البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    تطور مهم.. أول تحرك عسكري للشرعية مع القوات الأوروبية بالبحر الأحمر    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    هيئة السلم المجتمعي بالمكلا تختتم دورة الإتصال والتواصل الاستراتيجي بنجاح    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وميض شاكر : حركة العدالة الاجتماعية نجحت بالاستفادة من مختلف التيارات الايدلوجية اليسارية واليمنية
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 04 - 2013

قالت الناشطة وميض شاكر ان العدالة الاجتماعية كحركة عالمية تتبنى عدد من الأفكار والمناهج والسمات الرئيسية التي بدونها لربما كان من الصعب ولادة حركة العدالة الاجتماعية بهذه القوة التي نشهدها في المطالب الشعبية عبر القارات.
واضافت خلال ورقة عمل قدمتها في "مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية " لقد نجحت حركة العدالة الاجتماعية من الاستفادة من مختلف التيارات الايدلوجية اليسارية واليمنية عبر توليفه عريضة من التضامن والوعي بحقوق الانسان ومعارضة فجوات الأنظمة السياسية والاقتصادية للعالم الرأسمالي الذي ساهم في خلق مجتمعات تعيسة.
واشارت في ورقتها المعنونه " العدالة الاجتماعية حركة من الحركات دور المجتمع المدني في النضال من اجل العدالة الاجتماعية " الى ان ضعف العملية الديمقراطية، واستيلاء مراكز القوى على القرار وانغلاق دائرة الصراع على مجموعة مصالحهم، رسخ انصراف العملية السياسية في اليمن عن الناس، وجعل المجتمع واحتياجاته غير مرئيين .
واوضحت شاكر ان المسار السياسي الجديد في اليمن عاجز حتى الان عن التعرف على الاحتياجات الاساسية للبلد ,وفي ذلك لا يبدو الفشل في إدارة الاوضاع المعيشية المتدهورة التي يرافقها ارتفاع في حدة الصراعات السياسية وتدهور الاوضاع الامنية نتيجة لها، إلا تأكيداً على غياب دلالة ومخاطر هذا الانكشاف الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانية عموم اليمنيين لدى الاطراف التي تتشارك الحكم اليوم.
واضافت ان الحديث عن العدالة الاجتماعية والنضال من أجلها يستدعي بالضرورة الحديث عن حركة للعدالة الاجتماعية، شعبية ضخمة ذات قدرات تنظيمية وتنسيقية هائلة وأهداف واضحة تسعى إلى اقامة نظام سياسي واقتصادي لصالح ازالة الفوارق بين الطبقات وتحقيق الرفاه للمجتمع ككل.
وترى شاكر أنه من الصعب الحديث عن امكانية ظهور مثل هذه الحركة في اليمن في ظل التحديات الكبيرة التي تعيشها البلد وفي ظل ضعف منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية.
واشارت الى ان هنالك ضرورة ملحة لتحرير النقابات العمالية من الهيمنة والتبعية الحزبية والسياسية واعادة هيكلتها لتغدو حركة نقابية قادرة على تنظيم صفوفها وصياغة مطالبها بشكل مستقل وقائم على احتياجات الطبقة العاملة.
وقالت شاكر "يفترض أن يصرح الدستور اليمني الجديد بأهداف العدالة الاجتماعية بوضوح وخاصة في التزام الدولة بإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع وتوفير الانصاف، والتوزيع العادل للثروة القومية ".
نص ورقة العمل :
مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية
العدالة الاجتماعية حركة من حركات
دور المجتمع المدني في النضال من أجل العدالة الاجتماعية
وميض شاكر
صنعاء، 28-29، 2013
هل يستطيع المجتمع المدني في اليمن، وهي الدولة الهشة ذات الصراع التي تمر بمرحلة انتقالية بين نظامين قادته اليها ثورة الشباب الشعبية السلمية 2011، من المساهمة في النضال من أجل العدالة الاجتماعية؟ نعم، ولكن ضمن حركة نضالية أوسع للعدالة الاجتماعية يكون هدفها أولا تحقيق العدالة القانونية، أو بناء الدولة المدنية، دولة المؤسسات والمواطنة والقانون.
المقدمة:
تهدف هذه الورقة إلى: أ) التعريف بالمفهوم العملي أو التطبيقي للعدالة الاجتماعية وسماته أو خصائصه كحركة عالمية يقودها المجتمع المدني بمختلف تياراته الايدلوجية وهياكله المنظمة وغير المنظمة. ب) تقديم للتحديات التي تقف حائلا دون النهوض بحركة للعدالة الاجتماعية في اليمن ومنها ضعف المجتمع المدني. ج) اقتراح بعض التوجهات العملية ذات الأولوية للبدء في تحقيق حركة للعدالة الاجتماعية في اليمن.
1) العدالة الاجتماعية: من الممارسة الدينية إلى التطبيق العلماني
لسنوات طويلة، راوح مفهوم "العدالة الاجتماعية" دائرة التعاليم الدينية بوصفة قيمة مثالية واخلاقية تحث على الممارسة الطوعية الخيرية من افراد المجتمع الأغنياء تجاه الفقراء. لكن هذا الحال قد تغير، على الرغم من بقاء التعاليم الدينية حول العدالة الاجتماعية فاعلة في المجتمعات. فاليوم يشير مفهوم العدالة الاجتماعية كمطلب سياسي-علماني يناضل من أجل تغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تسمح بالربح السريع وغير المحدود لبعض أفراد المجتمع أو طبقاته وعدم التوزيع العادل للثروات. وتزداد علمانية المفهوم خاصة عندما تسبق كلمة "حركة" عبارة العدالة الاجتماعية، فتصبح حركة العدالة الاجتماعية، وهي حركة عالمية تتبنى- وتطور في نفس الوقت- المفهوم العلماني الحديث للعدالة الاجتماعية متأثرة بعدة من القيم والأفكار التي تؤمن بحق الفرد في الدولة وبفوقية حقوقه الطبيعية وبسيطرة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على تشكيل المجتمع وبنيته وطبقاته وثقافته. وبشكل عام، فالآثار السلبية للعولمة ولأدوات النظام الرأسمالي على الطبقات الوسطى والدنيا في أوربا وامريكا وعلى عموم الشعوب في الدول النامية قد ساهمت في تطور حركة العدالة الاجتماعية العالمية كحركة معادية للرأسمالية، ولكن في نفس الوقت لا يمكن وصفها بالحركة الاشتراكية ايضا.
1.1) المفهوم الديني التقليدي
يحمل مصطلح "العدالة الاجتماعية" تعريفه في صيغته، إذ يوحي المصطلح لأي مستمع أو قارئ له معنى "تمتع كل أفراد المجتمع- دون تمييز- بحقهم في العمل، الصحة، التعليم، السكن، الحصول على المياه الصالحة للشرب وعلى خدمات الصرف الصحي". وهذا صحيح إلى حد كبير، إلا أن فهم مصطلح العدالة الاجتماعية والتعريف به هو أكثر تعقيدا مما توحي به صيغته اللغوية ومفهومها عند عموم الناس. فقد أثرت العملية التاريخية في تطور بناء الدول وانظمتها السياسية والاقتصادية، وفي أدوات وعلاقات الانتاج، وفي منظومة حقوق الانسان، وفي مفهوم التنمية البشرية ودور المجتمع المدني بتطور المفهوم النظري للعدالة الاجتماعية وبتطور أكبر على مستوى منهجيات التطبيق ليصبح وصف العدالة الاجتماعية أخيرا كحركة نضالية كونية عابرة للحدود تصنع مفهومها بحسب التجربة.
العدالة الاجتماعية في التعريف التقليدي أو الديني هي ممارسة العدالة في مجتمع ما. وبتعبير أدق، هي الممارسة الطوعية لأفراد المجتمع الأوفر حظا أو الأغنياء تجاه الأفراد الأقل حظا أو الفقراء من أجل مساعدة الأخيرين على العيش بمستوى أدنى من الكرامة الانسانية. ففي الكنيسة الكاثولوكية- وهي من يعود لها الفضل حقيقة في تأسيس وتطوير مفهوم العدالة الاجتماعية نظريا وعمليا ايضا- هناك سمة مميزة في التركيب العقائدي للكنيسة يخص العدالة الاجتماعية وهو قلقها الكبير بالنسبة لأفقر وأضعف أفراد المجتمع والحث على احترام حياة الإنسان الفردية وكرامته. من "التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية" ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية :
حياة وكرامة الشخص البشري: إن المبدأ الأساسي في "التعاليم الاجتماعية الكاثوليكية" هو قدسية الحياة البشرية والكرامة المتأصلة في كل إنسان، من الحمل وحتى الموت الطبيعي. ويجب أن تقيم الحياة البشرية فوق كل الممتلكات المادية.
