مليشيات الحوثي تغلق مسجدا شمالي صنعاء بسبب رفض المصلين لخطيبها    شاهد كيف ظهر كريستيانو رونالدو بلحية .. صور تثير الجدل والكشف عن حقيقتها!    قيادي حوثي يواصل احتجاز طفل صحفي ويشترط مبادلته بأسرى حوثيين    وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هرم فني اسمه محمد سعد عبد الله..(في الذكرى الثانية عشرة لوفاته في ال16من أبريل 2014م)
نشر في عدن الغد يوم 15 - 04 - 2014


كتب/د. عيدروس نصر ناصر

مقدمة:
كان ذلك عام 1972/1973 عندما كنا في المدرسة الاعدادية وقد تعلمنا في الحلقات الثقافية الأسبوعية ومن قراءاتنا الثقافية وضمن برامج التثقيف الحزبي أن أغنية الحب الصادقة والمعبرة هي تلك التي يمكن أن تجمع بين معاناة المحب مع حبيبته وبين انتمائه إلى الوطن ووفائه له، أو بمعنى آخر هي تلك التي تجعل الحب الفردي الإنساني العاطفي الغزلي (سمه ما شئت) جزءا من حب الوطن، وتصور فيما تصور حياة المحب كجزء من حياة الناس البسطاء المسكونين بحب الأرض وهموم الشعب.
يومها سمعت ولأول مرة الفنان محمد سعد عبد الله وهو يغني في إحدى حفلات الزفاف في مدينة الحصن، بأبين أغنية "ماشي علي لوم" والتي يقول في بعض كلماتها:
ماشي علي لوم لو حبيت والا اخترت ريفيه (*)
سمرا من الريف جذابه ابتسامتها طبيعيه
ترجَع الروح بضحكتها ولهجتها المحليه
سمرا رضيه رقيقه طيبه جدا وعاديه
وانا ما شي علبي لوم
والتي تقول بعض مقاطعها:

لو شافت السيل من وادي بنا دفر وخيره سال
تخرج من البيت تسقي طينها وتشارك العمال
حيا صباحش فتاة الريف تعيشي رمز للأجيال
من ما يحبش ومن ما يعشقش وانتي يمانية
وانا ماشي علي لوم
كانت سمعة محمد سعد عبد الله قد بلغت الأعالي بجمال صوته وعذوبة ألحانة وجودة اختياره للنصوص الغنائية وحسن أدائه وإتقانه العالي للجمع بين اللحن الجميل والكلمة الهادفة لكن هذه الأغنية تركت عندي شخصيا تأثيرا استثنائيا ونمت قيمتها مع نموي الجسدي والذهني وكبرت معي عبر مراحل زمنية تقارب العقود الأربعة وما تزال ذكرى اللحظة الزمنية والرمزية المكانية حاضرة في الوجدان ولا أخالها تتراجع أو تتضاءل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
* * * *
تصادف هذا الشهر (أبريل) الذكرى الثانية عشرة لوفاة القامة الفنية والوطنية الكبيرة والموسوعة الغنائية العدنية واليمنية والعربية، محمد سعد عبد الله، هذا الفنان الكبير الذي ملأ صوته الدنيا، وأطرب الملايين، وأنعش الذاكرة الفنية وطبب بصوته جراح المحبين وتنهدات المكلومين، وظل يشدو بصوته العذب على مدي ما يقارب خمسين عاما، دون أن يكل أو يخبو أو يتراجع، حتى الرمق الأخير من حياته.
محمد سعد عبد الله ليس فقط مغن عذب الصوت رقيق المشاعر جميل الأداء، بل إنه أيضا عازف ماهر يجيد العزف على العود وآلات موسيقية أخرى وهو ملحن مبتكر ومبدع يترجم من خلال ألحان أغنياته مشاعر مئات الآلاف من محبيه وفضلا عن ذلك هو شاعر غنائي من الدرجة الأولى إذ يلحظ كل من يستمع إلى الأغنيات التي نظم كلماتها بنفسه مدى الرقي الفني والمستوى الثقافي العالي والقدرات الشعرية المتميزة للفنان، وذلك الانسجام بين مضمون النص الغنائي وطابع اللحن ومستوى الأداء الفني لهذا الفنان الجميل.
