في غمرة انشغال الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفائها العرب بكيفية اضعاف ومن ثم تدمير “الدولة الاسلامية” التي يتزعمها ابو بكر البغدادي من خلال حشد الجيوش، والغارات الجوية، تتدهور الاوضاع في اليمن بشكل متسارع بعد نجاح “انصار الله” او التيار الحوثي بالتقدم الى وسط العاصمة وتعطيل وسائل الاتصال الهاتفية، وقصف التلفزة بهدف وقف بثها وهذا ما حدث. الازمة في اليمن ليست جديدة، وتقدم التيار الحوثي نحو العاصمة صنعاء بعد استيلاءه على محافظتي صعدة وعمران شمالا ليس من الاسرار، ولكن ما هو مفاجيء فشل كل جهود التسوية ولجان المصالحة، وكذلك جهود المبعوث الاممي لليمن جمال بن عمر في الوصول الى صيغة توافقية توقف هذا الانهيار. الرئيس اليمني هادي عبد الله منصور رجل اختاره الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح نائبا له لانه لا يملك “الكاريزما” ولا يشكل منافسا له، وفوق كل هذا وذاك انه من الجنوب اليمني، حتى يقول ان الجنوب مشارك في السلطة بشكل فاعل، ولكن واقع الحال كان مختلفا كليا، وجاءت هذه المشاركة “صورية” بالتالي، والدليل على ذلك تصاعد حدة الحراك الانفصالي الجنوبي، واستخدامه التهميش والاستئثار الشمالي بالسلطة كذريعة لتجنيد الانصار والتمرد على الحكومة المركزية في صنعاء. الرئيس علي عبد الله صالح اخرج من القيادة بطريقة مهينة وبضغوط سعودية وخليجية الى جانب الضغوط الشعبية الضخمة، وتعرض لمحاولة اغتيال اتهم خصومه في حزب الاصلاح بالوقوف خلفها، ولذلك من الطبيعي ان يحاول اقامة دولة موازية تعمل على الانتقام من خصومه ووضع العقبات في طريق الحكم الجديد في الوقت نفسه، فهو رجل لا يمكن التقليل من دهائه ورغبته في الانتقام في الوقت نفسه. المقولات التي تتردد بقوة في الشارع اليمني عن دعم الرئيس اليمني السابق للتيار الحوثي على طريقة “عدو عدوي صديقي” والتي نفاها الرئيس صالح غير مستبعدة، والشيء نفسه يقال ايضا عن الدعم الايراني لهذا التيار، بينما يتزايد ضعف الجيش اليمني بسبب انهاكه في حروب على جبهات عديدة، حيث يحارب تنظيم “القاعدة” في الجنوب، والتيار الحوثي في الشمال، ويعاني من انشقاق وتسليح بائس. الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي جاء الى الرئاسة عبر مبادرة خليجية، وسعودية في الجوهر، لم يستخدم الورقة اليمنية بشكل جيد من اجل الحصول على الدعم المالي والعسكري اللازم من اصحاب هذه المبادرة وضغط على الشعب اليمني الفقير المعدم وتحميله عبء الازمة الاقتصادية والعجز الكبير في الميزانية (حوالي اربعة مليارات دولار تقريبا)، بدلا من الضغط على الجوار الخليجي الذي يشكل استقرار اليمن “عنصر امان” بالنسبة اليه. فقرار رفع الدعم عن المحروقات مما ادى الى زيادة اسعارها مئة بالمئة دفعة واحدة كان عنصر التفجير للازمة في صورتها الحالية، وتقديم الذريعة الاكبر للتيار الحوثي من حيث استغلاله لحالة الغضب الشعبي من جراء هذه الخطوة التي تتسم بقصر النظر وسوء التقدير. صحيح ان الرئيس اليمني تراجع عن خطوة رفع الدعم هذه بالتدرج، بادئا بخفض الاسعار ثلاثين في المئة، ولكن هذا التراجع جاء متأخرا لان التيار الحوثي استخدم زيادة الاسعار كغطاء للتقدم نحو العاصمة بعد استيلائه على محافظة عمران، وسيطر على كل منافذها الاربعة وطريق المطار الرئيسي والمنطقة المحيطة به. لا نعتقد ان الوصول الى اي تسوية تحقن الدماء سيكون سهلا، فالبلاد مقدمة على المزيد من الانهيار والحرب الاهلية الدموية، ومن غير المستبعد ان نصحوا في اي يوم على انقلاب عسكري يطيح بالرئيس والعملية الديمقراطية ويعلن الاحكام العرفية في البلاد. مرة اخرى نوجه اللوم الى الدول الخليجية التي تحركت في كل الاتجاهات الا الاتجاه نحو اليمن، قدمت اكثر من 25 مليارا لمصر، ودخلت في الحلف الامريكي لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، ومولت المعارضة السورية ودربتها، ولكنها لم تفعل شيئا بالنسبة الى اليمن وشعبه وثورته السلمية البيضاء. الحرب الاهلية في اليمن تشكل خطرا اكبر على السعودية ودول الخليج الاخرى من تنظيم الدولة الاسلامية او “عراق طائفي”، او نظام ديكتاتوري في سورية. السعودية ودول الخليج اعلنت الحرب على حركة الاخوان المسلمين في اليمن ونجحت في اضعافها، ولكن هذا الاضعاف جاء لمصلحة تيار “انصار الله” الحوثي، وارادت رئيسا يمنيا مسالما طيبا مثل عبد ربه منصور هادي، ولكن من غير المستبعد ان يكون البديل عبد الملك الحوثي، او الرئيس علي عبد الله صالح، او ضابطا طموحا يقود انقلابا عسكريا ويتولى زمام الامور في البلاد، او لا هذا ولا ذاك، وانما حربا اهلية تدوم سنوات تستخدم فيها كل انواع الاسلحة. كل الاحتمالات واردة في اليمن باستثناء التوصل الى حل سلمي يخرج البلاد من ازمتها في المستقبل المنظور على الاقل، وهذه قمة المأساة.