في مطلع الألفية الثالثة، أطلق العالم الأول مصطلح حوار الحضارات، واعتقدتُ في وقتها أن تلك وسيلة جديدة لابتزاز جديد، عقب الابتزاز الكبير الذي حدث عقب اجتياح مصطلح العولمة للأوساط الدولية، وبالأخص العالم الثالث والدول النامية، وصدق اعتقادي إذ أن المصطلح روّج للتبشير، وشيّع مفاهيم كان من شأنها إحداث موجة عنف اجتاحت الشرق الأوسط وبعض دول العالم الأول، لأنها نكأت جراح الاختلاف في الهويات، بدون تبرير مقاصد هذه الاختلافات بحسب بيئة كل بلد، أو هوية أي تجمع قاري أو إقليمي، وبدا أن لا فرق بين الحضارات والحمارات، إلا أن العالم الأول خاتل بالمصطلح وحوّله فيما بعد إلى مجرد فقاقيع انفجرت وتلاشت في الهواء. حوار الحمارات يدخل اليوم منحى آخر، فتختفي أشهر حمير التاريخ من حمار حليمة السعدية مرضعة سيد البشرية، وحمار عزير الذي نام مع صاحبة مائة عام، وحمار مصطفى العقاد، ليتصدر حمار نهم المشهد السياسي اليمني والدولي والعربي، حين تم اعتقاله من قبل ما يسمى بالمقاومة ومنافقي العدوان، ليختزل هذا الحمار معهم تاريخ بشع من القتل والتدمير والخراب والحقد المحمل بإهدار ملايين الدولارات منذ 26 مارس 2016م.. يا عيباه كل تلك العربات والأباتشي وال f 16 والأبرامز والعنقوديات والانشطارية، والغازات السامة والقنابل النيترونية، وفي الأخير حمار.. يعني "طلعتْ اللقيه سود".. لأنكم لكم مدى لتاريخ من الخزي والعار، أحضرتم الحمار حضوراً مخزياً، لا كما حضر حضوراً مشرفاً في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات، في معارك ما كان يسمى بالجبهة، فالحمير كانت تنقل الغذاء والدواء لمقاتلي الطرفين بين الشمال والجنوب، في حينه، وحمار عيرود في يريم كان يقدم معروفا لكل غريب يزور المدينة، وكان يهديهم إلى مداخل المدينة ومخارجها.. أما الحمار المودف إلى نهم، فقد دقها المسكين ست ساعات واقفاً على قدميه، قبل أن يجرؤ منافقو العدوان على الوصول إليه، خوفاً من احتمالات وجود متفجرات، وهنا أستغرب كيف تدخلون ساحات المعارك وأرض الوغى، والذعر يتملككم من حمار ظل طريقه وأخطأ المسار فأرعبكم، ولهذا لم يركن إليكم الوطن في الذود عنه، ولم يكن بمقدوركم لقرابة عامين اجتياز متر واحد في نهم، رغم العتاد والعدة، بينما تمكن حمار من اختراق صفوفكم بسهولة ويسر.. يا حمير العصر.