من يتتبع السيرة الفنية للرائع محمد سعد عبد الله يلاحظ الخط التصاعدي الذي سار عليه المرحوم، فمنذ الأغاني الأولى: "أنا ما طيق"، "ما با بديل"، "ليه الجفا ما شان"، ثم "ردوا حبيبي وروحي"، "سلام كثير"، "ولهيب الشوق"، "أشتي أشوفك"، "أعز الناس" حتى "أنا يا حبيبي انته وإنته يا حبيبي أنا" و "أيش الاخبار"، و"جوال" "يحلها ألف حلال"، كان الفنان محمد سعد عبد الله ينتقل من الرائع إلى الأروع، ولا يمكن أن نلمس عنده أي ملمح من ملامح التراجع، أو النكوص، إذ ظل مبدعا جميلا ومبتكرا غزير العطاء، حاضرا بعمق ومتألقا بإدهاش في الذاكرة الفنية والثقافية اليمنية.
لقد غنى محمد سعد عبد الله جميع ألوان الغناء اليمني التقليدية، من الحضرمي والصنعاني واللحجي واليافعي، وفي كل أغنية غناها من الفن التقليدي أعطاها نكهته المميزة، فعندما نسمعه يغني "حوى الغنج" أو "وسط صنعا" "دوب الزمان"،"مالي المحبوب"، "ليه الجفا ما شان"، "سرى الليل"، نشعر بأن هذه النصوص قد اكتسبت عند محمد سعد بعدا جديدا، يتم فيه المزج بين اللهجة الصنعانية أو اللحجية أو الحضرمية التقليدية والجميلة والصوت العذب والرقيق لفنان أصيل يحافظ على مبدأ التجديد حيثما طرح صوته وحيثما تدخل بعوده وحنجرته.
سجل الفنان المرحوم محمد سعد عددا من الأغاني الصنعانية أو ذات الطابع الصنعاني، من أهمها: "يقرب الله لي بالعافية والسلامة"، "أمير الغيد"، "حوى الغنج"، "وسط صنعا"، "غزال البيد"، "لا حول لا حول"، "بيني وبينك يا حبيبي سر مكنون"، "سبوح يا قدوس"، "الله يعلم أنني مستهام"، وغيرها، ولقد غنى هذه الأغاني من اللون الصنعاني العديد من الفنانين اليمنيين، وأضفى كل منهم بصمته الخاصة، وما يميز أداء محمد سعد لتلك الأغاني هو جودة الأداء ووضوح الكلمات، وإتقان المصاحبة الموسيقية للكلمات، وعذوبة الصوت التي تجعل من يستمع إليها يستمتع بتراث تاريخي جميل ممزوج بنكهة حديثة جميلة تجمع بين الإدهاش والرقة وبين الأصالة والإبداع.
وعندما نستمع محمد سعد عبد الله وهو يغني من الأغاني اللحجية أو ات اللون اللحجي مثل "ليه الجفا ما شان"، "إلا لما متى ما يلتفت لي ما يجيب"، أو حتى "ما با بديل"، "يا شاكي غرامك" نحس بأن للون اللحجي عند بن سعد مزايا ليست حاضرة عند سواه ممن تغنوا بهذا اللون الغنائي الرائع بل يمكننا القول أن هناك فرع من اللون اللحجي جاء وكأنه صنع مخصصا لمحمد سعد دون سواه.
وما قيل عن اللونين اللحجي والصنعاني عند محمد سعد يمكن أن يقال عن أغنياته ذات اللون الحضرمي مثل "دوب الزمان"، (وهي الرائعة التي غنتها أيضا الفنانة ذات الصوت الشجي والحنجرة المتميزة المرحومة رجاء با سودان)، "مالي المحبوب"، "من بلي بالهوى" وسواها حيث تمكن محمد سعد وهو يغني الكلمات باللهجة الحضرمية أو يضفي على تلك النصوص مسحته الموسيقية ولمساته المتميزة، وأن يعطيها طابعا خاصا تفرد به عن سواه.