الخيار التفضيلي للفقراء والضعفاء: الكاثوليك يعتقدون أنهم سوف يسألون يوم القيامة عن "ماذا فعل كل شخص لمساعدة الفقراء والمحتاجين"، وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن اظهار التضامن والتعاطف مع الفقراء أكثر فضلا من الدعاء والصلاة أو ممارسة أنواع أخرى من العبادة.
والأمر لا يختلف كثيرا في مفهوم العدالة الاجتماعية في الاسلام، فالقرآن الكريم فيه إشارات عديدة إلى عناصر العدالة الاجتماعية. على سبيل المثال، الزكاة هي أحد أركان الإسلام، كما ان هناك تشجيع كبير للصدقات الجارية والأخذ بيد الفقراء ومساعدتهم، وتعتبر هذه العناصر من المفاهيم المركزية في العدالة الاجتماعية التقليدية.
وبالفعل وبسبب المشكلات الاجتماعية العنيفة التي نتجت عن الثورة الصناعية في أوربا وامريكا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، اتبع المجتمع الحديث المفهوم الديني للعدالة الاجتماعية لمواجهة تلك المشكلات في الفقر والبطالة والبؤس . لقد ظهر تأثيرالمفهوم الديني أو المفهوم التقليدي للعدالة الاجتماعية على منهجيات العمل لحركة جمعيات تنظيم الإحسان وحركة المحلات الاجتماعية في الغرب وازدهر نشوء الهيئات التطوعية العاملة في مجال الإحسان والمجال الخيري. وفي أوائل القرن العشرين خصوصا أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى، تولت مجالس الهيئات الاجتماعية مسؤوليات التخطيط والتنسيق بين الهيئات الاجتماعية العاملة في مختلف ميادين الرعاية الاجتماعية وشاركها في هذه المهمة صناديق التمويل المشترك التي كانت تقوم بتنظيم حملة سنوية مشتركة لجمع المال اللازم لتمويل خدمات الرعاية الاجتماعية في المجتمع المحلي وتوزيع حصيلة الحملة على الجمعيات الأعضاء. والأمثلة على هذا النوع من العمل الاحساني أو الخيري كثيرة ولعل منظمة أوكسفام البريطانية كبرى المنظمات غير الحكومية الدولية التي تأسست في العام 1943 كمنظمة خيرية في الأساس شاركت في حملات كبيرة لجمع التبرعات ولازالت تفعل ذلك ولكنها تبنت المنهج التنموي والتغييري في وقت مبكر بعد تأسيسها.
في أوربا وأمريكا، لم تستمر محورية المفهوم الديني أو التقليدي للعدالة الاجتماعية كثيرا إذ أثرت نظريات العقد الاجتماعي والليبرالية والماركسية في نقل مفهوم العدالة الاجتماعية من مجرد ممارسة طوعية أو أخلاقية من الأغنياء تجاه الفقراء إلى تطبيق سياسي أو علماني مسئول عنه الدولة وقائم على حماية الحقوق الطبيعية للانسان . أو من كون العدالة الاجتماعية– في المفهوم التقليدي- وسيلة الأغنياء لمواجهة مشكلة الفقرعن بعد وهي ما تستند على اطار نظري مفاده التسليم ضمنا بسلامة النظام الاجتماعي القائم كقدر الهي وبأن الفقر مشكلة فردية وإن الفقراء مسؤولين عن فقرهم إلى ثورة اجتماعية قائمة على الصراع الطبقي وحالمة بأزلة الفوارق الطبقية وتأسيس مجتمع المساواة والعدل الاجتماعي.
وهنا يتشارك المفهوم الديني الكاثيولوكي للعدالة الاجتماعية مع المفهوم السياسي لأخوان المسلمين مثلا عن العدالة الاجتماعية. فبالنسبة للإخوان المسلمين تنفيذ العدالة الاجتماعية يتطلب رفض النزعة الاستهلاكية والشيوعية على حد سواء. فقد أكدت جماعة الإخوان المسلمين بقوة على الحق في الملكية الخاصة وكذلك الاختلافات في الثروات الشخصية التي يجنيها أصحابها نتيجة الكد في العمل .
1.2) المفهوم العلماني الحديث
في منشور البابا بنديكتوس السادس عشر، "الله محبة"، سنة 2006، قال بأن العدالة الاجتماعية يجب أن يكون الهوية والمحدد الرئيسي للدولة وأن يكون الهدف الشاغل للدولة وللسياسيين، وليس الكنيسة. فالكنيسة بطبيعتها مؤسسة خير وقلقها على خير ورفاه المجتمع هو قلق مركزي. لذا فتطبيق العدالة الاجتماعية هو شغل علماني ومسئولية المطالبة به مناطة بالتحديد على عاتق المجتمع المدني. وأضاف بأن دور الكنيسة يجب أن يكون في اثراء النقاش القائم على العقل والقانون الطبيعي، وأيضا من خلال التوعية الأخلاقية والروحية للمتورطين في السياسة.
يظهر أن نظرية جون راولز ( John Rawels) ، 1921-2002 ، في العدالة الاجتماعية قد أثرعلى فكر الكنيسة والمجتمع المدني فاعتبر راولز مؤسس المفهوم الحديث أو العلماني للعدالة الاجتماعية. وتتلخص فكرة راولز عن العدالة الاجتماعية، وهي الفكرة التي صاغها بناءا على نظرية العقد الاجتماعي للوك ( John Locke ) في الآتي:
"لكل شخص حرمة ولا يمكن لأي مجتمع مهما بلغت رفاهيته أن يتجاوز هذه الحرمة. ولهذا السبب فالعدالة تنتفي مع فقدان بعض أفراد المجتمع ايا من حرياتهم بحجة أن هناك أمور جيدة كثيرة يتشرك فيها الأغلبية."
وبهذه الكلمات، أزاح راولز مفهوم العدالة الاجتماعية من دائرة العمل الطوعي المحدود على الأفراد والمجتمعات المحلية، ومن دائرة مساهمة المجتمع المدني ايضا المحدودة إلى دائرة أكبر تحقق العدالة للمجتمع ككل دون تمييز. لذا فمن أجل الوصول إلى مجتمع العدالة يتطلب الأمر بناء لأنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية تراعي تطلعات جميع أفراد المجتمع. وانطلاقا من نظرية العقد الاجتماعي، يتبنى راولز تفويض الأفراد لقوى ممثلة عنهم تعبر عن تطلعاتهم وتقود عملية بناء تلك الأنظمة وفرضها على الجميع أي تأسيس الدولة التي تتشكل من أنظمة وقوة فرض أو اكراه.
وعليه فنظرية راولز هي نظرية تتبع فكرة الديمقراطية القائمة على النظرية السياسية الليبرالية إذ تفترض هذه النظرية بأن "المجتمع هو نظام عادل من التعاون على مر الزمن ومن جيل إلى جيل ". إن هذا النهج يختلف عن النظرية السياسية الماركسية في تحقيق العدالة الاجتماعية. فراولزيفترض أن هناك تكاملية وتعاون بين جميع العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وهي من تمتلك الشرعية في بناء مجتمع العدالة بعد أن فوض الناس بعض القوى للتعبير عنهم وعن مصالحهم بطريقة ديمقراطية في بناء تلك الأنظمة. لذا فعدم تحقيق العدالة هو مسئولية الجميع. وفي حال عدم تحقق العدالة الاجتماعية بمعناه الشمولي في المراحل الأولى للتفويض، سيستمر الناس بتفويض قوى أخرى كالمجتمع المدني أو القوى السياسية الأخرى تقوم بالمطالبة والنضال من أجل التحقيق الكامل للعدالة أو اصلاح بعض الانحرافات التي قد تفشل الدولة في تسويتها. لكن في الماركسية فالمجتمع مبني أساسا على الصراع بين الطبقات والأنظمة وأن الثورة التي هي ديالكتيك هذا الصراع وسيقودها العمال أو الطبقة الكادحة (البروليتاريا) هي الطريق الى تحقيق مجتمع المساواة والعدل.
