في الحلقة السابقة تحدثنا عن شخصية الرئيس صالح، وكشفنا جانباً من سر قوته المتمثل بقدرته الخطابية المؤثرة وكلماته العفوية الصادقة الموجهة للشعب! فعلاً كان صمام أمان وصوته يُشعِر الشعب بالأمان والارتياح كما عبر عن هذا الكثير من المواطنين. لسان الحكمة هي سيف صالح المسلول وحصانه وسر قوته وشخصيته، ولو استعدنا أحداث ما يسمى بالربيع العربي على المستوى الخارجي ابتداءً من (فهمتكم) إلى (من أنتم) ندرك العجز في التخاطب من قِبل القادة مع شعوبهم، وعدم القدرة على الاحتواء والتواصل المباشر معهم والذي نتج عنه ما نتج ! وبالعودة لسياق حديثنا فقد فطن الخصوم السياسيون لهذا السر المؤثر في شخصية صالح وركزوا عليه وأرادوا تدمير هذا التأثير الحيوي للخطاب السياسي لصالح وخطورة لسانه، فاتهموه بالكذب في خطاباته، في محاولة يائسة وبائسة للتقليل من مدى التأثير المربك للخطاب! بل إن ما يقوي طرحنا هذا هو ما كان يحدث في المعترك السياسي، ومحاولتهم المتعددة لجلب أشخاص يجيدون تقليد صوت (الرئيس صالح) وتسجيل مقاطع صوتية مضللة للشعب بأصواتهم وفشلت تلك المحاولات! لأن الصوت الذي لا يحمل في طياته روح الوطنية المدمجة بنبرات صالح لا يمكن أن يصدق أو يبلغ المسامع مهما بلغت درجة التطابق الصوتي فيه! ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل خصصوا برامج تلفزيونية كاملة يقدمها بعض المذيعين محاولين تقليد الشخصية الكاريزمية والحضور المؤثر لصالح، ليس بتقليد الصوت فقط، بل وكذلك تقليد المؤثرات الحركية، كالإشارات والنظرات وطريقة الجلوس والحوار أيضاً... ما يعني أن مقدم البرنامج بحد ذاته معجب جداً بالشخصية الكاملة لصالح، ولم يقتصر على الصوت فقط، ويظهر تأثير التقمص والاندماج النفسي جلياً في ميكانيكية الجسم! مما جعل جميع أعضاء جسمه تقلد وتتفاعل وتحيط بنموذج الشخصية المحببة لديه. وكل هذه المحاولات كانت فاشلة وتأثيرها لا يتجاوز حجرة الإعداد ومصور البرنامج، وتتحول الرسالة إلى مجرد تندر وتفكه بطفل يقلد حركات والده ! وعندما تعبوا وحل اليأس بهم، وظهر العجز في النيل من فاعلية خطاب صالح ولسانه الوطني، وعدم القدرة على مواجهته سياسياً لفقرهم السياسي، حينها انقلب الخصوم السياسيون إلى السب المباشر والعلني والاتهامات القذرة وشخصنة العداء والتنابز بالألقاب والتهديد باقتحام غرف النوم، فظهر الفقر الأخلاقي الحاد لديهم، الذي كان يواجهه صالح بالترفع والسمو وأعرض عنهم، وأحجم عن مجاراتهم بما وصلوا إليه، لأنه يملك رصيدا سياسيا ونضاليا وقيما وأخلاقا ترفعه فيما لا يجد المتابع للأحداث أي مقارنة بين الثرى والثريا. وبالمناسبة لم يقتصر تأثير الخطاب السياسي والحوار لصالح على المستوى الداخلي المحلي فقط، بل تعداه إلى المستوى الخارجي، في محاولة بائسة أيضاً لبعض القنوات الفضائية الخارجية لبث بعض العبارات على لسان صالح، والتي قصتها من عدد من الخطابات