ربما شكلت الأغاني ذات الطابع التراثي لمحمد سعد عبد الله سجلا حافلا في موسوعة هذا الهرم الفني الكبير وبعضها من كلماته، بل وألحانه لكنه صبغها باللون الفني الذي حسبناها عليه (أي الصنعاني واللحجي والحضرمي واليافعي)، لكن المخزون الفني الأروع لمحمد سعد يتجلى في ذلك الكم النوعي من الأغنيات التي تفرد بها هذا الفنان الجميل ، وأقصد هنا تلك الأغاني التي تخصه دون سواه، وهي في الغالب من كلماته وألحانه وهو ما لا يتقنه كل فنان، فالرجل ينظم الكلمات ويصوغ لها اللحن الجميل المعبر عنها، ثم يقوم بغنائها بنفسه فتخرج من حنجرته صادقة معبرة واضحة ممتعة مشبعة لنهم المتذوقين ورغبات المحبين، ولا بد هنا أن نلاحظ العديد من المزايا الفنية للقصيدة الشعرية عند محمد سعد عبد الله، من أهمها الابداع الغنائي، فكل قصيدة عند محمد سعد تتألف من مجموعة من المقاطع، ولكل مقطع مكوناته: البيت الرئيسي، ثم أحيانا لازمة غنائية (أو ما أسماه د محمد عبده غانم: التوشيح) ثم التقفيل: فمثلا في أغنية "أيش لاخبار" في مقطعها الثاني يقول "بن سعد"
لا ضوى الليل تشعل في الحشا نيران
يمسي الشوق يتدفق كما البركان
ليتنا يا حبيبي نعرف العنوان با تخفف علينا لهفة الحرمان
ما وصلناش من مده طويلة أي مكتوب يا سيد القبيلة
في غيابك شوفنا نمسى على نار
أيشر لاخبار
وفي المقطع الثالث يواصل:
نا مت الناس واحنا ما نذوق النوم
كيف نرتاح واحنا بالنا مهموم
شوفنا يا حبيب دوب نحلم فيك نذكرك ما درينا كيف با نرضيك
ما وصلناش من مده طويله أي مكتوب يا سيد القبيلة
ويختتم بالتقفيلة المتعادة:
في غيابك شوفنا نمسي على نار
أيش لاخبار
فنلاحظ الفنان يتبع توزيع المقاطع إلى: البيت الرئيسي في المقطع، ثم اللزمة الغنائية (أو التوشيح) "ما وصلناش من مدة طويلة. . .إلخ" فالقفلة "في غيابك شوفنا نمسي على نار".
إن هذه الميزة الفنية وكثير غيرها من المزايا الفنية الجميلة تتكرر عند محمد سعد عبد الله، في الكثير من الأغاني المعاصرة التي نظم كلماتها لنفسه أو جاءت من كلمات شعراء آخرين، مثل "جدد ايام الصفا"، "يا طير يا ذا المعلي"، "سلام كثير"، "أعز الناس" ، أشتي أشوفك"، "أنا آسف" "أهجره وانساه" وغيرها من الأغاني الرائعة لهذا الفنان الأصيل.
ياخذ الكثير من المتابعين لفن وإبداع المرحوم محمد سعد عبد الله على هذا الفنان الكبير أنه فنان التشاؤم والخصام والعتاب الجارح، وينطلقون في ذلك من العديد من النصوص الغنائية التي أتت في مرحلة تاريخية معينة من فنه، مثل أغنيات "فات الأوان"، "اهجره وانساه"، " يا اللي الدلع ضيعك" ، "أنا اقدر أنساك"، "ما اشتيش أشوفك" وغيرها من الأغاني الحزينة المعبرة عن التألم ومخاصمة الحبيب والاستعداد لتعذيبه وتركه يحترق بنيران الهجر، لكن هؤلاء ينسون أن محمد سعد عبد الله صاحب هذه الأغاني، هو القائل:
مهما بعدتوه ياللي حجبتوه
عاهدت نفسي لا بد مالقاه
أنتو ظلمتوه مني حرمتوه
تشتوني انساه والله ما انساه.
