من أواخر القرن الأول الهجري، يعني أكثر من ألف ومائتي عام، سادت روح المحبة والتعايش بين "الزيود" وإخوانهم "الشوافع" في اليمن، لم يحدث أي خلاف في الأصول، وكانت ثقافة الحوار والتفاهم بين العلماء هي اللغة السائدة في كافة أرجاء اليمن. يقول الإمام يحيى بن حمزة -من كبار علماء الزيدية- "الخلاف بين المنافسين في المذاهب لا يتم عن طريق الحرب والقتل، وإنما بالفكر وبالمنطق وبالانتصار للعقل وبالحوار المفتوح".. كما يؤكد علماء الزيدية والشافعية بأن اليمن عاشت طوال قرون عديدة بانسجام ديني وأخلاقي، وكان الاختلاف علمي في الأصول، والفروع كان اختلاف فكري أثرى العلوم والمعارف الإسلامية والإنسانية في جميع المجالات. ولم يتجاوز الاختلاف حدود العلم والاحتجاج الفكري والفقهي، بكل ما يمتلك علماء كل مذهب من استدلالات في مجال الإثبات العلمي، وبذلك تعايش العلماء وأتباع كل مذهب في الأرض اليمنية الطيبة، قاصدين بعلومهم إرضاء الله، مسجدهم واحد، وخطيب جمعتهم واحد، الزيدي مع الشافعي. غداً يعود الجميع إلى روح الإسلام الذي جمعهم طوال تلك القرون! الخلافات الدينية والمذهبية ليست سبباً كافياً للحرب بين الأخوة في اليمن، المصالح السياسية والاقتصادية والسلطة والثروة أساس كل الحروب في اليمن والعالم. لذلك فالحرب في اليمن مجرد "صراع مصالح على الحكم والثروة"، بين اليمنيين وبين القوى الإقليمية، على النفوذ والسيطرة، وتصفيات حسابات عبر حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. لكن الفارق كبير بين الدولتين؛ السعودية أعلنتها حربا، وجَهَّزت لها كل الإمكانات المادية والعسكرية، وحشدت الدول، وأحضرت المرتزقة والمجرمين من الإرهابيين من كل دول العالم، لكي تُدمِّر اليمن، وتُخضع شعبه الحر الكريم، وحتى تُبرِّر تدخلها وضعت لها صبغة مذهبيَّة، وهالة إعلامية؛ حتى تقوم بتوجيه عقول المغفلين إلى الاستماتة في هذه الحرب. بينما إيران شاركت في التصريحات والإعلام؛ حتى تورط اليمن في حرب طاحنة، المستفيد الأول منها أمريكا وإسرائيل. في المقابل، تظل القوى الدولية في سباق على ممرات اليمن وثرواته، التي تُعتبر الأكبر في العالم بحسب التقارير "الأمريكية والبريطانية والروسية"، وأكد ذلك الرئيس الأمريكي ترامب. القوى المتصارعة في اليمن! تعرف جيداً بأنه من المستحيل استئصال طرف والقضاء عليه، مهما بلغت قوة الطرف الآخر، أنصار صالح والحوثي يصعب عليهم مسح أنصار علي محسن والإخوان من خارطة اليمن؛ لأن جذورهم عميقة، وفي كل مدينة وقرية يوجد لهم أنصار، صحيح يمكن هزيمتهم عسكرياً في حال تخلت عنهم السعودية، ولكن لا يمكن أبداً استئصالهم من الخارطة السياسية والاجتماعية، وإذا استمر الوضع الحالي طويلاً بدون أي حلول أو مصالحة، فإنهم سوف يتحولوا إلى كابوس أمام أي دولة قادمة في اليمن. إنهم مجموعة من الأغبياء يلتفون حول "هادي والمال السعودي"، يُقاتلون أهلهم وإخوانهم بكل وحشية، غير مدركين بأن هادي يُلقي بهم في المحرقة، للتخلص منهم، بعد أن بدأت القوى الجنوبية تُحدد ملامح دولتها القادمة. صعوبة هزيمة صالح والحوثي! أصبح من المستحيل هزيمتهم، بعد صمودهم قرابة عامين، واجهوا خلالهما أكثر من 16 دولة، وبعد أن تحول سير المعارك من الدفاع إلى الهجوم، وأصبح الشعب اليمني كاملاً يطلب ثأره من السعودية، كذلك وصول قواتهم إلى العمق السعودي "جيزان، ونجران، وعسير".. وربما تحدث مفاجأة؛ وتدخل أسلحة جديدة في المعارك القادمة، قد تُربك كل مخططات السعودية وهادي ومحسن، في حال استمرت الحرب أكثر من ثلاثة أشهر أخرى من العام الجديد 2017م! أخيراً هادي والسعودية يعلمون جيداً بأنهم لن يحققوا أي انتصار في المناطق الشمالية، ولن يستطيعوا السيطرة على أي مدينة في شمال اليمن، وآخر المناطق الجنوبية التي يسعى هادي للسيطرة عليها وإخراج القوات الشمالية منها هي "شبوة"، بدعم الطيران السعودي! هل أدرك أبناء الشمال والجنوب، بأنهم أمام مرحلة صعبة، يبرز فيها لصوص الحرب، أكثر من بناة الدولة!!