ما جدوى أن تحمل شهادة دكتوراه، وأنت بلا مبدأ ولا موقف، في المساء لك رأي وموقف ووجه، وفي الصباح لك رأي وموقف ووجه آخر. كيف لأكاديمي أن يثير غبار مظلومية الزملاء في كل جهة ومكان، ويهول من الموضوع، ويحفز النقابة والزملاء أيضا على الإضراب، وما إن يحدث ما يتمناه أو سعى إليه، حتى يبادر بفتح نافذة للتسوق وبيع الزملاء والغدر بهم، والطعن في ظهورهم، بل تبلغ بك الصفاقة إلى درجة مطالبة النقابة والزملاء بالتراجع عن الإضراب، والتشكيك في النوايا، وإبداء الحرص على المصلحة العامة. إنه استغلال رخيص، وبيع للقيم والمبادئ، من أجل المصلحة الخاصة لا العامة. إذن، ليست المشكلة في الجهل، فالجاهل القبيلي، أو القبيلي الجاهل، له وجه واحد وموقف واحد، ولا يمكن أن يحول أو يبدل مهما كانت الإغراءات. القضية ليست مناكفة سياسية، ولا مناطقية كما يزعم بعضهم، وليست حزبية أيضا، ولا علاقة لها بالعدوان على الإطلاق. القضية، أن عددا من الزملاء يتصلون بك منتصف الليل مستغيثين بأن أولادهم من دون عشاء. وأن عددا آخر منهم لا يجد قيمة نصف برميل من الماء، حتى يروي عطش أولاده، وأن منهم من يتلوى ألما وحسرة، وهو يفقد ماء وجهه في أكثر من صيدلية للحصول على الدواء، سلفة إلى أجل غير مسمى. يا سعادة رئيس المجلس السياسي، ويا سعادة رئيس الحكومة، ويا سعادة وزير التعليم العالي، ويا رؤساء الجامعات. الأكاديميون الذين يدرسون بصمت، ويكبتون جوعهم وقهرهم لخمسة أشهر من دون مرتبات، ليسوا عملاء للعدوان، وليسوا مرتزقة، وليسوا سعداء لوقف العملية التعليمية في الجامعات. هم أكثر إصرارا على استمرارية التعليم، وأكثر حبا وحرصا على أبنائهم الطلاب. وكل ما في الأمر أنهم يصرخون من الجوع والذل والقهر، بسبب انقطاع المرتبات، وأنتم تعلمون أنها الخبز والماء والسكن والدواء وكل شيء في الحياة، بالنسبة للأكاديميين. هي صرخة للالتفات إليهم، فهل يعقل أن يمد الأكاديمي يده في المساجد والشوارع ليحصل على ما يسد به جوعه وجوع أبنائه؟!. وهل يعقل أن يدع الأكاديمي قلمه وكتابه، ويتحول إلى أمير حرب، أو إلى عامل في الحراج؟!... يا سعادة رئيس المجلس السياسي، ويا سعادة رئيس الحكومة، ويا وزير التعليم العالي، ويا رؤساء الجامعات، ما يحدث من تخوين وتشكيك ومضايقة واعتداء على الأكاديميين غير معقول، ولا يدل على أنكم حريصون على الوطن والمستقبل، ولا سيما وأنتم تشاركون في هدم أركان العملية التعليمية بالجامعات، وتشرفون مباشرة على إجراء امتحانات وضعت أسئلتها قبل سنوات، وليست لأساتذة المواد الفعليين، أو اعتماد امتحانات الأعوام السابقة، التي وضعها أساتذة، منهم من هو خارج الوطن اليوم. كل ما يحدث لا يبشر بخير، بل إنه ينذر بكارثة حقيقية، تؤدي إلى فقدان الثقة بالجامعات، ومخرجاتها، وكذا، يؤسس لمستقبل عنوانه العريض فرض الأمور بالقوة والغصب في مجالات الحياة كلها. ما يحدث اليوم يدل على عدم وجود دولة، وعلى انعدام القانون وتعطيل الدستور، وأن القادم أسوأ، ولا يستبعد أن يسحب الأكاديميون غدا على وجوههم من داخل القاعات، وأن منهم من سيتعرض للضرب المبرح، ومنهم أيضا من سيعتقل بتهمة داعش والعمالة للعدوان، ومنهم من سيعزل من منصبه، ومنهم من سيفصل من وظيفته نهائيا. الأكاديميون، هم عقل الوطن وضميره ومستقبله، وهم اليوم يموتون جوعا، وليس في استطاعتهم العمل خارج دائرة العلم والمعرفة، أو ممارسة مهنة الشحاتة، أو الوقوف في صفوف النازحين للحصول على سلة غذائية. الراتب -مرة ثانية- بالنسبة للأكاديمي هو مصدر الرزق الوحيد، وإذا انقطع مات هو وأولاده جوعا، ورمي بهم إلى الشارع. نعم، الراتب بالنسبة للأكاديمي هو الخبز والماء والهواء والعلاج والمنزل، وإذا فقده فقد كل شيء.. فهل يدرك المجلس السياسي ذلك، وهل تدرك الحكومة؟!. وهل تدركون يا أصحاب الشطحات، والوجوه المتلونة؟!.