وهو القائل:
أشتي أشوفك كل يوم وكل ساعة وكل ليلة
وان غبت لحظة عن عيوني أفقد البسمة الجميلة
وهو القائل أيضا:
ذي الحياة والله بلا معنى بدونه
يوم با شوفك وامتع بك عيوني
يا أمل عمري وياحبي الكبير.
وأيضا:
با حب أنا باحب، مادام عندي قناعه
با حب رغم الملامة ما بافرق الزين ساعه
واللي يحب مثل حبي ما تهموش الملامه
وغيرها العشرات من الأغاني المعبرة عن الوفاء والإخلاص بين الحبيبين والاستعداد لتحمل المعاناة من أجل الوفاء للحب والحبيب.
وإذا ما أخذنا عشرات العناوين من ألبوماته الفنية قديمها وحديثها فإننا سنجد لكل أغنية عند محمد سعد عبد الله بعد لا نجده في سواها، ولأنه لا يمكن حصر كل رصيد هذا الفنان فإننا يمكن أن نجمل أغاني العظيم محمد سعد عبد الله في عدة مناحي منها: أناشيد الوطن، أغاني الشوق والحنين، أغاني العتاب، أغاني الخصام أغاني التذكار وأغاني الوفاء ، وهذا النوع من التصنيف ليس تقسيما قطعيا ولا فصلا تعسفيا بل إنه مجرد مقاربة اجتهادية لعدد من النصوص الغنائية لفنان عظيم تتطلب دراسة فنه مجلدات ، ولا بد من ملاحظة أن العديد من الأغاني يمكن أن تصنف ضمن أكثر من مجموعة من تلك التي نشير إليها في هذا التصنيف.
أغاني الوطن: وهي تلك لأغاني والأناشيد التي تتصل بالشأن الوطني وتعبر عن القضايا السياسية الوطنية بعامة أو تلك التي تجمع بين البعد السياسي والبعد الاجتماعي وأهمها "يا بلاد الثائرين"، "جمهورية جمهورية أعلنناها"، "ولا با تنتسي يا يوم عشرين"، "يا ربان قود السفينة"، "لبيك صنعا"، وغيرها، وله في هذا المجال أناشيد ذات طابع مونولوجي مثل "قال بن سعد قلبي فوش يا ما صبر" التي نظمها وغناها مطلع الستينات، وارتبط ظهورها بملابسات تاريخية عديدة، أهمها كما يقول بعض المؤرخين والنقاد الفنيين، السعي لانضمام عدن إلى الاتحاد الفيدرالي، ثم انطلاق ثورة اكتوبر في العام 1963من و"مسيكين الجمل "، "سعيده محسنش" وكذا "ما بيننا اسرار"والتي نظمها وغناها في ظروف ما بعد إعلان 22 مايو وما تلاها من تعقيدات وأزمات سياسية، تجسدت في كلمات النص ويقول في بعض كلماتها:
ما بيننا اسرار والخافي مؤكد با يبان
يقول بن سعد نحن ناس بحاره قدرنا نوصل المركب إلى بر الأمان
ما همنا البحر وامواجه وتياره ورحلة عمر بالحكمة جعلناها ثمان
إلى إن يقول:
ماريد راتب ولا مسكن وسياره أريد الشعب ذا ينعم ويشعر بالأمان
الأمن مطلب اساسي شعبنا اختاره نباه اليوم يتحقق ويظهر للعيان
ما با جنابي ورشاشات في الحارة كفا خلو البلد ترتاح واعطونا الضمان
الأرض قدها مزرزر ألف زرزاره ونصف الشعب ذي فيها بلغ حد الجنان
ثم يواصل منتقدا سوء الحالة المعيشية للشعب والمتسببين فيها:
القوت خبوه وقاموا يرفعوا أسعاره الما لهم والشعب ذا دايم ضمان
يوزعوا القوت للكادح بقطاره شباعا كل واحد بالذهب جيبه ملان
خلوا المواطن مشتت فاقد افكاره يبات الليل يتقلب إلى وقت الأذان
والطفل يمسي من المخزن إلى الداره مسكين ما حصل دوا حق السنان
ويبدو أن محمد سعد قد دفع ثمنا باهظا للموقف الذي عبرت عنه هذه الأغنية ومعها أغنية "مسيكين الجمل"، خصوصا وأنه قد تلى انتشارها اشتداد الأزمة واندلاع الحرب وحصول ما حصل بعد ذلك، وربما كان تجاهله وتركه يعاني آلام المرض وحرمانه من أي فرصة للعلاج جزءا من الرد على ها الموقف، إذ ظل الرجل عرضة للإهمال ولم يحظ إلا بلفتة تكريم وحيدة من مؤسسة العفيف الثقافية أعادت له جزءا من الاعتبار الذي يستحقه وعوضته ولو جزئياعن العقاب غير المعلن الذي اتخذته ضده السلطات الرسمية.
