رغم ما يسببه الهجر من لوعة وحرقة وحرمان للعاشق إلا أن الهجر في كثير من الأحيان هو الذي يؤجّج نيران الشوق للقاء والوصال وهو الذي يجدّد المحبة بعد قطيعة تطول أو تقصير , ومع ذلك فقد وجده البعض وسيلة للعقاب يتخذها بقصد إذلال الطرف الآخر الذي غيّر أسلوب تعامله العاطفي, وهجر الحبيب في كثير من الأحيان يكون بغير قصد فقد توجد ظروف قسرية تكون سبباً في ابتعاد حبيبين وهجر أحدهما للآخر .. وهناك كما قلنا سبب عاطفي ووجداني يكون أفضل وسيلة لإصلاح خلل ما شاب علاقة عاطفية أو فتور اعترى علاقة عاطفية وإنسانية بين حبيبين وستتضح دوافع الهجر وأسبابه من خلال المقاطع التي سنوردها.. بيننا ودٌّ قديم وعِشرة من الحب والوفاء كيف تنكّر لكل ذلك ورمى عرض الحائط بكل ما بيننا؟, ماذا جنيت حتى يتلذّذ بتعذيبي ويجافيني ويهجرني مع أنني لم أقترف خطأً أستحق عليه كل هذا العقاب حتى لو كنتُ غلطاناً فأملي أن تسامحني .. هذا المعنى اختزله الشاعر الغنائي “عباس الديلمي” في قصيدة غنائية غناها الفنان أحمد السنيدار يتجلى في هذا المقطع: مسرع نسيني ومسرع غاب عن عيني وكيف يسخى يجافيني ويبكيني من المسبب لهجري؟ ما جرى مني إن كنت غلطان أترجّاك تبريني وفي مقطع من قصيدة أخرى يؤكد الديلمي بأنه على استعداد لأن يعطي المزيد من الحب الكبير الذي لا ينضب حتى لو واجه في سبيل ذلك هجر الحبيب وعناده.. المهم أنه يحمل لمن يحب كل الحب.. الحب الصادق الذي لا يتذبذب بين الهجر والوصال فيقول: يامن نوى هجري فؤادي ما كره والاقنع كل الظبا تجري وقلبي بالمراعى متسع شاصبر وشاداري وشاحبك تزور أو تمتنع لا يستطيع المرء أن يتحمل وطأة الهجر فيجد مشقة في احتماله خاصة إذا أعيته السبل وبرّحت به الأشواق ولم يجد وسيلة يقصّر بها مدة الهجر التي طالت.. وعلى الرغم من نار البعد ولظاها لكن لا مفر من الاستسلام لذلك طالما وجذوة الحب مشتعلة في الفؤاد, هذا ما عبّر عنه الشاعر الدكتور محمد عبده غانم في هذا المقطع: يا بو العيون الكحيلة يا سِيْد كم من قبيلة ضاع البصر والوسيلة مالي من العشق حيلة يا هركلي شلّ عقلي لمّا متى الهجر قلّي دا البُعد يصلي ويقلي ما لي من العشقة حيلة وهذا مجتزأ من أغنية يعلم الله التي غناها ولحنها مجموعة من الفنانين ألحاناً تختلف من واحد إلى آخر وهم: عبدالقادر بامخرمة, وعثمان علي عثمان, وعلي أحمد جاوي.. علامة يا مُنى قلبي علامة جعلت الهجر في حُبّك علامة وشحلف بالذي سوّاك قسامة بأني مستهام بك يعلم الله أنا والله ما استاهل صدودك ولكنك تعدّيت في حُدودك وحق النار في جنة خدودك أنا احبّك وحبّي يعلم الله وكيف أصبحت يا سيدى وعيني وقد أمعنت في هجري وبيني وما قد شي جرى بينك وبيني سوى إني أحبّك يعلم الله والأستاذ المبدع عبدالله هادي سبيت يعلن حالة الطوارئ ويهيء نفسه لمواجهة شاقة يكون أفضل تعبير عنها هو الاستسلام التام للأرق والسهر والبكاء الصاخب المفضوح التي تنهمر دموعه بغزارة كل هذا لأن حبيبه هجره وهو لا يقوى على الهجر فيقول: خِلّي قد هجرني وانفسي اصبري خِلّي قد جفاني واعيني اسهري خِلّي باعني ياليته يشتري خِلّي من دموعي خطّر مدفري شوفه قد تعدّى حدّ الزغبري فاشرب من دموعي هنيئاً مري يبدو أن أمراً ما قد حدث جعل الأستاذ سبيت- في المقطع الذي سيأتي- يعلنها صراحة بأنه سيهجر حبيبه الذي عاش معه أحلى أيام العمر.. هناك أمر خفي لم يبحه الشاعر جعله يتخذ هذا القرار المرير فهو على ما يبدو مُكره على فعل ذلك والدليل على أنه يستعرض ذكرياته وأيامه الجميلة التي مرّت والحزن والأسى يمزّقانه.. دعونا نتابع المقطع الحزين الذي يقول: با هجرك والقلب يتقطّع ألم باهجرك والعين باتبكيك دم باهجرك في الليالي باهجرك من خيالي باهجرك من بعد ذا الليل الطويل باهجرك والقلب من عيني يسيل باهجرك با ابعد بعيد ذوب لا انته من حديد خاف نرجع من جديد بعدما أصبحنا عدم يا حياتي والعدم وهذا مقطع ثانٍ للأستاذ سبيت يقول: يحسب انه بعيد ما يدري إنه بقلبي والمحبة تزيد والقلب كم بايخبّي يحسب انه هجرني قُله إنك مكانك داخل الروح وسط الجوف دايم مكانك كيف أنا با اتركك قد فؤادي معك والهوى قد شبك ما بين قلبك وقلبي وهذا مقطع شهير من إحدى أغاني الفنان محمد سعد عبدالله لا يحتاج إلى تعليق يقول: إهجره وانساه يا قلبي اهجره بايفيدك أيش لمّا تذكره مش كفاية انه تنكّر لك ورّاك العذاب مش كفاية انك معه ضيّعت أيام الشباب أهجره وانساه وهناك من لا يطيق احتمال الهجر إذا زاد عن يومين أو ثلاث.. فإذا زاد عن ذلك ظهرت آثاره الجسمية والنفسية وجرّ على المهجور الكثير من المتاعب: الهجر يومين أو ثلاث أيام أما ثمان يا تعب حالي