2) العدالة الاجتماعية من الصراع إلى التضامن
لا يمكن فصل المفهوم النظري عن المفهوم التطبيقي للعدالة الاجتماعية، بل أن الأخير قد طبع مفهوم العدالة الاجتماعية كحركة عالمية تتبنى عدد من الأفكار والمناهج والسمات الرئيسية التي بدونها لربما كان من الصعب ولادة حركة العدالة الاجتماعية بهذه القوة التي نشهدها في المطالب الشعبية عبر القارات. لقد نجحت حركة العدالة الاجتماعية من الاستفادة من مختلف التيارات الايدلوجية اليسارية واليمنية عبر توليفه عريضة من التضامن والوعي بحقوق الانسان ومعارضة فجوات الأنظمة السياسية والاقتصادية للعالم الرأسمالي الذي ساهم في خلق مجتمعات تعيسة. ومن ضمن هذه السمات، نعرض الآتي:
2.1 الانحراف عن الماركسية
تقوم النظرية السياسية والاقتصادية للمادية الجدلية (الماركسية) على فكرة أن التاريخ عبارة عن صراع اقتصادي بين طبقات متناحرة احدها تستغل الأخرى. وكما جاء في البيان الشيوعي: "إن تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا- ما عدى المشاعية البدائية - لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات.بين الحر والعبد، والنبيل والعامي، والسيد الإقطاعي والقن، والمعلم والصانع. أي باختصار، صراع بين المضطهدِين والمضطهدَين، وهو في تعارض دائم وكانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة، وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائما إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره وإما بانهيار الطبقتين معا. أما المجتمع البرجوازي الحديث الذي خرج من أحشاء المجتمع الإقطاعي الهالك فإنه لم يقض على التناقضات بين الطبقات بل أقام طبقات جديدة محل القديمة وأوجد ظروفا جديدة للاضطهاد وأشكالا جديدة للنضال بدلا من القديمة. إلا أن ما يميز عصرنا الحاضر، عصر البرجوازية، هو أنه جعل التناحر الطبقي أكثر بساطة. فإن المجتمع أخذ بالانقسام، أكثر فأكثر، إلى معسكرين فسيحين متعارضين، إلى طبقتين كبيرتين العداء بينهما مباشر: هما البرجوازية والبروليتاريا".
لقد عارض ماركس بشدة النمط الاقتصادي الاجتماعي السائد، أي الرأسمالية، التي أسماها دكتاتورية "البورجوازية"، التى كان يعتقد أنها مسيرة من قبل الطبقات الغنية لأجل مصلحتهم البحتة. وتوقع بأن الرأسمالية كسابقاتها من النظم الاقتصادية الاجتماعية ستولد من دون شك توترات داخلية تقودها إلى التدمير الذاتي واستبدالها بنظام جديد:هو الاشتراكية. زعم ماركس بأن المجتمع تحت النظام الاشتراكي سوف يحكم من قبل الطبقة العاملة في ما أسماه " "دكتانورية البروليتاريا"، أو "دولة العمال" أو "ديمقراطية العمال".
كان ماركس يعتقد بأن الاشتراكية بدورها ستستبدل بمجتمع بدون دولة وبدون طبقية وهذا هو مرحلة الشيوعية، "ستعود الدولة إلى مكانها الطبيعي: المتحف ". بالإضافة إلى ذلك فقد اتخذ ماركس النهج الثوري ودعا الطليعة والجماهير المعدمة إلى القيام بعمل ثوري منظم للإطاحة بالرأسمالية والقيام بتغيير اقتصادي اجتماعي جذري.
لقد أثرت النظرية الماركسية مع تبنيها لفكرة الصراع الطبقي واقامة مجتمع دون فوارق- بعكس نظرية راولز التي تقوم على التضامن والتعاون- في مفهوم العدالة الاجتماعية. فعند مراجعة أكثر التعريفات حداثة، تعرف العدالة الاجتماعية ب: "نظام اقتصادي اجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع". و"توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات المجتمع". كما يؤكد دستور منظمة العمل الدولية بأنه "لا يمكن تحقيق سلام عالمي ودائم بدون قيام العدالة الاجتماعية". وهو ما يعتبر اعترافا واضحا بفكرة الصراع لماركس أو اللاسلم الناجمة عن غياب العدالة الاجتماعية، والعكس صحيح.
نظريا، يتبنى مفهوم العدالة الاجتماعية الحديث أفكار الماركسية، ولكنه ليبرالي وتقليدي في المنهج التنفيذي أو العملي إذ يقوم على أسس التضامن وحقوق الانسان والنضال السلمي للمجتمع المدني في ظل دول وأنظمة ديمقراطية. وفي هذا الخصوص، تنتقد بعض الحركات اليسارية مفهوم العدالة الاجتماعية وتعتبره انحرافا عن النهج الثوري للنضال ولكفالح الطبقة العاملة.
2.2) العداء للرأسمالية
انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي جر العالم بسرعة إلى تطبيق نظام الاقتصاد العالمي أو السوق المفتوح وهو منظور للعولمة أو التضامن الكوني بين شعوب العالم وأن العالم كله نظام اقتصادي واحد، وأن كل فرد في العالم هو شريك في هذا النظام. إلا أن المكاسب الفعلية من وراء هذا النظام بعيدة كل البعد عن عدالة التوزيع والشراكة بين سكان العالم.
لقد اتسعت الفجوة في الدخول العالمية بدلاً من أن تضيق في ظل العولمة. ففي الفترة 1960-1997، زاد فارق الدخل بين أعلى 20% من سكان العالم في الدول الغنية وأقل 20% في الدول الفقيرة من 30 إلى 75 ضعفا. فضلاً عن ذلك، فقد اضطرت بعض الدول النامية – حتى يتسنى لها البقاء في المنافسة العالمية إلى بيع قطاعها العام، وتحرير أسواقها المحلية، وتقليص معايير العمل. مما تمخض عنه زيادة في عدم المساواة داخل تلك الدول، وبينها وبين الدول الأخرى. فالعولمة الاقتصادية تعتمد حالياً مبادئ الليبرالين الجدد، الداعين للقضاء على الحدود التجارية، وزيادة المنافسة العالمية، ومزيد من تحرر الأسواق المحلية، وزيادة التخصص في التصدير، وكل ماله أن يدعم هذه الأيدولوجية ويزيد من الهوة وعدم المساواة .
لقد قادت العولمة وتراكم رأس المال إلى الأزمة الاقتصادية العالمية، العام 2007 إلى اليوم، وقد عصفت هذه الأزمة بأوربا وأمريكا ومعهما دول العالم الأخرى وفي مقدمتها الدول النامية والفقيرة. وبهذا أثبتت الأزمة الاقتصادية فشل النظام الرأسمالي في مراعاة مبادئ العدالة الاجتماعية، وأسس سياسات التنمية الاجتماعية، إذ يعتمد النظام الرأسمالي على الربح السريع، الاستثمار في الأدوات المالية واهمال الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي وهو ما يطلق عليه "الاقتصاد الطفيلي". لقد أدت هذه الأدوات للنظام الرأسمالي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الغربية مما أثّر على الدول النامية وأودى بها إلى كوارث انسانية كالفقر المدقع والجوع. وبسبب ضعف الأنظمة السياسية والديمقراطية وآليات الشفافية والمحاسبة وحريات التعبير وهشاشة سيادة القانون وفساد القضاء، أدت سياسات الاقتصاد الطفيلي إلى بروز اقطاعات رأسمالية محلية بالوكالة للشركات الكبرى العالمية سيطرت على الموارد الطبيعية وقامت باحتكار رأس المال الوطني الذي من المفترض أن يكون ثروة قومية تملكها الشعوب وتوزع بعدالة بينهم.
مثال: اتفاقيات توتال، أكسيدينتال والشركة الكورية تزيد اليمنيين فقرا
توتال تملك 39% من الغاز في اليمن وتبيعه بسعر 3,2 بينما تجاوز السعر العالمي 12$ وتصدر 6,7 طن. لذا فخسارة اليمن من الايراد الوطني يقدر ب 180 مليار دولار.
