أياً كانت الأطر التي جرت عبرها المفاوضات الأخيرة مع العدوان السعودي، والتي أفضت إلى تهدئة على الحدود، وأياً كانت الذرائع والمواقف المتخبطة التي أعلنها العدوان فإن النتائج التي خلصت إليها مثلت انتصارا كبيرا للإرادة اليمنية، وعززت لدى شعبنا الصامد الثقة في قدرته على الدفاع ومقاومة أعتى عدوان عسكري يشن عليه في تاريخه. العامل الإيجابي في هذا الانتصار يتمثل في أنه حطم حواجز الآلة الدعائية التي تحاصر اليمن منذ حوالي سنة وأخفت عن العالم حقيقة العدوان ومجازره ونتائجه الكارثية، وعامل آخر يكمن في أنه أرغم النظام السعودي على الاستجابة لمفاوضات مباشرة وحتمية طالما أنكرها، فضلاً عن إفقاده تحالف العدوان أدواته السياسية التي تحصن خلفها لأكثر من سنة وأدار من خلالها مفاوضات بلا جدوى أراد منها فقط ذر الرماد على العيون وتضليل العالم بأن ما يجري في اليمن صراع داخلي وليس عدوانا همجيا برعاية أميركية مباشرة. الدبلوماسية الدولية التي ظلت تنعق بالمسار السياسي استغرقت وقتاً طويلاً لتدرك حتمية المفاوضات المباشرة مع النظام السعودي حلاً للأزمة، خصوصا بعد إقرار الطرف المتذرع بالشرعية الدولية عدم امتلاكه صلاحيات إدارة مفاوضات في بندي وقف النار ورفع الحصار. النظام السعودي كعادته في التضليل أقر في بيان ذُيَل بتوقيع التحالف بالمفاوضات المباشرة وأعلن عن تبادل أسرى كما رحب باستمرار التهدئة في المناطق الحدودية ولم يعدم الذرائع بمزاعم السماح بدخول المواد العلاجية والإغاثية إلى القرى الحدودية اليمنية. لكن ما بدا سياسياً بإقرار الرياض بأن هذه الخطوة جاءت "على طريق الوصول إلى حل سياسي برعاية الأممالمتحدة وفق قرار مجلس الأمن رقم 2216، وما بدا على الأرض بتوقف العمليات العسكرية في المناطق الحدودية وتبادل الأسرى كان إعلانا صريحا بفشل الحرب العدوانية التي قادها النظام السعودي بالوكالة عن أميركا والصهيونية، كما قدم لليمنيين والعالم شهادة وفاة لأحلام العدوان والقوى الدولية بعودة اليمن إلى مربع الوصاية الخارجية. يصعب القول إن هذه الخطوة قد تقود في المدى القريب إلى وقف شامل لإطلاق النار فالنظام السعودي أراد بهذا الاتفاق وقف دوامة الخسائر وإخفاء التدهور المريع لخطوطه الدفاعية، بعدما أخفقت كل سياساته ومحاولاته، بما في ذلك سياسة الأرض المحروقة، في استعادة المدن والمواقع في العمق السعودي، والخاضعة حتى الآن لسيطرة الجيش واللجان الشعبية. وفي جانب آخر أرغم النظام السعودي على المضي بهذه الخطوة لإنهاء حال الاضطراب والفوضى المتفاقمة في محافظاته الجنوبية التي ضحى بسكانها في ليل بعد تلقيه تحذيرات تداعيات خارج حدود السيطرة. بدعم أميركي بريطاني فرنسي تفوق النظام السعودي في عملياته الحربية وبسلاح الجو والقدرات المخابراتية الخارجية والداخلية التي سخر لها المليارات واستطاع بميزانيات مالية خرافية تجنيد مرتزقة الداخل لحروب بالنيابة وتفوق إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً، لكنه وفي غمرة هذه الإمكانيات وهذا الدعم الدولي واجه قوة ضاربة هي صمود وإرادة اليمنيين بالحياة والحرية فعجز كليا عن تجاوزها والتأثير عليها. هذه الإرادة وحدها هي من أرغمت العدو على اللجوء إلى المجازر الوحشية بحق المدنيين التي ارتدت وبالاً عليه، وهي نفسها من حيَدت ترسانة سلاحه المتطورة وأرغمته على خوض معارك بشروط مختلفة لم يتوقعها. هي أيضا من حطمت أسطورة القوة بالسلاح التقليدي، وهي من أرغمت العالم على الالتفات بإعجاب لصمود هذا الشعب العظيم وبسالته في الحرب، وقدرته التي لا تُقهر في الدفاع عن حقه بالحياة والحرية والكرامة والسيادة. نعرف أنه لا يزال لدى تحالف العدوان السعودي الكثير.. إذ لا يمكنه بسهولة الخروج من المستنقع الذي وضعته فيه القوى الكبرى، كما لا يمكنه النجاة من المآلات الخطيرة لهذه الحرب العدوانية التي ستكلفه الكثير داخليا وخارجيا. ندرك بالمقابل أننا رغم الجراح انتصرنا، وندرك أن هذا العدوان البربري منحنا قوة إضافية. فالمؤكد أن العوامل التي شجعت العدو وساعدته في هدم بيتنا من الداخل قد زالت أو هي في طريقها إلى الزوال.