دعا الصحفي محمود ياسين إلى التخلي عن الصمت .. ونشر في أخيرته الأثيرة بصحيفة (الأولى) المستقلة أرقام هواتف السياسيين والرئاسة وأجهزة الدولة المتصلة بالمواطن . فكرة الزميل الطيب ياسين، تتلخص في مئات الرسائل النصية أو الفاكسات التي يمكنها أن تراقب المسئول والسياسي وأجهزة الدولة وتنثر ردة الفعل الجماهيرية لوجوه هؤلاء بمباشرة لا تحتاج لوسطاء منمقين، وحُجاباً مقنعين، الفكرة رائعة .. وتحتاج لمن يفهمها ويتفاعل معها .. وربما تكون هذه التناولة أولى المبادرات المؤيدة لما قاله الزميل محمود ياسين ودعا إليه . لقد صمتنا طويلاً.. وسلمنا غير مرة بما استفحل في النظام السابق من فوضى وتقاسمات غيرت وجه الوطن وأدخلته في نفق مظلم كان الكثير من رجاله أسباباً مباشرة لهذا الدخول القسري في غياهب الجُب اللعين.. فلم نجد سيارة يأخذوننا إلى المُلك أو الحكم والإشراف على خزائن الوطن.. ولم نجد من دعانا ذات مرة إلى الصراخ في وجه العاتي، ووجدنا أنفسنا وغباءنا الذي تطاير بين أكناف صنعاء ولم يجانبها، وعاد إلينا رئيس جديد مُمطراً بقرارات لا تجوز لك أن تقف أمامها صامتاً.. فالصمت صار رذيلة العصر.. وداءه الذي لا دواء له . لن نصمت إزاء ما كشفه البرلمان عن تسعة عقود باهظة الثمن لشراء طاقة مخالفة للقانون بينها ستة عقود لشقيق الوزير محمد السعدي. لن نصمت إزاء منح الحكومة لرجل الأعمال الثري حميد الأحمر عقوداً باذخة في النفط حدت بتقرير صحفي إلى وصفه ب: ملك النفط في اليمن . بينما يجاهد عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين باستماتة في مقابلة وزير المالية لتسليم مستحقاتهم وفق القانون فيفر عنهم من باب الوزارة الخلفي . لن نصمت لأننا نطلب القانون فقط فلا يسمعنا أحد .. لن نصمت حين تُغلق الجامعات بالأقفال من مجلس نقابات العاملين بالجامعات اليمنية طلباً لحقوقهم التي أقرها القانون وهرب منها وزيرا الخدمة والمالية، فأنزل لهم باسندوة لعنته وأرسل عليهم جنوداً أبابيل تضربهم بعصي شديدة القسوة. لن نصمت لأننا أردنا كشف مصير المعتقلين اليمنيين في الفرقة السيئة فأثارتنا الردود والتعليقات المتهكمة عن مصير الجثث المجهولة التي تحاذق عليها الإخوان وأرادوا المقامرة السياسية والأخلاقية عليها . لن نصمت لأننا لا نعرف حقاً.. ولم نقرأ دستوراً أو نتعرف إلى قانون لا نفهمه.. لن نصمت على استشهاد عبدالعزيز عبدالغني ورفاق الجامع الحزين.. لن نصمت على أي شيء.. أدنى شيء.. أبسط أمر .! إنها دعوة الرفض لصمت طويل يريد لنا الإخوة الأعداء أن نعيده بكل بلادة.. إنه رفض عارم إزاء كل الشائنات التي قذفتنا بها حكومة الرجل العجوز بعبارات جنسية ساقطة.. إنها دعوة الأخلاق التي تبدلت في ثورة الغيّ والمصالح المتقاطعة . يريد لنا الحوثي أن نؤمن بالدولة المدنية فيكرر علينا أسطوانة الإخوان المملة وهو يذكرنا بوجوب نصرة الإمام زيد والثأر من قتلة الحسين .. بينما يقدم نفسه كفارس غير نبيل لحمل لواء الانتقام من مجرمين مر عليهم 1400 عام للصعود عبر إيحاءات الإباء إلى كرسي الإمامة والولاية، بينما لا نجد سبيلاً للنيل من مجرمي اليوم وفاسدي الوفاق ودعاة الولاية الدينية التي يريد لنا أنصارها أن نصمت ونردد شعاراتها الباكية.. فلا نبكي .! لقد مللنا البكاء.. بالنسبة لي فقدت أي قدرة على ذلك بعد وفاة والدتي، حينها انتحبت طويلاً وكان نشيجي المؤلم يُسمع كل من في العالم فتورمت عيناي وخارت قدرتي على استجلاب الدموع وسقطت مرغماً بالإيمان بقدر الوفاة وإنا لله وإنا إليه راجعون . مرة أخرى.. لا شيء يستحق البكاء سوى وطني – أمي – حضن الحنان الرؤوم وصدر الحياة التي تذبل تحت نعال السياسيين وهم يُلقّنوننا فنون الاختلاف الرجيم ويذهبون إلى "قطر" لاستلام رائحة العرق الذي حولنا لكومة من القطيع المضحك. لن نصمت يا محمود .. وهذا صدىً جديد لرسالتك وعنوانك.. فلا تكرر علينا ضحكة الساخرين من أحلامنا وأفكارنا التي تبني وطناً بمثالية لا تُقرها أفكار وسطور كتاب "الأمير" لميكيافيلي .. ولا تجعلنا نردد وراءك عنوان العهد الشاب الذي يُراقب ولا يلتزم الصمت. ثم تذهب إلى مكان آخر وتشتري بيتاً باهظاً كذلك الذي اشتراه "وسيم القرشي" ولم يسأله أحد عنه أو من أين له هذا البذخ المُستفز لكل شباب الساحات الذين اشترى بهم ثمناً قليلاً . نريد أن نرى جعجعة وطحيناً.. وإذا كان السكوت من فضة فالصراخ من ذهب . ..وإلى لقاء يتجدد ..