تنفذ توتال عملياتها في اليمن كشريك للشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال ( YLNG ) حسب اتفاقية 2005 وهي اتفاقية فاسدة بين توتال و YLNG . من ضمن بنود هذه الاتفاقية عدم ارتباط سعر الغاز بسعر البترول هبوطاً وصعوداً "السعر التحويلي الأدنى". وأدنى سعر يجب البيع به هو سعر حماية البيع في السوق الآسيوية المرتفعة أسعارها وليس في السوق الأمريكية أو وغيرها.
إن تنفيذ عمليات توتال عبر شركة YLNG هي مخالفة للدستور اليمني إذ نصت المادة 18 منه على أن "استغلال الثروة في باطن الأرض لا يتم إلا بقانون" وبالتالي فإن أي اتفاقية بين الحكومة اليمنية وبين شركة أجنبية لاستخراج الثروات الباطنية يجب أن يصادق عليها البرلمان وتصدر عنه في قانون"
في7/19/2008 رفضت شركة توتال قرار مجلس الشفافية للصناعات الاستخراجية الذي صوت عليه غالبية الاعضاء (الذي أصر عليه المانحين في مؤتمر لندن) بإجراء مراجعة حسابية وفحص بعض العقود. وكان لدى الدكتور سعد الدين بن طالب شكوكاً مبررة حول احتساب نفط الكلفة «تكاليف إنتاج واستخراج النفط» بعشرين مليون برميل سنويا بما يعادل مليار دولار تذهب للشركات المنتجة قبل اقتسام الحصة بين اليمن والشركات المنتجة.
تكاليف انتاج برميل النفط "نفط الكلفة" مرتفع لدى توتال. ففي حين يتم إنتاج برميل النفط في قطاع صافر الحكومي مأرب18 ب3 دولار فقط، يصل كلفة إنتاج البرميل ل17دولار عن كل برميل في قطاع اوكستندتال بينما تصل تكلفة إنتاج البرميل في قطاع 10 الذي تشغله توتال ل29$.
ومن المتعارف عليه عالميا, وحسب EIA نفط الكلفة في الشرق الأوسط 6 – 12 دولار لكل برميل, حسب الجغرافيا والبيئة النفطية وخصائص الخزان النفطي.
يباع الغاز اليمني لشركة كوغاز الكورية لمدة 20 سنة بسعر ثابت 3.2$ لكل مليون وحدة حرارية بريطانية بينما تجاوز السعر العالمي 12$. وتوتال تمتلك 39% من حصة الغاز في اليمن وتسوق ثلثي الكمية السنوية (6.7 طن متري) والثلث الأخير يباع لكوغاز. وبحسب البرلماني صخر الوجيه فقد قدرت الشركة إيرادات اليمن ب36 مليار دولار وبالتالي فخسارة اليمن في حدها الأدنى، وبأسعار السوق وقتها، بحدود 180 مليار دولار تقريباً وهو ما يساوي خمسة أضعاف الإيراد المحتمل.
لكن، لاتزال شركة توتال تمارس عملياتها بنفس الوتيرة بل لقد حصلت على تصريح بزيادة حجم التصدير إلى أكثر من 7,5 مليون برميل في السنة.
وعودة للأزمة العالمية، فقد أسفرت ايضا عن الأزمة الغذائية، 2008، وانتجت عن مايقرب من 135-155 مليون شخص داخل شريحة الفقراء. ويقدر عدد من يعانون سوء التغذية حول العالم ب 870 مليون نسمة في 2010-2012، يعيش 850 مليوناً منهم في الدول النامية. كما ارتفعت نسبة بطالة الشباب عام 2010 لتصل الى 12.6%.. وهناك 200 مليون شخص- بينهم 75 مليون دون سن الخامسة والعشرين عاطلون عن العمل. أما النساء العاملات فيحصل على أجول أقل ب 80% مما يحصل عليه الرجال نتيجة الكساد الاقتصادي .
في الدول النامية اليوم، تبلغ وفيات الأمهات 355 ألف أم بنسبة 99% من وفيات الأمهات حول العالم. ووقعت نصف وفيات الأطفال تحت 5 سنوات عام 2008 في جنوب الصحراء الافريقية. كما ارتفع عدد الأطفال المتسربين من التعليم في أفريقيا جنوب الصحراءإلى 31 مليون طفل في 2010.
1.3) مفهوم التنمية بدلا من الاحسان
في منتصف السبعينات تطور مفهوم التنمية من التنمية الاقتصادية المتمركزة على النمو الاقتصادي إلى التنمية البشرية المتمركزة حول الإنسان أو الفرد. تهدف التنمية البشرية إلى رفاه الإنسان وذلك بتوزيع منافع التنمية توزيعا عادلا على الأفراد والجماعات، وهذا التوزيع العادل لن يتم إلا بتقليص الفوارق أو اللامساواة بين الأفراد والمجموعات. لذلك تعتبر التنمية البشرية تحقيق المساواة هو المعيار الأساسي للتنمية. وبفضل مساهمات العالم الثالث، استمر التوسع في مفهوم التنمية البشرية ليشمل جوانب جديدة كإدماج حقوق الإنسان والحرية في العام 1999، وهو العام الذي أصدر الاقتصادي البنجلاديشي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد "أمارتيا سن" فيه كتابا بعنوان "التنمية حرية"، مؤسسا بذلك منهجا جديدا للتنمية قائما على الحقوق والحريات، وقد تبنته الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية. وتباعا استمرت عملية التوسع والتطور في مفهوم التنمية إلى أن أنتج مفهوم التنمية التكاملية. أي أن التنمية هي التي تحقق تمتع الفرد والجماعات بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية في وقت واحد دون هرمية، كما إنها تحقق التكامل بين كل جوانب التنمية والبيئة وأيضا تحقق التنمية المستديمة. والتنمية المستديمة تتحقق بتقوية أو تمكين الأفراد والجماعات لممارسة حقوقهم ونشاطاتهم واختياراتهم بشكل مستقل ولا تجعلهم عرضة للسقوط أو الهشاشة متى ما تعرضوا لأية مخاطر طبيعية أو سياسية أو غيرها.
ورغم أن النمو الاقتصادي يمثل جوهر عملية التنمية والقوة الدافعة لها، إلا أن بناء المؤسسات السياسية وتمكينها وتفعيل دورها وتشجيع الممارسات الديمقراطية أحد المؤشرات الأساسية لمستوى التنمية الذي تحققه الدولة. كما يمثل التعليم قاعدة الانطلاق الحقيقية للتنمية وذلك بالنظر إلى دوره في تحقيق التنمية البشرية والارتقاء بقدرات ومعارف ومهارات الأفراد وتمكينهم. وقد اكتسب مفهوم التنمية البشرية اهتماماً خاصاً ومتزايد منذ عام 1990 عندما قام البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بتكوين فريق من الخبراء للبحث في مفهوم التنمية البشرية وتقديم تقرير سنوي عنه .
ومع تعدد التعريفات والمقاربات لمفهوم التنمية البشرية فإنها جميعاً تتضمن مفهوماً أساسياً وهو إتاحة أفضل الفرص الممكنة لاستغلال الطاقات البشرية المتاحة من أجل تحقيق مستوى رفاهة أفضل الأفراد أو مايطلق عليه عادة (التمكين). فالبشر هم الهدف الأساسي للتنمية البشرية، وهم أيضاً الأداة الأساسية لتحقيق هذه التنمية. كما أن التنمية بهذا المعنى لا تعني فقط زيادة الثروة أو الدخل للمجتمع أو حتى الأفراد وإنما النهوض بأوضاعهم الثقافية والاجتماعية والصحية والتعليمية وتمكينهم سياسياً وتفعيل مشاركتهم في المجتمع وحسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم .
2.3) تيار ثالث باحتجاجات ضخمة
وفي ظل هذا الاختلال غير العادل في الاقتصاد العالمي الذي انتجته سياسات وأدوات النظام الرأسمالي للاقتصاد، نمت وترعرعت حركة عالمية في أوربا وأمريكا وآسيا وافريقيا تكونت من جمع طيفي من الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني والاعلاميين والنشطاء الدينيين وحركات الشباب والتيارات اليسارية واحزاب الخضر وغيرهم الكثير يصفوها اليوم ب "حركة العدالة العالمية" كما يشار إليها باسم "حركة من الحركات" وهو حركة غير مؤسسية وغير مهيكلة تدافع عن قواعد التجارة العادلة وتنتقد بشدة للمؤسسات الحالية للاقتصاد العالمي، مثل منظمة التجارة العالمية. لذا كثيرا توصفت هذه الحركة في وسائل الإعلام ب "حركة مناهضة العولمة".