أغاني الشوق والحنين: في هذه الأغاني وغيرها نرى الفنان يعبر عن لوعة الفراق ومرارة البعاد وجمر الشوق الذي يكتوي به الحبيب البعيد عن حبيبته، ومن بين تلك الأغاني "صباح الخير من بدري"، "سلام كثير"، "أشتي أشوفك"، "لهيب الشوق"، "كلمة ولو جبر خاطر"، "يا طير يا ذا المعلي"، ففي "صباح الخير" نسمعه يترجم لوعة الفراق وآلام البعاد بقوله:
ورح يا طير بلغ للحبيب رسالة حب باقي من سنين
كتبها القلب من دمعي الصبيب ومن همي وشوق والحنين
وأشرح له سبب سقمي وأوصف له ضنا جسمي
ولا تنسى تزيد ياطير تقل له يا صباح الخير
وفي أغنية "يا طير يا ذا المعلي" يقول بن سعد :
يا طير قل له حبيبك يمسي مع النجم سامر
يذكر ليالي جميلة مرت كما حلم عابر
قل له كفاية عذاب اعطف على من يحبك
لا تحرمه من حنانك خليه يسعد بقربك
يا طير يا طير بالله سوي جماله.
أغاني العتاب، : وفي هذه الأغاني نجد الفنان يجسد العتاب واللوم الراقي والرقيق للحبيب الذي يهجر حبيبه ويتعمد تعريضه لعذاب الهجر وآلام الفراق، ولوعة البعاد ومن هذه الأغاني "يا اللي ما تسأل علينا"، "كلمة عتاب"، "جدد ايام الصفاء"، "أيش صار بيني وبينك"، "غيروك الناس عني"، "ما له علي تكبر", وغيرها، ففي أغنية "غيروك" يقول الفنان:
غيروك الناس عني ليش بالله غيروك
أيش لهم منك ومني ليش يشتو يبعدوك
ليش غيروك
ثم يواصل
سمموا فكرك وجابوا لك كلام أثارك خلاك طولت البعاد
بس لو تشتي الحقيقة ما تفارقني دقيقه.
غيروك
أيش با يضرك لو توصي لي جواب
أو تجي حتى تعاتبني عتاب
نفضح الواشي الذي ودى وجاب
بس لو تشتي الحقيقه ما تفارقني دقيقه
وغيروك
وفي "كلمة عتاب" يقول محمد سعد:
العتاب بين الحبايب شي لذيذ شي يخلي الحب يوم عن يوم يزيد
والمحب اللي يعاتب من يحبه يقضي كل العمر متهني وسعيد
يا حبيبي مش كفاية اللي جرى منك وكان
فين ذاك الحب كله قل لي فين ذاك الحنان
يا حبيبي بالعتاب الحب يكبر والغرام بالعتاب يتجدد اكثر
وانت من كلمة عتاب هكذا تغضب وتزعل يا حبيبي
أغاني التذكار وهي الأغنيات التي تجسد التمسك بالحب والحبيب وعدم التفريط بهما وتعيد استذكار اللحظات الجميلة من عمر المحبة، وعدم القدر على نسيان الحبيب ومنها أغنيات "أنت ساكن وسط قلبي"، "مد لي يازين يدك"، "كلمة ولو جبر خاطر"، جدد أيام الصفاء"، ففي أغنية "أنت ساكن" والتي يسميها البعض "يا حبيبي من زمان" وهي الرائعة التي غنتها الفنانة اللبنانية "هيام يونس"، نجد الفنان محمد سعد يردد:
أنا اذكر الساعة التي فيها عرفتك وأبكي واتألم واقول يا ريت ما شفتك
أنا ابكي لما اذكر جفاك وأذكر ايامي معاك
هكذا تنسى اللي كان يا حبيبي من زمان