والمواقف للرجل، وقامت بدمجها وعرضها، لتظهر على أنها تناقضات في شخصية صالح! غير مدركين أن (عباراته سياسية الجوهر أكثر منها شكلية) وهذا ما يدركه الشعب ويفهمه، فقد أصبح يعرف مناسبة كل كلمة وعبارة لصالح، ومكانها الذي قيلت فيه وأسبابها أيضاً! وظلت تلك القنوات الخارجية تصر على إذاعة ما تسميه تسريبات صوتية لصالح وهي مفبركة قطعاً! وحتى وإن كانت صحيحة فهنا يتضح لنا على ذات السياق ما يرمي لمحاولة الحد من فعالية الخطاب والحوار والكلام المؤثر لصالح، وهذا ما تؤكده أيضاً المخابرات الأمريكية التي كانت أكثر تأدباً من الخصوم السياسيين في وصفها لخطاب الرجل وكلامه بالمراوغ كما جاء في وثائق ويكيلكس، ولسنا هنا في معرض الاستشهاد بها. بل للمزيد من التوضيح! وبالمناسبة الرئيس الأمريكي أوباما اشتهر وتميز قبل وصوله للبيت الأبيض بحسن الخطاب والارتجال المؤثر، وقد بنى الشعب الأمريكي دعمه الانتخابي على هذه الميزة ! ?لسان الحكمة سر قوة صالح : قائد يستطيع بلسانه التواصل المباشر مع الشعب، فيصبح بمقدوره تحشيد مئات الآلاف وربما الملايين منهم في ظرف زمني قصير دليل قاطع على حسن التواصل والمصداقية وفن القيادة. خطابات وكلمات الزعيم صالح من العام (2011م وحتى عامنا هذا 2016) التي ألقاها أمام الحشود والجماهير في الميادين وفي القاعات والاجتماعات والمقابلات، هي نصوص تاريخية واكبت أخطر المراحل السياسية في تاريخ اليمن وتوضح التعاطي السياسي الإيجابي بين الحاكم والشعب وحجم المؤامرة التي ربما يتشظى البلد بسببها اليوم. ونحن ننصح بتفريغ تلك الخطابات والكلمات المسجلة إلى (نصوص مقروءة) تجمع بكتاب وتطبع كتوثيق تطلع عليه أجيال اليوم والغد، وتنشر على مواقع التواصل مرتبة ومتتالية ومنسقة بشكل خاص ومبدع، مع مراعاة الشكل والعبارات الحية، وللعلم أن الباحث لخطابات صالح وكلماته على الشبكة العنكبوتية، يجد أن أغلب المواقع محجوبة، وأغلب نتائج البحث على جوجل لا تظهر إلا مواقع سعودية، مما يدل على أن العدوان قد ركز على هذا الجانب وعرف تأثيره فأخفاهُ عن الباحثين والمتصفحين! وعطفاً على ما تقدم، لابد أن نكون مدركين أن صالح لم يؤتَ حظاً وافراً من التعليم بما يمكنه من الإلمام بالكلمات والمصطلحات السياسية (كالرقص على رؤوس الثعابين) لكنه أجادها ويعتبر مدرسة وخبيرا سياسيا فذاً أجاد فن القيادة في التعاطي السياسي بذكاء ودهاء وحكمة وحنكة، ولم يدرسها لكنه عاشها واندمج في لحظاتها وعرف المطلوب بها. أخيراً: لا نغفل أن الخطاب السياسي الموجه للجماهير من صالح ليس وحده الذي رسخ العلاقة الإيجابية والمتفاعلة بينه وبين شعبه، بل كان للمواقف الشخصية للرجل دوراً هاماً ومكملاً حقيقياً لتمتين وتجذير هذه العلاقة، ولعلنا نفرد مقالاً آخر لسرد بعضٍ من تلك المواقف الشخصية التي واكبت الرحلة السياسية الطويلة على مدى الحكم، والتي مازال لها الفاعلية وديمومة التأثير حتى يومنا هذا!