إن الحركة العالمية لمناهضة العولمة أو ما يطلق عليها الحركة العالمية للعدالة الاجتماعية هي حركة لشعوب العالم مكونة من عدد كبير من الحركات المعارضة للتوسع العالمي لسلطة الشركات عابرة البحار، وهي في بعض وجهات النظر حركة معادية للرأسمالية وهو العداء الذي نشأ بعد بروز وضع القطب الواحد للاقتصاد والسياسية العالميين بعد الحرب الباردة. لكن ما يميز هذه الحركة العالمية أنها تمتلك قدرة واسعة على الاتصال الشعبي ومهارات في التنظيم والحشد والتنسيق والمطالع لحركة المجتمع المدني في أوربا والعالم سيتذكر المسيرة العالمية التي خرجت في 260 مدينة حول العالم العام 2003 ضد الحرب ضد العراق، مايثيت قدرة هذه الحركة على الاتصال والتنسيق العالي. كذلك تبرز اليوم حركة "احتلوا" التي تقوم بالتنسيق في المئات من المدن حول العالم كأحد اهم حركات العدالة الاجتماعية في العالم وبالطبع تتمتع بقدرات تنفيذية هائلة.
على مدى العقد الماضي، تميزت حركة من الاحتجاجات الضخمة للمواطنين في صورة تشبه المؤتمرات الشعبية البديلة للقم العالمية الرسمية. فقد رافقت هذه الاحتجاجات الضخمة معظم اجتماعات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، واجتماعات مجموعة الثمانية ( G8 ).
تنوع واتساع الحركات الاجتماعية للحركة العالمية للعدالة الاجتماعية التي تضم تيارات يسارية وليبرالية ورأسمالية ومن حزب الخضر ومن الدينيين اضطر الباحثين إلى الاعتراف بظهور مفهوم جديد للعدالة الاجتماعية يتعدى المفهوم النظري ويفرضه الواقع المنهجي للعمل لهذه الحركات مجتمعة. انها حركات تتبنى كافة المفاهيم التقليدية واليسارية والرأسمالية والدينية للعدالة الاجتماعية. في حقيقة الأمر، لقد ظهر مفهوم الجديد للعدالة الاجتماعية قائم من تجارب العديد من النشطاء والحركات والتأملات في مواجهة تعقيدات العولمة، "انه التيار الثالث".
يشير مصطلح التيار أو الطرق الثالث ( Third Way ) إلى المواقف التوليفية أو التوافقية بين السياسة اليمينية واليسارية من خلال الدعوة توليفة مختلفة من السياسات الاجتماعية الاقتصادية واليسارية اليمينية. فقد تم إنشاء التيار الثالث لإعادة تقييم السياسات السياسية في مختلف الحركات التقدمية من يسار الوسط والحركات الليبرالية والديمقراطية والاجتماعية.
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، وهو أهم المؤيدين للتيار الثالث، حاول توصيفه بأنه "اشتراكية جديدة" أو "اشتراكية اجتماعية" وهو يختلف عن المفهوم التقليدي للاشتراكية إذ تنطوي سياسة التيار الثالث على الاعتراف بالأفراد وبعلاقتهم الاجتماعية المترابطة، وأنه يدعو إلى العدالة الاجتماعية، والتماسك الاجتماعي، كما أن لكل مواطن قيمة متساوية وحق في تكافؤ الفرص.
وأكد على ذلك القائد الديمقراطي الاجتماعي المنظر، أنتوني جيدنز( Anthony Giddens )، على أن التيار الثالث يرفض المفهوم التقليدي للاشتراكية، وبدلا من ذلك يقبل مفهوم الاشتراكية الأخلاقية كما تم وصفه من قبل أنتوني كروسلاند ( Anthony Crosland ) باعتباره عقيدة أخلاقية وعلى الحكومات الديمقراطية الاجتماعية، بعد أن تحقق الاشتراكية الأخلاقية، تقوم بإزالة العناصر غير العادلة للرأسمالية من خلال توفير الرعاية الاجتماعية وغيرها من سياسات العدالة الاجتماعية. فالاشتراكية المعاصرة قد تجاوزت المطالبة الماركسية إلى الحاجة لإلغاء الرأسمالية. فالمطلوب اليوم هو اقامة "الرأسمالية الجديدة".
لكن هناك انتقادات عديدة للتيار الثالث وجهها بعض المحافظين والليبراليين الذين ينادون بالرأسمالية، كما تم انتقاده بشدة من قبل العديد من الاشتراكيين الديموقراطيين والشيوعيين واعتبروه خيانة للقيم اليسارية. وبشكل عام فمفهوم العدالة الاجتماعية تصنعه التجربة الميدانية للحركات التي تناضل من أجل العدالة الاجتماعية وهو بذلك مفهوم قابل للتطور والتغيير على ضوء ما تعكسه التجربة. المشاهد لحركة "احتلوا" سيلحظ أنها تتخذ منهجا ثوريا مستمد من فكرة الصراع بين طبقة العمال وطبقة أصحاب العمل أو الشركات. كذلك فالثورات العربية 2011، ثورات الربيع العربي تحديدا في مصر وتونس، التي رفعت شعار (خبز- حرية- عدالة اجتماعية) هي أقرب حركات العدالة الاجتماعية للمنهج الاشتراكي إذ حملت مطلبها عبر ثورة جامحة ولكن ليس ضد نظام الرأسماليين أو المحتركين ولكن ضد النظام السياسي القمعي وكان هذا في الموجة الأولى من الثورة نهاية 2010 في تونس وبداية 2011 في مصر. أما الموجة الثانية للثورة والتي ترفع شعار العدالة الاجتماعية ايضا، صيف 2013، في كل من مصر وتونس، فقد قامت ضد نظام السياسي الديني. وقد يحتاج الأمر الى عهود طويلة للقيام بثورة ضد النظام الاقتصادي غير العادل أو الرأسمالي في أية دولة لاسيما دول الربيع العربي. وكلا المثالين لحركة "احتلوا" وثورتي مصر وتونس يفتقر للاعتراف الصريح بالمنهج الماركسي أو الثورة الاشتراكية على الرغم من حمل الشعارات الاشتراكية والشيوعية وصور القادة امثال ماركس في أوربا وجيفارا في البلدان العربية.
3) التحديات
باختصار، تتلخص التحديات التي تواجه تأسيس حركة للعدالة الاجتماعية في اليمن بعدم توفر الأسس والسمات للحركة العالمية للعدالة الاجتماعية التي تم استعراضها في الفصل السابق. بالاضافة إلى ذلك، فتخلف اليمن كدولة وأنطمة اقتصادية وسياسية وفشله في تحقيق الاستقرار وسيادة القانون واقامة دولة المواطنة وحماية حقوق الانسان لا يوفر بيئة مناسبة لنشوء حركة للعدالة الاجتماعية على الرغم من تفاقم اللاعدل واللامساواة المجتمعة فيه. كما أن الفرص التي من شأنها المساهمة في البدء بحركة للعدالة الاجتماعية كوجود مجتمع مدني مستقل وتغييري أو يتبع نهج التنمية البشرية المستديمة وقادر على التضامن والتنسيق هو الآخر غير متاح مما يجعل مجال الفرص لتحقيق العدالة الاجتماعية في اليمن ضيقا وبعيدا للغاية.
3.1) ضعف التنمية البشرية
تصنف اليمن بأنها من أشدّ الدول النامية ذات الاقتصاد المتدهور. في مقارنة لدخل الفرد في الدول العربية أشارت التقارير الدولية ومنها تقرير ال CIA بأن اليمن تحتل المرتبة الأخيرة بين هذه الدول إذ يبلغ دخل الفرد فيها حوالى دولار واحد في اليمن، في الوقت الذي تحتل قطر المرتبة الأولى وبدخل فردي قدره 93 دولار تقريباً. وهناك دراسة محلية تشير بأن الدخل السنوي للفرد أقل من 600 دولار.ويعتمد الاقتصاد بشكل رئيس على الثروة النفطية للبلاد وقليل من الثروة السمكية والزراعية والسياحة.
وفي تقرير التنمية البشرية لعام 2013م، بعنوان: "نهضة الجنوب: تَقدُّم بشري في عالم متنوّع"، يشير إلى أن الفجوة التي تفصل اليمن عن محيطها الإقليمي وعن العالم في مجال التنمية البشرية لازالت قائمة على الرغم من أن البلدان ذات التنمية البشرية المتدنية التي تأتي اليمن في مقدمتهم، قد حققت تقدَّماً سريعاً من العام 2000 إلى 2012، أسهم في تحقيق تقارب في أرقام الدليل بين مختلف بلدان العالم. فاليمن وجيبوتي والسودان تقعوا في مجموعة التنمية البشرية المنخفضة للبلدان العربية.
في اليمن، معدل النمو السكاني يقدر بنسبة 3% وهو من المعدلات المرتفعة في العالم، وما يقرب من نصف السكان تقل أعمارهم عن 15 عاما. ويقدر معدل البطالة بأكثر من 52%، وأكثر من 42% من السكان يعيشون تحت خط الفقر الوطني. ويهيمن على الاقتصاد قطاع النفط، الذي يمثل 27% من الناتج المحلي الإجمالي ( GDP ). ومع ذلك، فإن احتياطيات النفط ستنضب إلى حد كبير، ويتوقع أن تستنفد تماما بحلول عام 2017. وموارد المياه الجارية تواجه فقرا وخطرا بالنضوب هي الأخرى.
وليس من المحتمل أن تحقق اليمن معظم الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، واجهت اليمن صعوبات في التنمية متزامنة مع توترات وانقسامات سياسية، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى آثار الأزمات الغذائية والمالية وفي توفر الوقود بالاضافة الى تفاقم الكوارث الطبيعية وتدفق اللاجئين والنازحين.
اليمن بلد ضعيف اقتصاديا، واقتصادها غير متطور تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية والاقتصاد ريعي رغم قلة الموارد النفطية. اليمن ليس جزءا من منظمة التجارة العالمية ويعاني من مشاكل هيكلية أهمها الفساد والنزاعات المختلفة والعقلية القبلية التي تسيطر على المسؤولين. ويبلغ معدل المئوي للنمو الناتج المحلي لعام 2011 -10% ومعدل نمو الإنتاج الصناعي 9%. تبلغ قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي في اليمن حوالي $33.76 مليار وهو منخفض جدا. ومن يعيش تحت خط الفقر (أقل من دولارين يوميا) 45%. ويبلغ الحساب الجاري لليمن -$3.12 مليار والدين العام 37% الناتج الإجمالي المحلي ومعدل الزيادة في التصخم 20% في مؤشر أسعار المستهلك. ةتحتل اليمن المرتبة رقم 146 من 178 عام 2010 في تقرير منظمة الشفافية العالمية المعني بالفساد.
هناك نحو 6.8 مليون يمني (31.5%) يواجهون عدم أمن غذائي 2.5 مليون منهم يعانون فقر الغذاء وتعود أسباب هذا الفقر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الوقود، إلا أن اليكم ستواجه مصاعب أكبر في انتشار رقعة عدم الأمن الغذائي بين اليمنيين فهناك واحد من كل ثلاثة يمنيين يواجه صعوبات في الحصول على ما يكفيه من الطعام، وهذا الرقم قابل للزيادة. اليمن هي أيضا واحدة أعلى البلدان في معدلات سوء التغذية في العالم:3.2٪ من الأطفال ما بين 6 إلى 59 شهر يعانون من الهزال و55.7 % يعانون من التقزم.
متوسط العمر المتوقع في اليمن هو 63 الى 66، واحتمال الوفاة قبل سن الخامسة هو وليد حي لكل 1000 وليد. احتمال الوفاة بين سن 15 عاماً وسن 60 هو ساكن لكل 1000. اما مجموع النفقات الصحية للفرد فهي 152 دولار، ومجموع النفقات الصحية كنسبة مئوية من الناتج القومي الإجمالي للعام 2011 هي 5.5 من الميزانية الوطنية.
هناك (2) مليون طفل خارج نطاق التعليم الأساسي، و(6) ملايين من السكان الراشدين لا يملكون مهارات الكتابة، والكفاءة الداخلية للتعليم منخفضة، وهناك هيمنة للطابع النظري في منهج التعليم، مع تدني في مستوى التدريب والتأهيل للكادر التعليمي، وهيمنة الكليات الإنسانية في الجامعات اليمنية، وضعف البنية التحتية من المعامل والتجهيزات والقاعات ضعف العلاقة بين التخصصات. وتصل معدل الأمية إلى (62) بالمائة من إجمالي السكان، وبين الفتيات الشابات 83%.
3.2) هشاشة الدولة
تعرف منظمة التعاون والتنمية الدولة الهشة بأنها الدولة غير القادرة أو غير الراغبة في "توفير الأمن المادي، والمؤسسات السياسية الشرعية، الإدارة الاقتصادية السليمة والخدمات الاجتماعية لصالح سكانها." فالدول الهشة تشترك في عدد من السمات: الفقر على نطاق واسع، والضرائب المنخفضة وضعف المجالس التشريعية. كما أن هذه الدول عرضة للصدمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية. ناهيك عن تدخل العسكر في السياسة وهو الأمر الأكثر شيوعا في الدول الهشة. ومن المحتمل أن تحتوي الدول الهشة على مناطق تكون فيها القبائل والجهات الفاعلة غير التابعة للدولة أكثر قوة من السلطات الرسمية. بالاضافة إلى ذلك فالحكومات في الدول الهشة تعمل على القضاء على الجريمة المنظمة والإرهاب، إلا أن الأعضاء الرئيسيين في النخبة الحاكمة قد تكون متواطئة مع هذه الجماعات الاجرامية والارهابية. ومع مرور الوقت، فاحتمال تنامي الصلات بين الجريمة والإرهاب والتمرد المسلح يجعل كل المسآئل في الدول الهشة أكثر تعقيدا ويساهم في خلق حلقة مفرغة من تدهور الأوضاع الأمنية. وتصدر الدول الهشة عدم استقرارها خارج حدودها الوطنية من خلال تدفقات اللاجئين، تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات.
الدول الهشة والفاشلة هي موطن لنحو مليار شخص - من بين أفقر المواطنين في العالم - ولكن هذه الدول تواجه صعوبات كبيرة من أجل التنمية. لكن ضعف الحوكمة لدى هذه الدول تحول دون القدرة على إنفاق المال على نحو فعال على الرغم من استعداد الدول المانحة لتقديم الدعم، وفي الأخير فعدم الفعالية في صرف المنح يجعل الدول الهشة تتلقى مساعدات أقل مما هو متوقع على أساس الحاجة. ومع ذلك تعتبر المساعدات الدولية أداة لتجنب الحروب الأهلية وتساعد على منعها من الفشل. فوجود دولة فاشلة قد يكلف خسارة بمقدار 100 مليار دولار تتقاسمه الدول الفاشلة مع جيرانها من الدول. لذا فهناك توجه سياسي عالمي خاصة بعد احداث سبتمبر 2011 للتركيز على الدول الهشة ومنعها من الفشل
وفي حالة اليمن، فإن المخاطر واضحة بالفعل. ففي عام 2005، كانت اليمن في المرتبة الثامنة بين الدول الأكثر عرضة لخطر التفكك في مؤشر الدول الفاشلة التابع لمؤسسة كارنيجي. على الرغم من أنها في المرتبة 24 في عام 2007، بحلول عام 2008 كانت في المرتبة ال 21، وعادت للمرتبة ال 8 في 2012 ثم نزلت الى المرتبة 6 في العام 2013.
3.3) الصراع السياسي
تشهد اليمن ولازالت تشهد حروبا أهلية وصراعات عنيفة مسلحة سياسية وقبلية منذ 50 عاما. فبعد ثورة 1962 في الشمال و1963 في الجنوب، دخلت شمال اليمن في حرب واسعة بين الجمهوريين، الموالين للثورة، والملكيين المواليين للنظام الإمامي، امتد طوال عقد الستينات وصولا إلى العام 1970.
