– تعز : كَشَف تحقيق استمر تسعة أشهر العثور على مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصيّة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته وذلك بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق. ويعود هذا التحقيق، الذي أجرته الجزيرة، بعد مرور أكثر من سبع سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني، ولا يزال اللغز قائمًا حول ظروف مقتله، إذا أن التحاليل التي أجريت له في باريس لم تتوصلْ إلى وجود آثار سموم واضحة في جسم عرفات، لكن الشائعات تناسلت بشأن السبب المحتمل لمقتله: سرطان، تليف كبدي، بل راجت حتى مزاعم بإصابته بمرض الإيدز. وأفاد التحقيق أن كل تلك الشائعات غير صحيحة؛ عرفات كان بصحة جيدة إلى أن شعر فجأة بالمرض في 12 أكتوبر 2004، مؤكدًا أن آخر الأغراض الشخصيّة لعرفات (ملابسه، فرشاة أسنانه، وحتى قبعته) فيها كميات غير طبيعيّة من البولونيوم، وهو مادة نادرة وعالية الإشعاع. كانت تلك الأغراض التي خضعت للتحليل في معهد الفيزياء الإشعاعيّة بمدينة لوزان بسويسرا، تحمل بقعًا من دم عرفات وعرقه وبوله، وتشير التحاليل التي أجريت على تلك العينات إلى أن جسمه كانت به نسبة عالية من البولونيوم قبل وفاته. يقول مدير المعهد فرانسوا بوتشد "أستطيع أن أؤكد لكم أننا قسنا كميّة عالية من البولونيوم غير المدعوم 210 (المصنع) في أغراض عرفات التي تحمل بقعًا من السوائل البيولوجيّة". ويقول الأطباء إنهم بحاجة لمزيد من التحاليل وتحديدًا لعظام الراحل عرفات أو للتربة المحيطة برفاته، وإذا أثبتت التحاليل تلك وجود نسبة عالية من البولونيوم المصنع، فإن ذلك سيكون حجة دامغة على أنه تعرّض للتسمم. عندما حلّل الأطباء الأغراض الشخصيّة لعرفات -التي سلمتها سهى عرفات لفريق الجزيرة- لم يُعثر على أثر لسموم المعادن الثقيلة أو التقليديّة، ولهذا تحوّل اهتمامهم إلى مواد أكثر غموضًا من بينها البولونيوم وهو مادة عالية الإشعاع لا يمكن إنتاجها إلا في مفاعل نووي ولها عدة استعمالات بينها توفير الطاقة للمركبات الفضائيّة. يوجد البولونيوم في الغلاف الجوي، لكن المستويات الطبيعيّة تسجل بالكاد، اكتشفت ماري كوري البولونيوم عام 1898 وكانت ابنتها إرين ضمن القتلى الأوائل الذين قضوا بسبب تلك المادة، فقد ماتت باللوكيميا (سرطان الدم) بعد سنوات من تعرضها خطأ للبولونيوم في مختبرها. كما قتل شخصان على الأقل لهما علاقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي جراء تعرضهما لمادة البولونيوم، لكن الضحية الأشهر للبولونيوم هو الجاسوس الروسي السابق الذي صار معارضا ألكسندر ليتفينينكو، إذ توفي في لندن عام 2006، وتوصّل تحقيق بريطاني إلى أنه توفي بالبولونيوم الذي دسّ له في الشاي بأحد مطاعم السوشي. وليس هناك إجماع طبي واسع على أعراض التسمم بالبولونيوم، ويعود ذلك أساسًا إلى قلة الحالات التي سجلت في الموضوع، وقد عانى ليتفينينكو من إسهال حاد، وفقدان للوزن، وتقيؤ، وهي الأعراض ذاتها التي ظهرت لدى عرفات بعد إصابته بالمرض.