ما بين مارس 2014م ومارس 2017م، ثلاثة أعوام مضت كانت البداية والنهاية، شهدت لحظة الميلاد ولحظات سكرات الموت العصيبة التي سبقت انتزاع الروح ثم مواراة الثري، ثلاثة أعوام مضت علمتني أننا بأمس الحاجة لأن نمد أيادينا بالسلام للتصالح ليس مع أعدائنا بل مع أنفسنا قبل ذلك، ففي لحظة الميلاد وفي البدء كان الحوار بين العبد لله كاتب المقال والأستاذ عبدالله هاشم الحضرمي رئيس التحرير الذي التقيته وجهاً لوجه مرة واحدة في حياتي في لقاء عابر لم يتجاوز الثواني أشار كلٌّ منا للآخر بالتحية دون أن ننطق كلمة واحدة، فقد كان كلٌّ منا يسير علي عجل في اتجاه معاكس، لكنني طوال الأعوام الثلاثة استشعرت فيه فارساً نبيلاً ورجلاً في زمن عز فيه الرجال، وفي البدء كان الحوار معه عبر الخاص بالفيسبوك وهو يقدم لي عرضاً سخياً بأن أكون ضمن نجوم صحيفة (اليمن اليوم) التي يقف خلفها كوكبة من المبدعين كُتاباً وصحفيين وفنيين، كلهم يعملون معاً كما لو كانوا في خلية نحل يكمل بعضهم بعضاً بدءًا من حارس مبني الصحيفة وحتى رئيس التحرير، أو هكذا استشعرتهم طالما كانوا يعملون بمعية هذا الرجل الذي يقف علي رأس هذه الصحيفة. وبدأ قلمي يخط أول ا?حرف وأولي الكلمات في اليوم المتفق عليه من كل أسبوع وهو يوم الاثنين، وفي البدء ولأشهر تالية خالجني الشك بأن ما أكتبه ليس سوي تعبئة لمساحة أسبوعية في صفحات الصحيفة الغراء، دون أن يكون لها أي أثر أو تأثير بالمطلق، إ? أنني فوجئت بالكثير ممن أشاحت عنهم الكهرباء بوجهها يستوقفونني بالشارع ويشدون علي يدي بحرارة، وفي البدء أيضاً وسوس لي الشيطان بأنهم ربما من المتابعين لمقابلاتي التلفزيونية بالقناة التي تحمل نفس اسم الصحيفة (اليمن اليوم)، ولم يدر بخاطري مطلقاً أن تكون تلك الحرارة التي تسري في جسدي عند تلك المصافحات وكان بعضهم يتجاوز المصافحة للالتحام بالأحضان كما لو كنا من أعز الأصدقاء بسبب متابعاتهم لنبضات قلبي بالقلم في الصحيفة وليس بالقناة. وللقُراء الكرام أن يكونوا في صورة كواليس وطقوس مخاض وميلاد كل مقال سطرته أناملي ترجمةً لنبض قلبي، ففي مساء كل سبت وأحياناً تمتد تلك الطقوس لفجر الأحد أبدأ بتدوين تلك النبضات بعد أن أكون قد بذلت أقصي ما وهبني الله من قوة كي ? يعكر مزاجي شيء في ذلك اليوم وأن أتجنب القيام بأي مجهود جسدي شاق، كي أضمن وجوداً نقياً لقلبي قبل عقلي ? تشوبه شائبة و? يعكر صفوه شيء وأنا بين يدي صاحبة الجلالة. وكثيراً ما كنت أحتار في اختيار الموضوع، وحينما كنت أستقر عليه كانت الحيرة تنتقل لمفتتح تناول ذلك الموضوع، وعندما يلهمني الله كلمات البداية، كنت أجد أناملي وقد انطلقت في رسم باقي كلمات المقال بانسيابية وتلقائية وعفوية، وتستغرق مني تلك النبضات ما بين ثلاث إلى أربع ساعات، أشعر بعدها بأنني قد اعتصرت عظام جمجمتي اعتصارا بتلك النبضات حتى تبلور ذلك الموضوع بتلك الصياغة. وقبل الدفع بمولودي الأسبوعي للبريد الالكتروني للصحيفة كي يستكمل مبدعوها المهرة تماما كالأطباء مخاضات ذلك الميلاد الأسبوعية ليري جنيني النور بين يدي قراءها عند إشراقة شمس كل اثنين أقوم بنقل ذلك الجنين للحاسوب الشخصي