ومن العام 1968 إلى العام 1974، شهد الشمال انقلابين عسكريين حسم الصراع لصالح القوى التقليدية في 5 نوفمبر 1968 البعثيين ومشائخ القبائل وبعض العسكريين ورموز سياسين تقليدين، وذلك في مواجهة القوى الثورية ذات المزاج القومي واليساري مثل الحركيين (أي المنتمين لحركة القومين العرب) والتنظيمات الثورية الماركسية، وصعد إلى الحكم هذا التحالف برئاسة القاضي عبدالرحمن الارياني. لقد سيطرت القوى المُحافظة متمثلة بالمشيخ القبلي كأهم قوة في الساحة إلى جوار العكسر ما أدى إلى اضعاف التيار المدني والعسكري التقدمي لليتقاسم النفوذ بعض العائلات السياسية المشيخية كان أبرزها عائلة الأحمر. إلا ان الامور تطورت وازدادت الازمات والصراعات السياسية وصولا إلى العام 1974 حيث وقع انقلاب عسكري أبيض قاده المقدم ابراهيم الحمدي الذي كان نائباً لرئيس الحكومة لتدشن اليمن الشمالي بعدها مرحلة جديدة كلياً في المشهد السياسي برئاسة الحمدي.
في العالم 1973 قامت حرب حدودية محدودة بين شمال اليمن وجنوبه. ثم نشات علاقة وثيقة بين الشطرين عززتها معالم العلاقة الحميمة بين الرئيسين الجنوبي سالم ربيع "سالمين" علي والشمالي ابراهيم الحمدي. وقد لعبت هذه العلاقة القوية بين الرئيسين دورا في الاسراع بالخطوات التحضيرية الجادة لقيام الوحدة بين شطري اليمن قبل أن ينتهي هذا المسار باغتيال الرئيس الحمدي قبل يوم واحد من ذهابه إلى عدن للتوقيع على اتفاقية الوحدة في العام 1977. ثم تولى الرئيس الغشمي رئاسة اليمن الشمالي ليغتيل بعدها بفترة وجيزة من خلال تفجير حقيبة يتهم الرئيس الجنوبي سالمين بارساله لخ انتقاما لمقتل صجيقه الحمدي. ×××
بعد الغشمي، صعد المقدم علي عبدالله صالح إلى الحكم لتبدأ معه مرحلة مليئة بالصراعات السياسية والقبلية وعمليات مكثفة للقاعدة. فخلال 33 سنة من حكم صالح قام ضده انقلاب عسكري 1979 نفذه العسكريين الناصرين لينتهي بالفشل وبتنكيل شديد ضد القوة الناصرية. وفي عهده ايضا، نشبت حرب صيف 94 بين شريكي الوحدة اليمنية: المؤتمر الشعبي العام وحلفائه والحزب الاشتراكي اليمني. ثم تلى ذلك ستة حروب في صعدة من العام 2004 إلى العام 2009 . ومع العام 2007 ولد الحراك السلمي الجنوبي لتمارس ضده القوات الحكومية عمليات واسعة من القمع باستخدام القوة المميتة والانتهاكات الجسمية والاعتقالات خارج القانون.
أما جنوب اليمن فقد شهدت صراعات سياسية مسلحة واغتيالات وانقلابات وحروب ايضا. فبعد الاستقلال عن بريطانيا 1967، سرعان ما بدأت معالم الصراع تظهر بين الرفاق داخل الجبهة القومية لينتهي إلى انقلاب سياسي مُسلح تم فيه الاطاحة بالقيادة مطلع السبعينات ليصعد أحد أبرز قيادات اليسار الماركسي، سالم ربيع علي (المعروف بسالمين) على رأس الحكم. إلا ان عهد سالمين لم يخلو من الصراعات على الحكم ضمن النخبة القيادية وانتهت بانقلاب قتل فيه سالمين ليتولى رئاسة اليمن الجنوبي عبدالفتاح اسماعيل ذو الأصول الشمالية 1978. لم يستمر فتاح ذو الاصول الشمالية في الحكم طويلاً، ونفاه الرفاق المتصارعين الى موسكو العام 1981 ويتولى حكم اليمن الديمقراطي علي ناصر محمد. وفي نهاية عهد علي ناصر محمد، خاض الرفاق حربا عنيفة في يناير 1986 انتهت بانهزام معكسر علي ناصر ونزوحه هو ومؤيديه إلى شمال اليمن ويتولى حكم الجنوب علي سالم البيض. بعد ذلك دخلت في مرحلة الوحدة اليمنية لتعيش فترة أخرى من الاضرابات ايضا كان اعنفها حرب صيف 94.
وبعد شهرين من قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، وتحديدا بعد انشقاق اللواء علي محسن الأحمر من الجيش وانضمامه الى الثورة بحجة الحماي، نشبت حروبا متفرقة في عدد من المدن اليمنية الرئيسية بين قوات الفرقة الأولى مدرع ومن يواليها من عائلة الأحمر والمليشيات القبلية، والحرس الجمهوري الموالي لصالح وحلفائه من المليشيات القبلية ايضا لينتهي الصراع الذي دام حولي عشرة أشهر بالاتفاقية الخليجية ويصد الرئيس عبدربه منصور هادي عبر أحد آليات هذه الاتفاقية وهي الانتخابات. وعلى الرغم من أن الاتفاقية الخليجية قد نجحت في وقف الصراع بين القوتين إلا أن المحليين يرون أنها لازالت اتفاقية هشة إذ ابقت على القوى التقليدية ذات علاقات الصراع المزمنة في الحكم على حساب اقصاء القوى السياسية الناشئة كالشباب والنساء والتيارات المدنية والحراك والحوثيين، الذي ضموا لاحقا لعملية التفاوض السياسي عبر آلية أخرى للاتفاقية الخليجية هي الحوار الوطني.
وعلى الرغم من امتلاء اليمن بتاريخ من الصراعات وبديناميات حية لهذا الصراع تتمثل في القبائل المسلحة المولية للقوى السياسية وتسلح جماعة الحوثي والمليشيات القبلية التابعة لحزب الاصلاح والمؤتمر، يظل الخطر الأكبر الذي يهدد اليمن هو نشاط القاعدة (تحرير جزيرة العرب) فاليمن هي المقر الرئيسي لهذا التنظيم وتعاني بدرجة رئيسية من عملياته المتكررة ضد الأهداف الاقتصادية والعسكرية بشكل مباشر حتى يومنا هذا.
3.4) غياب الخطاب التنموي
في نتائج لبحث عن الخريطة السياسية الجديدة في اليمن أقيمت من الفترة ابريل إلى يوليو 2013 في صنعاء وعدن وقابلت أكثر من 80 امراة من المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وحوالي 20 شخصية سياسية ومدنية ، ظهر أن القوى السياسية في اليمن لا تبدو معنية، او لديها خطط، بالتعرف والتعامل مع اولويات المجتمع ومشكلاته الاساسية التي تقع خارج نطاق الصراعات القائمة. فترى نبيلة سعيد الرباحي، المسؤولة الاعلامية في الاصلاح أن هناك اهمال سياسي ومدني لقضايا المرأة في الريف، حيث هناك (جانب مهمش عند الأحزاب السياسية والدولة هو المرأة الريفية)، وهو اهتمام قد يبدو لكثيرين في مستوى محدد غير مهماً ولكنه اولوية لديها. وتضيف: "المرأة الريفية ليست في حسبان الأحزاب." هذا الامر يتقاطع معه أيضاً حافظ البكاري الذي يرأس مركزاً مهماً لقياس الرأي، حيث يرى أن أي اهتمام بالنساء أو دور يمنح لهن من قبل الاحزاب والقوى السياسية هو ذو طابع انتهازي، ولا يتعدى بالنسبة لهم هو دور تكميلي من اجل الكسب السياسي فقط. ويؤكد رأي حافظ رأي د. ابتهاج الخيبة، أكاديمية في جامعة عدن، إذ ترى أن الاداء السياسي ومنظومة التشريعات وبرامج وميزانيات الدولة لا تتعرف على احتياجات النساء الفقيرات فقط بل على كل الفقراء و المهمشين.
