استبشرنا خيراً ، نحن أبناء مدينة عدن ، عندما تنامى إلى مسامعنا عن عزم إدارة مكتب الثقافة بتنظيم مهرجان بذكرى ميلاد ورحيل الفنان الكبير أحمد قاسم . وترقبنا طوال فترة التحضير للمهرجان أن نعيش أياماً معدودة مع هذه القامة الفنية العبقرية ، العدنية ،اليمنية ،العربية ، بعد رحيلها المفاجئ عن دنيانا قبل أحد وعشرين عاماً ، وأن نعرف ما لم نكن نعرفه. ولكننا للأسف ، أقولها بحسرة ، وألم وحزن عميقين ، لم نستشعر روح فناننا المحبوب تحلق في سمائنا ، ذلك لأن ما تم القيام به هو عبارة عن نشاط فقير جداً ، لا يليق برجل قدم للأجيال خلاصة عبقريته الفنية. ومن خلال متابعاتنا ، منذ اليوم الأول لافتتاح ما سمي بالمهرجان ، لمسنا مدى العشوائية في التنظيم ، وعدم إدراك أهمية هذه الفعالية ، ولا إدراك القيمة الإنسانية والفنية التي كان يتمتع بها فناننا الخالد . فهل الفنان أحمد قاسم ، الذي حاكى وجداننا بشآبيب من إبداعاته العبقرية ، يستحق منا هذا العمل غير المنظم ؟ وهو الفنان الدقيق في مواعيده وفي عمله وفي أمور حياته المختلفة ، حتى آخر أيامه ، والكل يعرف هذا . وهو الذي باع بيته الذي كان يسكنه في مدينة خورمكسر ، مضطراً .. من أجل أولاده .. لأنه عزيز النفس لا يمد يده لأحد ، بل إنه رفض ترك وطنه للهجرة ، وفضل تربة عدن وأسرته وأولاده . ولو كان فعلها لكان أفضل له ، ولكانت شهرته امتدت إلى أصقاع العالم ، كما حدث لغيره من الفنانين اليمنيين ، أبرزهم الفنان الكبير أبوبكر سالم بالفقيه .. من ذكر هذا الكلام في أية ندوة من الندوات العديدة التي بثتها شاشة تلفزيون عدن؟ أو التي أقيمت في المكتبة الوطنية ؟ إن كل ما قيل عن هذا الفنان الذي لن يتكرر في بلادنا ، معروفاً للقاصي والداني ، للكبير والصغير .. أين الحكمة التي نستلهمها من مستهل حياة أحمد قاسم البائسة ، ليقتدي بها شباب اليوم ؟ كيف كان يعصر ذهنه من أجل ولادة لحن رائع يسمو بمشاعرنا ويحلق بعواطفنا ؟ ما هي الظروف الزمانية والمكانية التي عاشها فناننا وتأثر بها ، فخلقت هذا اللحن أو ذاك؟ أين هي تلك الأغاني الثورية الحماسية التي غناها في فترة السبعينيات من القرن العشرين ، والتي كان لها رجع الصدى عند الجماهير العريضة التي رددتها بحماس وبحب كبير؛ فشمرت عن سواعدها للعمل والبناء ؟ وهي المرحلة التي خلدها التاريخ ، شئنا أم أبينا ، كأهم المراحل التي عاشها جنوب الوطن بسلبياتها وإيجابياتها ، ولا يمكننا محوها من ذواكرنا ، لأنها كانت بداية الطريق نحو الاستقلال ، في وطن يرى شمس الحرية والانعتاق بعد ( 129) سنة من الاحتلال الأجنبي. عندما نتحدث عن فنان عظيم ، مثل أحمد قاسم ، فإنه من الواجب علينا البحث والتقصي عن كل ما يتعلق بهذا العملاق . ولا ندع شاردة أو واردة تمر دون الإمساك بها وفض أسرارها . وهناك أمم قد سبقتنا في هذا المجال ، لماذا لا نتعلم منها ؟ ولا يعلق أحد على شماعة الإمكانيات المادية ، رجاءً ، فما تم قبضه من أموال ، من مختلف الأطراف الداعمة ، بحجة إقامة (مهرجان) لأحمد قاسم ، كان كافياً لتنفيذ فيلمٍ روائي له يخلد ذكراه ، أو صنع تمثال يجسده ، وليس تهريجاً تحت مسمى مهرجان !! وآخر المتمة تشويه اللوحة البائسة التي علقت في الشارع الذي سكنه أواخر حياته . فهل هكذا يتم تكريم فنان بقامة أحمد قاسم؟ حتى الكتاب الذي صدر في معمعة (المهرجان) ، تشوبه الكثير من الركاكة اللغوية والضعف المنهجي في الكتابة عن الشخصية ، زد إلى ذلك الأخطاء المطبعية الكثيرة ، وعلى من نلقي باللوم ؟ ماذا عسانا نقول في هذا المقام ، عما لحقت من مهازل بحق فناننا الكبير ، قيثارة الفن العدني واليمني والعربي ؟ وهو لعمري ، ما كان يبتغي لنفسه هذه الإطالة في (مهرجان) خواء لا يسمن ولا يغني من جوع .. وكانت تكفيه البساطة باكتنازها المتعة والفائدة ، كما كان هو الفنان الرقيق ، البسيط ، المتواضع والمعطاء ، والإنسان المحب والمتسامح. ماذا عسانا نقول ؟ ولكأنما نسمع صدى صوت قيثارة أحمد قاسم تعزف ألحان أغنيته التي ولدت من رحم معاناته العاطفية " يا عيباه " .