن العلاقة واضحة وضوح الشمس، لأن توازن الرعب لدى الكيان الصهيوني الغاصب ليس شخص من يحكم الأُمتين العربية والإسلامية، مهما كان مخلصاً لوطنه، ومهما كان هاجسه الأول تخليص أرض فلسطين من هذا السرطان المزروع في قلب الأمتين العربية والإسلامية، ذلك الكيان المحتل هو بالمناسبة الذي يحكم الدولة الوحيدة في العالم عبر التاريخ التي تقوم على أساس ديني محض، وتوازن الرُّعب لدى ذلك المسخ العنصري القبيح ليس القوام والتعداد البشري لجيوش الدول العربية والإسلامية مجتمعةً، كما أنه ليس كمية ولا نوعية الأسلحة التي تمتلكها تلك الدول المعادية له، مهما تعاظمت، حتى لو استطاعت تلك الأسلحة حجب نور الشمس. إن قادة ومبدعي ذلك الكيان الغاصب، وهم يفكرون ويصيغون أهدافهم وخططهم الاستراتيجية، لن يهدأ لهم بال فيكفُّون عن القلق ويسمحون لأجسادهم بالاسترخاء ويمددون أرجلهم فلا يُبالون، إلا حينما تؤكد لهم تقارير أجهزتهم الاستخباراتية عدم وجود أي خطر داهم على المدى البعيد- خلال الخمسين عاماً القادمة وربما أكثر- يتهدَّد وجود كيانهم وأمنه، وبأنه بات بمستطاعهم الاطمئنان التام وهم على يقين مطلق بأن شباب أمة الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، ذكورهم قبل إناثهم، قد صاروا مغيَّبين كليةً عن قضاياهم المصيرية، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى القومي. فشباب أمة الإسلام، المخزون البشري الاستراتيجي الهائل لأعداء الدين الإسلامي التقليديين، وحدهم وليس سواهم هم توازن الرُّعب لدى الكيان الصهيوني، فهم نصف الحاضر وكل المستقبل، وهم من سيكون مُناطاً بهم السعي الحثيث لتحقيق ما عجز عنه آباؤهم منذ أن جثم هذا الكابوس على صدورهم، لذلك تغلغل نفوذ أولئك الصهاينة وكثير منهم لا يحمل الجنسية الإسرائيلية كونه يخدم بني جنسه أكثر وهو غير حاصل عليها، حتى وصل ذلك النفوذ لغرف نومهم من خلال ما أطلقوا عليه مصطلح (الحرب الناعمة) التي لا تعتمد على تحريك جيوش تقليدية ولا نقل أسلحة تقليدية لميادين معركة تقليدية، وبالتالي لا يخسرون فيها روح جندي واحد ولا ثمن طلقة رصاص واحدة. وكانت البداية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم بتحرير الفضاء وتسخيره لخدمة أهدافهم ومخططاتهم بإطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية المتخصصة في بث عدد مهول من القنوات التلفزيونية الفضائية على مدار ال24 ساعة، بعيداً عن أية أدوات رقابية أو ضوابط أخلاقية أو دينية، فقد حملت تلك القنوات التلفزيونية الفضائية في طيَّات ما تبثُّه من برامج ومسلسلات وأفلام كلَّ ما يخدم ويؤدي إلى إضعاف وتجريد وانسلاخ الشباب المسلمين عن دينهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولأطفال المسلمين، على وجه الخصوص، نصيبهم الوافر في عملية الغسل والتخريب والإجهاز على عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بحزمة من القنوات الفضائية التي تغذيهم وتدسُّ لهم السم في العسل بواسطة مسلسلات (الكارتون) التي تعبث بأفكارهم وتعصف بوجدانهم، وتزرع بداخل أدمغتهم الغضَّة الطرية مناهج ورؤى ماسونية منحرفة مغلوطة ومتطرفة وسطحية تعمل على تشكيل وتوجيه شخصياتهم وسلوكياتهم نحو وجهات بالغة الخطورة. ثم يأتي دور الاستخدام السلبي البالغ السوء لأجهزة الكمبيوتر وتطبيقاته وعالمه الافتراضي الذي أوجد للشباب المسلم ملاذاً وهمياً يفر إليه كلَّما اصطدم بواقعه الفعلي المؤلم في