واول ما اريد مناقشته وهو الحرية ، بمعناها الحقيقي ، فبالنظام الاشتراكي تتحقق الحرية الحقيقية للمجتمع وهي وحدها القادرة على توفير الحرية الحقيقية ، مقابل الحرية الزائفة في النظام الرأسمالي ، او الحرية الوهمية ، ومن الجدير ذكرة ان مؤيدي النظام الرأسمالي هم اكثر الناس حديثا عن قيم حرية النظام الرأسمالي ووصل بهم الامر الى تسمية بلدان النظام الرأسمالي بالعالم الحر ، وهي في حقيقتها ليست سوى حرية وهميه والحرية الحقيقية هي فعلا حرية الاقتصاد ، وحرية السوق ، ان قيم الحرية التي وطدتها الرأسمالية في مراكزها ، قد بان وجهها الحقيقي ولم تكن سوى مظهرا راقيا من مظاهر العبودية ، اين او لمن الحرية في النظام الرأسمالي ؟ هل هي للعامل ام صاحب العمل ؟ لا شك ان اختلاف واختلال ميزان القوى بين العامل والرأسمالي سيجعل من حرية العامل امرا لا معنى له ، مقابل استبداد الرأسمالي ، وما دام العامل بحاجه لصاحب العمل من اجل البقاء على الحياة ، ستكون تلك الحرية وسيلة اضطهاد وظيفة الدولة المصادقة عليها ، من الامثلة على الحريات المزيفة في النظام الرأسمالي ، ما يسمى بحرية الصحافة ، وللحق فان حرية الصحافة كما نفهمها بالأمر الجيد والحسن ، فليس اسمى من حرية الصحافة ، ولكن هل حقا في الرأسمالية حرية صحافة ؟
ان مجرد استخدام الاعلان يجعل من تلك الحرية شكلية ، فالإعلان تحت تصرف الشركات الكبرى والمؤسسات الرأسمالية ، ان المالكين صناع الاعلام ، والجريدة او الصحيفة التي تحترم نفسها والتي تنتقد الوضع القائم فيتم محاربتها وتمنع عنها الاموال حتى الافلاس ، ومثل هذا الكلام ينطبق عند التحدث عن حرية التعاقد بين العامل ورب العمل ، في الاشتراكية يتم ارساء حرية حقيقية بعيدة عن سطوة راس المال ، حرية تنبع من الجذور لا تظفوا على السطح ، انها حرية التحكم في وسائل الانتاج والتخلص من قيود الانتاج الصدئة ، انها الحرية الحقيقية عندما يتخلص الانسان من قهر راس المال ويفتح الافاق امام وحريات اخرى .
من الممكن ان تكون هذه الحرية وما يتبعها من حريات غير صارخه كما يتشدق اعداء الاشتراكية ومؤيدو الليبرالية والنيوليبرالية ، الا انها حريات حقيقيه لجميع المواطنين ، فمثلا تتحول حرية الكلمة من حرية التزوير الى حرية البحث وراء وما بعد الحقيقية ، وتصبح المعارف والحقائق بيد كل الناس لتحررهم من الكذب والوهم والتضليل ، بدل التشنيع السطحي التافه والذي يقدمه الاعلام الرأسمالي على انه نقد عميق للمجتمع ، وعلى نطاق الحياة الحزبية ، فمتى تمثل الاحزاب طبقات الشعب ؟ لا ان تمثل اناس ليس لديهم اي علاقه بهموم الشعب الا لكونهم الممولين الرأسماليين ، وقتها يصبح للأحزاب القدرة على عكس موازيين القوى بين طبقات المجتمع ، عند ذلك تصبح اداة قوية للتغيير في المجتمع الاشتراكي ، واما القول عن حرية المنافسة وان اعداء الاشتراكية ينكرون على الاشتراكية هذه الحرية فالقول الفصل في ذلك ان حرية المنافسة كفلتها الاشتراكية ، لكنها ليست حرية في استنزاف الارباح في افراد المجتمع بل هي حرية المنافسة في خدمة المجتمع .
ان قيم مثل المضاربة ، المقامرة لا تعترف بها الاشتراكية ، بل تقف ضدها وتحاربها لأنها نشاط اقتصادي لا شرعي لا يقابله اي عمل او اي مجهود ، بل اقصى جهد كان قد بُذل به ، ذكاء المضارب او لاعب القمار ، وتسعى الاشتراكية دائما ومن ضمن اهدافها المحورية محاربة الفصل الحاسم بين راس المال والعمل المنتج ، عندما تصبح الملكية اجتماعية ويشعر كل شخص انه يعمل في ملكة ، وتعظم الاشتراكية من قيم العمل، وقيمة العمل واهميته، ومن هنا تسعى الاشتراكية الى جعل لكل فرد في المجتمع مستوى يعادل ما بذله من جهد او مساوي لما بذلة من جهد للمجتمع ، وبذلك تتخصص الاشتراكية من الطفيليات التي تعيش على جهد الاخرين ، حيث من لا يعمل لا يأكل .
وهكذا يبدو جليا لنا بأن الاشتراكية في كينونتها وفي جوهرها مذهب إنساني راقي هدفه السامي هو رد القيم الإنسانية الى معناها الحقيقي الاصيل والذي ينسجم مع فطرة الانسانية و التي شوهتها الرأسمالية ، وتهدف في النهاية إلى نشر بين الناس اتجاهات معنوية وقيمية لم تالفها البشرية فيما مضى من عهود سابقة حيث كان استغلال الإنسان للإنسان وامتهانه لكل ما يعتّزُ به من قيم. (الحوار المتمدن)