للتصحيح اللغوي والتنقيح البنائي والحذف والإضافة، عقب كل ذلك وحينما أمسك الصحيفة بيدي وأفتح الصفحة السادسة أشعر في تلك اللحظة ومولودي بين يدي أنني بلغت من الإجهاد في عملية الميلاد كل مبلغ وأنه لن يكون بوسعي تحمل مشاق وإرهاصات تلك العملية مجددا في الأسبوع التالي، ويأتي السبت من الأسبوع التالي ويتكرر نفس السيناريو الممتع بقدر مشقته وعنائه، وأنا أتمتم مبتسما هل هكذا يكون حال كل أم مع أبنائها منذ لحظة التكون الأولي في رحمها وحتى لحظة الميلاد؟!. ثلاثة أعوام مرت والعبد لله كاتب المقال علي هذا الحال، ثلاثة أعوام شهد فيها الوطن ومازال يشهد مخاضات مرعبة، ثلاثة أعوام توارت فيها عشرات الآلاف من الأجساد تحت الثري في وطني بعد أن غيبتها القنابل العنقودية أو شظاياها أو غيرها من الذخائر والأسلحة التي تنثرها طائرات (السلام) لاستعادة (شرعية) مزعومة. إلي أن جاءت لحظة الوداع بعد أن كابدت المرض خلال 21 يوما قبلها ما كنت أظن فيها أن في عمري بقية وأن منيتي لم تحن بعد، ثلاثة أسابيع لم يكلف أحد من البشر في الكون ممن علم بحالي نفسه مشقة وعناء الضغط علي رقمي بجواله ليتفقدني أو يطمئن علي حالي فيما عدا أعزاء غير متوقعين من الله بهم ليؤازروني في محنتي بكل ما وهبهم الله من فضل. وكان مولودي الأخير في الأسبوع الماضي الذي شاءت الأقدار أن ? تري نبضاته النور وأن يواري الثري فيواري معه قلمي ذلك الثري، دونما كلمة أسف أو اعتذار، بذريعة وجود توجيهات بعدم التصعيد، وتساءلت التصعيد ضد من؟!، ضد من يدمر الوطن ويعصف به من الداخل متمردا علي الكيان السياسي الذي ينتمي إليه؟!، ضد من لم يبقِ ولن يذر إن لم نتمكن من اجتثاثه وكبح جماحه، وأكاد أجزم بأن قيادات ذلك المكون السياسي تشاركني الرأي بعد أن باتت عاجزة عن لجم تمرده عليها. بذلت جهودا مضنية بالصدمات الكهربائية لعلي أنجح في استعادة وإنعاش قلب جنيني دون جدوى، حاولت التوضيح بأن أنصار الله كمكون سياسي متحالف مع المؤتمر الشعبي العام شيء واللجنة الثورية العليا الفاقدة لأي مشروعية جملةً وتفصيلاً شيء آخر مختلف جذرياً، وأن توجيهات الرئيس الصالح ? تشمل تلك اللجنة، التي ? يعنيها الوطن و? تلقي بالاً للآثار التدميرية التي يمارسها أعضاؤها في طول وعرض البلاد، قيل لي بعدها أن حجم المقال كبير وأنه سيستحوذ علي صفحة كاملة، فقمت باختصار ما أمكنني اختصاره بما يشبه العملية الجراحية لاستئصال أعضاء سليمة ليس بها أي داء، فقط ليتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من كيان نبضاتي الأخيرة، وبرغم ذلك أصر الطبيب علي ضرورة وحتمية إجهاض الجنين، وعدم جدوي أي محاولات لبث الروح فيه مجددا، وبدم بارد تم الإجهاز علي جنيني، وصعدت روحه إلي بارئها ووري الثري، فالأمر لله من قبل ومن بعد. ويقيني أن كلماتي هنا لن تري النور هي الأخرى، لكنها كلمات رثاء لمن يفهمها ويدرك مراميها، وهي إسدال ستار عن نبضات وطن امتدت لثلاثة أعوام مضت، لعلي أجد من يدعم ويبارك نظمها في كتاب جامع لها يحمل عنوان (نبضات وطن)، سواء وأنا علي قيد الحياة أو بعد أن يواري جسدي الثري، ولله الحمد والشكر والفضل والمنة.