كثير من الأحيان، مروراً بأجهزة التلفون المحمولة الحديثة التي صارت أجهزة كمبيوتر مصغرة بما تحمله من إمكانيات متاحة لكل من يقتنيها، وصولاً لشبكات التواصل الاجتماعي (facebook) و(twitter) وبرامج التواصل الاجتماعي وأشهرها (Whatsapp) و(Viber) و(Tango)، وهي جميعها مملوكة لرجال أعمال صهاينة، تلك الشبكات والبرامج التجسسية الاستخباراتية التي تحصي علينا أنفاسنا أهدرت والتهمت معظم أوقات الشباب في ما لا جدوى منه عبر إنشاء صفحات شخصية وتحريرها بأفكارهم الخاصة وفق انتماءاتهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، وحوارات غير مثمرة مع أشخاص مجهولين حول العالم، وفي حين يمكن للحكومات القيام بعمليات فلترة وحجب للمواقع الإباحية لحماية شبابها من تأثير ما تحمله تلك المواقع في طيَّاتها، جاءت شبكات وبرامج التواصل الاجتماعي ومواقع تحميل وعرض مقاطع الفيديو، ولعل أشهرها (YouTube) لتتحدى كل الجهود الرسمية التي تصب في هذا الاتجاه، لأنه من المستحيل القيام بأي عملية رقابة عليها، ناهيك عن حجبها تماماً، لأنها صارت للأسف الشديد منابر لحرية التعبير عن الرأي، وأي مساس بها أو الاقتراب منها قد يؤدي إلى سقوط حكومات وأنظمة سياسية، لقد تمكنوا مع الأسف من السيطرة على عقول شبابنا، لتوجيهها كيفما شاءوا وأنَّى شاءوا. ولمن يقول بأنني مفرط بالتشاؤم أو غارق في نظرية (المؤامرة)، لأن كلَّ ما تقدَّم متاح للشباب وكل الفئات العُمرية، من المسلمين وغير المسلمين حول العالم، أقول إن الشباب غير المسلمين في الدول غير الإسلامية غير معنيِّين بكل ما تقدَّم، وإن أصابهم شرر جراء استخدامهم لتلك التقنيات فلن يكون ذلك إلا في إطار النيران الصديقة التي تصيب عدداً محدوداً جداً من غير المستهدفين بها، وهو ما يشكِّل ضريبة واجبة الدفع ولا تُشكِّل خطراً يُذكر، ولنتذكر أن ممارسة الجنس الفعلي على أرض الواقع متاح في تلك الدول وبتراخيص رسمية وإشراف حكومي، فما الذي سيضطر الشباب هناك لإدمان مشاهدة القنوات التلفزيونية الإباحية أو تصفح المواقع الالكترونية غير الأخلاقية، خصوصاً إذا ما علمنا أن إحصائيات رسمية صادرة عن (Google) وهي من أعظم شركات المحركات البحثية الإلكترونية في العالم تشير إلى أن الشباب في دولة كوطننا الحبيب (اليمن) يتصدَّرون دول العالم في تصفح المواقع الإلكترونية الإباحية، وفي إحصائية أخرى لشركة أخرى تعمل في مجال تقنية العالم تتطابق تلك النتيجة ولو بتصنيف مغاير، حيث تقع (اليمن) في ذيل قائمة الدول الأكثر سوءاً في استخدام شبكة الإنترنت. بالله عليكم حينما تصل التقارير اللحظية واليومية لمتخذي القرار في الكيان الصهيوني بأن هذا هو حال شباب أُمة الحبيب المصطفى (محمد)، صلى الله عليه وسلم، وأن النسبة في تزايد مستمر، أفلا يحق لهم أن يكونوا مطمئنين إلى أنهم في مأمن؟!، وأن المواجهة الحاسمة الموعودة بين اليهود والمسلمين التي ينطق فيها الحجر والشجر فيقول: بأن ورائي يهودي فأقتله ما زالت بعيدة في الأجلين، المتوسط والبعيد، وأنه يمكنهم القلق في حالةٍ واحدةٍ كما قالت رئيسة وزرائهم الصهيونية (جولدا مائير) في السبعينات من القرن الماضي: إن تلك العلامة الكبرى من علامات يوم القيامة لدى المسلمين يمكنها أن تتحقق فقط حينما يكون عدد المصلين بمساجد المسلمين في صلاة الفجر قريباً أو مساوياً لعددهم في صلاة الجمعة، عندها على الكيان الصهيوني أن يستشعر الخطر ويدرك أن نهايته صارت على مرمى حجر.