أغاني الوفاء: وغالبا ما تعبر عن التمسك بحب الحبيب مهما كانت المعاناة ومهما تقادمت الأزمان ومن بينها أغنيات "ما با بديل"، "لقاء الأحبة"، "ردوا حبيبي وروحي"، وفي هذه المجموعة من الأغاني يؤكد الفنان التمسك بعهد المحبة والوفاء لمواثيقها مهما كانت عذابات الفراق ومكائد الكائدين، فنلاحظ مثلا في أغنية "ما با بديل: هاجري حبه على رغم الحسود ما با بديل
خاف يرحمني ودمعي عالخدود منه يسيل
والنبي يا ناس أنا ما با بديل
ثم في أحد المقاطع:
أبات الليل أتذكر بها خده الحسين
هجرني فوش ما نجح عجن قلبي عجين
تقولوا ليش هجرانه هجرني ما الدليل
ما با بديل.
أغاني الخصام: وهي الأغاني التي تحمل أكبر قدر من الحزن والألم والحسرة، المملوءة بالغضب من الحبيب ويصل بعضها إلى حد الاستعدداد لمخاصمة المحب، والانقطاع عن كل تفكير به، ومن هذه الأغاني "خلاص نساك البال"، "فات الأوان"، "أنا اقدر انساك"، "خلي الدلع ينفعك"، "أهجره وانساه"، "ما اشتيش أشوفك، "راعي لي وبا جي لك".
ففي أغنية "خلي الدلع ينفك" يقول بن سعد:
صا رحني انك نسيت بانساك ولا باذكرك
وقل لي أنك قسيت با قسى عليك باهجرك
ايش با يفيد الندم ما دام شرعك حكم
ياللي الدلع ضيعك خل الدلع ينفعك
وفي أغنية اهجره وانساه نسمع بن سعد يقول:
اهجره وانساه يا قلبي اهجره
با يفيدك أيش لما تذكره
مش كفايه انه تنكر ووراك العذاب
مش كفايه انك معه ضيعت أيام الشباب
ذا بلا معروف مش معقول إنك تذكره
أهجره وانساه
عذبه يا قلب زيما عذبك وانسى هواه
لا متى تصبر على هجره وتتحمل جفاه
زيما ينساك انساه واهجره با يفيدك أيش لما تذكره
ذا بلا معروف والا كيف حبك ينكره
اهجره وانساه
هذا التقسيم للموسوعة الفنية للفنان العظيم محمد سعد عبد الله، كما أشرنا ليس سوى مجرد تقسيم تقريبي واجتهاد من كاتب هذه السطور وعلى العموم فإن كل ما ورد في هذه المقالة المتواضعة لا يفي فنانا كبيرا وخالدا مثل الفنان والملحن والشاعر المبدع محمد سعد عبد الله حقه في الدراسة والتحليل، لكنه اجتهاد شخصي من مستمع طالما هرب في لحظات الحزن وسويعات الألم ولحظات الشجن للتداوي بأنغام هذا الفنان الكبير والتشافي بعقار كلماته الجميله وترياق موسيقاه الدافئة ومقاماته الموسيقية العذبة والشجية، ومن المؤكد أن موسوعة بن سعد أكبر من أن تتناولها دراسة مستعجلة وقصيرة مثل هذه التي بين يدي القارئ الكريم.
(*) لا بد من الاعتذار هنا عن كل خطأ في النصوص الغنائية الواردة في هذه الدراسة حيث معظم الأبيات والمقاطع المقتبسة تمت كتابتها من الذاكرة وهو ما قد يتسبب في خلط هنا أو تقديم أو تأخير هناك، فمعذرة للقارئ الكريم ولروح الفنان العظيم

مادة خاصة ل(عدن الغد)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.