– خاص : وقفت مؤسسة "وثاق للتوجه المدني " على جرائم خطيرة ارتكبت بحق المدنيين والنساء والأطفال منذ سنوات ، وتحَمل الناس في محافظتي صعدة وحجة في اقصى الشمال اليمني الكثير من الألم . ويجب أن يعرف الناس مصير (48) شخصا من المدنيين الذين اختطفتهم جماعة الحوثي من بيوتهم ولم يعودوا .. كما أن مسلسل القتل بدوافع انتقامية او بالاشتباه أو ما شابه ذلك ، يجب أن يتوقف فورا . خلال العام الماضي 2011 لقي (124) شخصا من المدنيين حتفهم برصاص "جماعة الحوثي" في مديرية "كُشر "، من محافظة حجة ، ويجب التأكيد ان هؤلاء الضحايا لم يفقدوا ارواحهم في ظروف قتالية لأن الحرب ، التي دارت جولاتها في محافظة صعدة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي قد توقفت في شهر فبراير من عام 2010م. والمؤكد أن هؤلاء الضحايا من المدنيين قتلوا نتيجة اعتداءات مسلحة ل"جماعة الحوثي" التي اغار مقاتلوها على مديرية "كشر" من جهة الشمال لأهداف توسعية في 2011 بعد توقف الحرب ، وقد لقي عدد من المواطنين مصارعهم بألغام الحوثي، التي تم غرسها مؤخرا في بلادهم ، ومن الضروري ان يتساءل المهتمون في الشئون الانسانية : لماذا هرع الحوثيون من صعدة إلى حجة لغرس الألغام في تلك المديرية الفقيرة جدا "مُستبأ"، التي لا تتواجد فيها دبابات الجيش ولا تشهد مواجهات؟! لقد زار الفريق الميداني لمؤسسة "وثاق" مخيمات "المُهجرين قسرياً" ومراكز اقامتهم وبيوت الإيواء ، فوجد (4203) شخصا من مديرية "كُشر" لوحدها طُردوا من بيوتهم بالقوة العام الفائت (2011) ، وهم لا يستطيعون العودة اليها حتى هذه اللحظة . وكانت "جماعة الحوثي" المسلحة نفسها قتلت (531 ) مدنيا في محافظة صعدة على امتداد سنوات الحرب ال 6 .. الفريق الميداني ، ذاته ، وثَّق هذه الجرائم حالةً حالة ، ووقف على وضع "المهجرين قسرياً" من محافظة صعدة ، الذين طردوا من قراهم ومزارعهم بالقوة إبان الحرب ، والذين وصل عددهم الى (5300) شخصا ( نساء،اطفال،عجائز،معاقين وغيرهم). ويفيد هؤلاء المواطنين المعذبين داخل تلك المخيمات بأن جماعة الحوثي ، التي باتت تطلق على نفسها ، مؤخرا ، إسم "انصار الله" ، عمدت الى تفجير بيوتهم بقوة ال"ديناميت" بعد ان أجبرتهم على الرحيل. ويقول آخرون :" بيوتنا لا تزال صالحة لكن مقاتلو الحوثي باتوا يتمركزون بها". يجدر بمؤسسة "وثاق" ، وهي تسرد المأساة بأمانة وتجرد ، ان توضح بأن "المهجرين قسريا" ، لا يقصد بهم "النازحين" ، الذين تركوا بيوتهم تجنبا لخطر المعارك ، إنما هم اولئك المدنيون الذين لم يشتركوا في القتال ضد أو مع طرف من الأطراف، و الأرجح ان هؤلاء هم الذين صاروا محل شك "جماعة الحوثي" ، التي انتزعت "صعدة" مؤخرا من قبضة الدولة. الحالة الإنسانية لعشرات الأسر مأساوية. وكان الفريق الميداني يسجل بصعوبة قصص الأمهات وهن يسردن مأساتهن بوجع ، وكيف أن الحوثيون كانوا يقتلون الأطفال أمام اعينهن بوحشية ، كما في حالة الطفل حمزة ، الطفل ذو ال5 أعوام ، الذي قتل ب 8 رصاصات وهو يلعب جوار البيت يوم 9 مايو 2010. وطبقا لأحد الشهود ، الذي سألهم بذهول: "ليش قتلتموه وهو طفل" ؟! فجاءه الرد واضحا على لسان أحد القتلة :" كي لا يأخذ بثأر أبيه وجده عندما يكبر ، شكله شرير" ، وفارق هذا الطفل الحياة وهو لا يعرف أن هذه الجماعة هي ذاتها ، التي قتلت والده عوض مسفر شَّداد وجده مسفر وعدد من افراد أسرته قبل سنتين. ويبلغ عدد الأطفال الذين قُتلوا برصاص الحوثي مباشرة (59) طفلا ، أغلبهم بدوافع انتقامية. وهناك (48) امرأة قُتلتْ ايضاً.. كما ان هناك أسرا بكاملها تم التخلص منها ، على سبيل المثال : أسرة محمد علي الحبيشي ، المواطن الذي لم يبقى على قيد الحياة سواه وزوجة معاقة ، بعد ان فجر الحوثيون البيت بمن فيه : 16 فرد (أطفال ، بنات، وأقارب). وكان ، محمد الحبيشي خارج المنزل ، الحبيشي ، الذي أفاد بأن الحوثيون اختطفوا جثث اطفاله وبعض اقاربه من داخل المستشفى بعد ساعتين على التفجير ، وذهبوا لإخفائهم في مكان مجهول ، طبقا لروايته. وبحسب رواية الشهود فإن مجموعة من الحوثيون انتزعوا الجثث بالقوة " وذهبوا بها على ظهر طقم لأنها كانت بشعة جدا وكانوا يخشون ان تتسرب لها صور وتعرض في وسائل الإعلام". وملخص مأساة الحبيشي ؛ ان مقاتلي الحوثي كانوا يلاحقون أحد الجنود المطلوبين ، إلا ان هذا الجندي لاذ ببيت محمد الحبيشي هربا من موت محقق ، وبعد أن احس الجندي بأن المجموعة التي تلاحقه اقتحمت البيت هرب الى السطح وقفز الى خارج الحوش وتمكن من الفرار ، غير أن مقاتلي الحوثي ، الذين أخذوا يفتشون المنزل حُجرةً حجرة ، لم يقتنعوا ، وأصروا على ان الجندي لا يزال مختبئاً في مكان من المنزل ، كما وأن الحبيشي ، طبقا لتلك اللحظة "يشتغل جاسوس" في نظرهم.. وكانت العقوبة : أحكموا إغلاق باب المنزل على النساء والأطفال وعلى الجندي الهارب الذي يعتقدون انه بينهم ، ثم فجروا الدار من تحت رأسا على عقب. هذه الجريمة الوحشية لم تحصل في ظروف حرب ، إنما وقعت يوم 19/3/2011. وقد تداعى السكان على وقع الانفجار الرهيب ، وبعد ساعات ومن وسط الركام والغبار وأكوام الحديد انتشلوا (13) جثة ، وأخذوها الى المستشفى ، والى هناك جاءت مجموعة من الحوثيون ولكن لتأخذ الجثث ب"القوة" من أمام الناس ، وحتى هذه اللحظة لا يعلم أب هذه الأسرة أين ذهبوا بها. وطبقا لرواية شاهد عيان شارك في عملية الانتشال :" وصلت الجثث الى المستشفى وهي بصورة لا يمكن وصفها من شدة التفجير"! وبالعودة إلى نتائج التقرير النهائية ، فإن إجمالي حالات الانتهاك ضد المدنيين في كلا المحافظتين ؛ صعدة وحجة ( 13905) ، وتشترك القوات الحكومية وجماعة الحوثي باقتراف هذا العدد ، خصوصا في محافظة صعدة ، المحافظة ، التي وثّقتْ المؤسسة فيها على الطرفين(9039) حالة انتهاك.. أما في محافظة حجة ، التي لا وجود فيها لوحدات الجيش فعدد الانتهاكات من طرف جماعة الحوثي بلغ (4866) حالة. وتتنوع الانتهاكات بين حالات ؛ القتل ، الاصابات، الاختطاف، التعذيب، الإخفاء القسري، التهجير القسري، تدمير المنازل واحتلالها، تفجير السيارات ونهبها ..الخ (راجع الجداول). وطبقا لنتائج التقرير الميداني اقترفت القوات الحكومية (245) حالة انتهاك ضد المدنيين الذين لم يرفعوا في وجهها السلاح . ويبلغ عدد القتلى من المدنيين بنيران الجيش 82 شخصا ، وعدد الذين جرحوا 63 ، كما ان الحكومة اعتقلت 60 مدنيا ودمرت 60 بيتا و9 مرافق حكومية. اضافة الى مسجدين كانا هدفا للمدفعية. عمل فريق الرصد الميداني في بيئة خطيرة ، وتلقى عدد منهم تهديدات بالتصفية من قبل الحوثيون ، إلا ان الفريق الذين يتألف أكثر من 100 شاب ، لم ينهار ، وواصل مهمته بجدارة وبطريقة حذرة للغاية. وقد كشف فريقنا الميداني عن وجود 36 سجنا سريا تابعة للحوثي في 7 مديريات من محافظة صعدة. ففي مديرية "سحار" لوحدها هناك 13 سجنا تملكها "جماعة الحوثي" ، ويتبعه في مديرية رازح 7 سجون ، وفي مديرية "الصفراء" لديه 5 (لاحظ الجدول داخل التقرير) . ووصلت حالات الاختطاف من قبل جماعة الحوثي في محافظة صعدة منذ 2004 وحتى 2011 (596) حالة اختطاف للمدنيين بينهم 48 شخصا لم يستطع ذويهم الحصول على اية معلومة تؤكد مصيرهم : قتلى أو على قيد الحياة.. وهؤلاء "المختفون قسريا" ، يمكن تصنيفهم ضمن الفئات الأكثر مأساوية في هذا التقرير!! وقد تمكنت المؤسسة ، عبر فريقها الميداني ، من توثيق عدد 22 حالة تعرضت للتعذيب على ايدي جماعة"انصار الله" ، التي طردت في 2007 (59) مواطنا يمنياً من معتنقي الديانة اليهودية ، وفجَّرت وراءهم 7 بيوت في منطقة "آل سالم" التي يقيمون فيها منذ آلاف السنين!! وبالنظر الى الجدول الخاص بترتيب معدلات الجريمة زمنياً ، فإن معدلات حالات الانتهاك ، ترتفع في حالات السلم اكثر منها في ظروف الحرب. وهذا الاستنتاج بُنيَّ على النتائج التي توصلت اليها فرق الرصد الميدانية ، من خلال شهادات المواطنين انفسهم وعلى ألسنة أقارب الضحايا الذين أفادوا بأن معظم حالات القتل ، والتهجير، والخطف، كانت تتم بعد توقف القتال بين الجيش ومقاتلي الحوثي. يتمتع مقاتلو "الحوثي" في صعدة تحديدا ، بالحرية الكاملة فلا أحد يُسائلهم ، كما ان المدنيين الذين لا يرفعون الشعار معرضون للأذى ، وقد وثَّقتْ مؤسسة "وثاق" عشرات الحالات ، التي طالها العقاب لهذا السبب.. فقد تعرض عددا من المواطنين للاستجوابات بتهم عدة أخطرها ؛ العمالة لأمريكا واسرائيل ، وتمكنت "وثاق" من التثبَّت بشأن اشخاصا أعدموا تحت هذه التهمة. ( بالإمكان الاطلاع على بعض القصص المأساوية لبعض الحالات داخل التقرير الرئيسي). وبما أن مؤسسة "وثاق للتوجه المدني" لا تزال منظمة حديثة التشكل ، لا تعرفها كثير من الفئات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتهم وسائل الإعلام ، إلا أنها تؤكد مرة ثانية ، بأن هذه الأرقام دقيقة وبأنها تمتلك كل الثبوتيات الكافية التي تسند كل هذه البيانات وتمدها بالقوة. تعتقد مؤسسة "وثاق" ان مكافحة مثل هذه الأعمال غير الطبيعية والحد منها ، لا يتحقق مباشرة عن طريق القانون فحسب ، او من خلال الإدانات والشجب، أو بالقوة ، وإنما من خلال برامج التوعية الفعالة ، ومكافحة الفقر والأمية ، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي، وتجريم فكرة التفوق العرقي والتمييز بين الجنسين ، والعنف ضد النساء والأطفال أو تجنيدهم. إن مؤسستنا ، بإمكانياتها البسيطة للغاية ، لا تستطيع ان تقوم بجهد عملي لدراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة وانعكاسات هذه النتائج الفظيعة على حياة الأطفال والأمهات أو النازحين و المهجرين قسريا ، أو حتى على حياة السكان المستقرين في قراهم . لكننا نتوقع ، ان تبادر الحكومة اليمنية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث المتخصصة والجامعات بواجبها إزاء كل هذه المواضيع في أسرع وقت ، وتأمل "وثاق" ان لا تبحث هذه الجهات عن المبررات الموضوعية والإنسانية كي تطلق مثل هذه المبادرات . الواقع الإنساني في صعدة وحجة مؤلم وقاس ، ومؤشرات المستقبل في ظل استمرار خطر الصراع المسلح وغياب سلطة الدولة وفقدان الشعور بالأمان و الأمل لدى المواطنين ، ينذر بعواقب كارثية على كل المستويات ؛ اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا وسياسيا. تمتلك "مؤسسة وثاق" معلومات خطيرة جدا عن انواع جديدة من حالات الانتهاك ، سواء ما يتعلق بمصير بعض أسرى الجيش ، أو ما يتعلق ب" المصائر الفظيعة" لتلك البيوت والقرى التي كان طرفي الصراع يتخذون منها دروعا بشرية ، أو عن العمالة الإجبارية بالأطفال واستخدامهم في التجارة والتهريب على خط الحدود ، أو عن تجارة السلاح والمخدرات ، التي تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأثرى أصحابها من وراء الحرب ، أو عن صعدة التي تحولت الى منطقة جباية تدر أموالا طائلة بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، غير أن "وثاق" بصدد التأكد والتوثَّق من صحة بياناتها وأرقامها بصيغتها النهائية. ويجب التأكيد ان "مؤسسة وثاق للتوجه المدني" ملتزمة عن نفسها بالتعاون مع كل منظمات المجتمع المدني والمهتمين والباحثين في مناطق التوتر ، من أجل أي عمل يُهدف من خلاله الوصول الى حلول ومعالجات عملية لهذه المواضيع الموجعة للضمير الإنساني.