لكل منا حنجرة وحبال صوتية، ولسان وأسنان وشفتان وحلق، كلنا يتكلم ويُصدر أصواتاً، لكن القلة هي القادرة على استخدام هذه الأدوات لتنتج أصواتاً لها القدرة على اختراق القلوب والأخذ بالألباب، ولا أقصد هنا الغناء، وإنما قصدت أصواتاً هي رأس مال أصحابها، وهي التي تشتريها الجهات الإعلامية والفنية والإعلانية والوطنية بأموال طائلة، لأنها ثمينة، لأن لديها القدرة على رسم المعاني المشمولة في العبارة القوية، الجزلة، والوجدانية. فأنت عندما تسمع الصوت، تجده يفتح في خيالك شاشة، يملؤها بالألوان والخيالات التي تجسد المعاني، فهو بعبارة مختصرة «الصوت المرئي»، وهذا يمثل إعجازاً، يسلب صاحب الصوت من خلاله العقول، ويسيطر عليها. سمعنا صوته هذا العام، 2014 في الأوبريت الضخم «لؤلؤة الشرق»، الذي شاهدناه في افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، فملأ المكان وتجاوز الآذان ونفذ إلى الوجدان، ثم سمعناه في أوبريت «عناقيد الضياء» الأسطوري في حفل افتتاح الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، ولم يكتفِ حينها بملء المكان بل ملأ الزمان أيضاً وكل الفراغات في فضاء العرض بصفته الراوي، وقريباً أوبريت «بوابات القدس» في قطر، عدا الأدعية والقصائد الشعرية لكبار الشعراء العرب، إضافة لقصص الأنبياء والتابعين وغيرها الكثير، وعندما سُئل: هل هو الإحساس بالمعنى؟ قال: «نقل الإحساس أهم من الإحساس»، وقال: «أحاول أن أرسم ملامح الحدث، فلا أكتفي بالتعامل مع أذن المتلقي، بل أسعى للوصول إلى كل حواسه، أعتبر الصوت وسيلة إيصال المستمع إلى أماكن غير مألوفة، وتجسيد المعاني المجردة والمحسوسة». إنه «أسعد خليفة» صاحب الصوت الذي أبهرنا طويلاً، هو الذي يرى «أن من لا يواكب الزمان، فالمتحف مكانه» لذا عمل على التجدُّد وتطوير الذات، واكتشاف خفايا وأسرار الجهاز الصوتي، وصقل كل ذلك بالتمكن من اللغة العربية، وامتلاك أدواتها جيداً، ومعرفة المقامات، والتلوين بالنبرة، دون الاستعانة بصوت مستعار، فالصوت الطبيعي يشكل شخصية وبصمة لا تتكرر، تماماً كبصمة الإصبع التي لا يمكن أن تتشابه مع غيرها، كما أدرك أهمية الاشتغال على الطبقات ومتطلبات كل معنى لإحداها، إضافة لفتح الصوت على مساحة شاسعة واسعة مفتوحة نحو الجهات الأربع، يضيِّقُها حينما يشاء، ويصل إلى أقصاها ما أن يتطلب الموقف ذلك بلا جهد أو مشقة، وليس كل هذا سوى الأساسات والقواعد لمرحلة تالية، وهي الرسم بالنبرة، وقيادة خيال المتلقي، ليسهم خيال المستمع مع الصوت في تحويل العبارات والكلمات والأحرف أحياناً وأحياناً المدّ والحركة إلى مشهدية، فيستحق حينها هذا الصوت بهذا النفوذ على قيادة الجموع أن نطلق عليه لقب «الصوت المرئي». عندما تصل القدرات الصوتية إلى المستوى الأسطوري، تستحق منا الالتفات، بل التوقف، لنُشَرِّحَ الحالة بصفتها نموذجاً، ونتعرف على تكنيكها وآليتها، ثم نعمل على سن القواعد التي تُمكن الشباب من انتهاجها. [email protected] The post حنجرة ترسم ملامح الحدث appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية