مع تطور الحروب والصراعات بين أبناء البشر منذ العصور القديمة تطورت وسائل الصراع، ومع اتساع مجالات وحقول العلوم العسكرية وتأثرها بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تغيرت مفاهيم ومضامين الحروب الهجومية والدفاعية، وهو ما افرز في القرن العشرين مفهوما جديدا تعارف الخبراء على تسميته ب(الحرب الالكترونية). ولعل جذور هذا المفهوم تعود إلى الحرب الروسية اليابانية 1904م والحرب العالمية الثانية 1914-1918م، حيث تم فيهما استخدام الاستطلاع والتشويش اللاسلكي كوسيلة من وسائل الحرب الغير تقليدية آنذاك، غير أن هذه الوسائل تطورت في الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حروب وصراعات دولية فطورت وتجاوزت التقنيات اللاسلكية لتشمل أيضا التقنيات الفنية الرادارية والحرارية والليزرية والهيدروصوتية والكهرومغناطيسية...الخ. وهو ما جعل القوة الالكترونية تطغى وتتغلغل في مختلف وسائل الحروب البرية والجوية والبحرية والفضائية أيضا، فكل الأسلحة المتطورة اليوم هي الأسلحة والآليات الموجهة والمبرمجة بالأنظمة الالكترونية المتعددة ، ولذلك شهد النصف الثاني من القرن العشرين إنتاج مئات من أنواع ووسائل وأنظمة الحرب الالكترونية ، واتجهت جهود العلماء والباحثين إلى إنتاج وابتكار وسائل الكترونية صغيرة الحجم وخفيفة الوزن قادرة على تنفيذ مختلف مهام الحرب الالكترونية والاستطلاع الالكتروني، حتى أصبح استخدام هذه الوسائل غير محصور على زمن الحرب بل أصبحت تستخدم في أوقات السلم أيضا لخدمة أهداف إستراتيجية ومخابراتية، وخير مثال على ذلك اكتشاف المخابرات الصينية عام 2002م وجود أكثر من عشرين جهاز استطلاع الكتروني في أنظمة الطائرة الخاصة بالرئيس الصيني (جيانج زيمين) والتي اشترتها الصين من الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث كانت تعمل تلك الأجهزة عبر الأقمار الصناعية احدها عثر عليه في دورة المياه والآخر في سرير الرئيس. وبمناسبة النكبة الإنسانية التي فاجأنا بها العام الجديد 2009م وما شهده العالم من جرائم الحرب على أبناء فلسطين في غزة، فان التفوق العسكري الذي يتمتع به الكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية العربية منذ العام 1948م، كل ذلك يعود إلى التكنولوجيا العسكرية والحربية التي تعتمد على احدث الأنظمة الالكترونية التي تصنعها الولاياتالمتحدةالأمريكية وتوكل عملية تجريبها للآلة العسكرية الصهيونية التي لا تخجل بدورها من استخدامها وتوجيهها ضد أطفال ونساء الشعب العربي الأعزل في فلسطين، وتزداد تلك الأسلحة ضراوة وفتكا عندما تتضافر أنظمة الحرب الالكترونية مع المواد المحرم استخدامها دوليا بين الجيوش المتكافئة، فما بالنا بعدم التكافؤ بين أعتى ترسانة مسلحة في الشرق الأوسط وبين أطفال لا يملكون سوى صدورهم العارية لمواجهة وصد أسلحة الدمار الإسرائيلية. الأمر هنا ليس جديدا في الحرب على غزة، فقد استخدم هذا الكيان الغاصب ما يملكه من تفوق تكنولوجي حربي ضد أبناء فلسطين منذ احتلال واستيطان أرضهم، لا سيما في عمليات اغتيال كبار القادة الفلسطينيين سواء عن طريق أجهزة الموبايل، أو بواسطة المواد الفسفورية المشعة التي يتم وضعها مسبقا على سيارات ومقاعد ومنازل المستهدفين... إلى غير ذلك من الوسائل الالكترونية التي تستدل بها الصواريخ الإسرائيلية على أهدافها. ولعل جديد حرب غزة هو ما قام به مجموعة من شباب فلسطين الذين اخترقوا عددا من المواقع الرسمية للكيان الصهيوني على الانترنت ووضعوا عليها العلم الفلسطيني والعبارات المبشرة بنصر الفلسطينيين على أعدائهم، وبالمقابل وبعد اختراق مواقعه الالكترونية بعدة أيام تمكن العدو الإسرائيلي من حجب بث قناة الأقصى المناصرة للمقاومة الفلسطينية، بعد اختراق ترددها الالكتروني، كما بث مكانها مادة تلفزيونية إسرائيلية لمدة ربع ساعة قبل أن تتمكن الأقصى من استعادة بثها على ترددها الالكتروني، مع فارق أن المادة التلفزيونية التي بثها العدو كانت عبارة عن مشاهد مقززة من أفلام إباحية إسرائيلية ، وهو ما يعبر ربما عن الفلسفة والقيم التي قامت عليها هذه الدولة التي غرزتها الامبريالية الغربية في خاصرة الوطن العربي، كما قام الشباب في المغرب العربي في سياق هذه الحرب بشن هجوم الكتروني مكثف على عدد من المواقع الالكترونية الإسرائيلية على شبكة الانترنت وأغرقوها بصور الضحايا من أطفال ونساء مذابح غزة وأعلام فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية حماس. الشاهد الأساسي في الأمر هو أن على الأمة العربية العمل على ضرورة امتلاك نواصي العلوم التكنولوجية وتطوير تقنيات الاتصالات والمعلومات وتسخيرها في تحديث وتعزيز قدراتها العسكرية والحربية، فبدون ذلك سيكون من الصعب علينا مواجهة ذلك الصلف الصهيوني واسترداد أرضنا وكرامتنا وتاريخنا.