أما ياسر العواضي، القيادي في حزب المؤتمر، يرى أن تلبية الاحتياجات الانسانية ومواجهة الفقر تقع حسب تعبيره: "احتياجات الفقيرات تقع تحت في آخر القائمة وغير مُنتبه له. فكل ما يحصل من صراع هو صراع سياسي بحت ليست هناك أولويات لا للتنمية ولا للاقتصاد". إن ياسر ومعه بقية الشباب والشابات يرون عدم اهتمام السياسة بالتنمية نتيجة منطقية لأداء الأحزاب والقوى السياسية القائمة على الصراع السياسي. إن غياب هذه الاولويات الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للجماعات السياسية المسيطرة هو انعكاس لما يحدث من محاصصة تتم في اطار الفئة المسيطرة، اي الاغنياء. اما الفقراء، اي المجتمع، لا يُنظر لهم. وعلى الرغم من رؤية العواضي بأن الانجازات المحققة للنساء حالياً ومساحة الاهتمام بهن في اطار المرحلة الانتقالية لم تكون وليدة لسياق وقرار محلي، فالأمر لا يتعدى الاستجابة للضغط الخارجي ومحاولة ارضاء الغرب، إلا ان النساء المبحوثات والشابات والشباب لا يرون ذلك ويولون هذا الاهتمام إلى مساهمة النساء الفاعلة والتي أدهشت العالم خلال ثورة 2011.
وفي ذات السياق يؤكد علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية، وأغلبية النساء في المجتمع المحلي، أن الغياب لأي اولويات خاصة بالمجتمع او دعم الفئات الهشة والضعيفة مثل النساء يتمثل في عدم وجود سياسيات تأخذ في الاعتبار احتياجات المرأة الفقيرة سواء في الصحة أو في التعليم أو فرص العمل. ويُلخص عبدالغني الارياني، المحلل السياسي، بكثافة موقع النساء الفقيرات في قلب تقاطعات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي اليمني الحالي في علاقته ايضاً بالمنظومة التشريعية الوطنية. يقول الارياني: "المرأة الفقيرة مرمية وسط هذا الفضاء بدون حماية. ليس لها حق المواطنة، والمجتمع ليس منظما اقتصادياً واجتماعياً لكي يحافظ على كرامتها، وبالتالي فهي عرضة لكل شيء." إنها كثافة في الصورة تُعرِض عبر رمزية الانتهاك اذي تتعرض له المرأة الفقيرة بمدى غياب اولويات التنمية والفقر الكلي في اولويات السياسة والدولة اليمنية وفداحة ذلك.
بالتأكيد هذا التقاطع بين مُعظم اراء المبحوثين يؤكد في مضامينه كيف ان علاقات الصراع الشديدة التي تتفاعل في المستوى السياسي اليمني لا يُحركها في اي بعد التنافس على الخدمة العامة للمجتمع، أو تباين في التصورات على خطط ومشاريع تستهدف اولويات الفقر والتنمية وتمكين وحماية الفئات الضعيفة. بل الامر مُغلق على دائرة التنافس على السيطرة التي تعكسها مصالح الاقلية المهيمنة على المجتمع.
لقد رسخ ضعف العملية الديمقراطية، واستيلاء مراكز القوى على القرار وانغلاق دائرة الصراع على مجموعة مصالحهم، انصراف العملية السياسية في اليمن عن الناس، وجعل المجتمع واحتياجاته غير مرئيان! ويبدو ان المسار السياسي الجديد في اليمن عاجز حتى الان عن التعرف على الاحتياجات الاساسية للبلد. وفي ذلك لا يبدو الفشل في إدارة الاوضاع المعيشية المتدهورة التي يرافقها ارتفاع في حدة الصراعات السياسية وتدهور الاوضاع الامنية نتيجة لها، إلا تأكيداً على غياب دلالة ومخاطر هذا الانكشاف الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانية عموم اليمنيين لدى الاطراف التي تتشارك الحكم اليوم. ولا يُصبح بذلك العجز عن تلبية الاحتياجات الاساسية الضرورية مثل المياة والكهرباء والخدمات الصحية موضوعاً مهماً قد تُسائل بسببه الاطراف السياسية، ويتعزز كل ذلك مع الصيغة المهترئة التي يُمثلها الاشراف الدولي على العملية الانتقالية الجارية.
3.5) مجتمع مدني غير قائم على المواطنة
هناك أكثر من 7000 منظمة غير حكومية مسجلة لدى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل حتى نهاية عام 2009 في مختلف القطاعات. لكن معظم هذه المنظمات، تقريبا (80%) هي منظمات خيرية أو للرعاية الاجتماعية كما أن أكثريتها تقع في المراكز الحضرية. ونستطيع أن نوصف منظمات المجتمع المدني في اليمن بأنها منظمات غير قائمة على مبدأ المواطنة أو مشاركة المواطنين، بل انها ليست مدنية لما يحمله مفهوم المدنية من شروط تطبيق الهياكل الديمقراطية والمشاركة والشفافية والمحاسبة الشعبية بالاضافة إلى الادارة الفاعلة والاستقرار المالي. وتصفها تقارير دولية بأنها منظمات حزبية أو سياسية أكثر منها مدنية.
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في اليمن، إلا أن هذا القطاع ككل- بما فيه المنظمات الكبيرة كالاصلاح والصالح وغيرها- يعاني من مجموعة من ضعف كبير أو نقاط ضعف خطيرة ليس فقط على مستوى تقديم الخدامت لمجتمعات المحلية بل أيضا على القدرة على التغيير والمناصر والاتصال والتنسيق. المنظمات غير الحكومية في اليمن تشترك بسمات ضعف يمكن تلخيصها باللآتي:
المنظمات بعيدة عن المجتمعات المحلية حيث الحاجة شديدة لخدمة المنظمات غير الحكومية، فقد وجد أن المنظمات غير الحكومية اليمنية بشكل عام تستند في الغالب إلى العمل في الحضر، فأكثر من نصف المنظمات غير الحكومية المسجلة تعمل في المدن وانطلاقا من صنعاء، في حين أن عدد سكان اليمن في المناطق الريفية هم الأغلبية الساحقة.
عدم الحياد، وانتشار المنظمات التابعة لأحزاب سياسية أو لأجندات سياسية، وفي أفضل الأحوال تتبع أجندات الحكومة وهذه الأجندات هي من ترسم الاستراتيجيات والأنشطة في تقديم الخدمات لا على أساس اعتبارات الأخرى للمجتمع ومنها تلبية الاحتياجات الخاصة بالمجتمع أو باجنداته.
أغلبها موجهة نحو الأعمال الخيرية بدلا من اتباع منهجية التنمية البشرية المستدامة ومنها المشاركة الشعبية والتمكين للفرد والمجتمع، وهي بذلك وغالبا لا تعالج ولا تساهم في معالجة الأسباب الجذرية للفقر والتهميش.
محدودة القدرات المؤسسية، وهذا يشمل عدم وجود رؤية في تقديم المشاريع وضعف التخطيط، ونظم التنفيذ ، ونقص الموظفين المدربين في المجالات التقنية والإدارية.
الحكم الداخلي والتنظيم ضعف، وتتميز عملية صنع القرار بتمركزها في يد فرد واحد أو قبيلة أو عائلة، وفي كثير من الأحيان تساهم المنظمات في نماذج تعزيز القيادة الأبوية ومنها عدم استشارة الموظفين، وأعضاء المنظمة والمستفيدين من المجتمع.
عدم وجود إدارة مالية مستدامة ، فقدراتها على جمع التمويل المحلي ضعيف وفي كثير من الأحيان تعاني هذه المنظمات من عجز في الميزانية، كما أكبر المنظمات تعتمد على الدعم المقدم من المانحين.
غياب التعاون والقدرة على التنسيق والاتصال بين المنظمات، الأمر الذي يحد من قدرة المنظمات على التأثير في السياسات من خلال العمل معا من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
على الرغم من هذه التحديات في منظمات المجتمع المدني اليمني فهناك أشكال أو هياكل أخرى دخلت على قطاع المجتمع المدني غير المنظمات التقليدية التي تحدثنا عنها سابقا، وهذه الهياكل الجديدة ليست مسجلة ولكنها فاعلة في قطاعات التنمية المختلفة ويعول عليها في عملية التغيير، ومنها: الجماعات الشبابية، والمجالس القروية ومجالس الأباء والأمهات، اللجان الصحية، النقابات الناشئة والحركات المدنية النسائية والشاببية الناشئة والتحالفات والتكتلات ايضا وشبكات الداعيين لحقوق الانسان غير الرسمية.
ونضيف على ذلك، عدم استقلالية النقابات العمالية إذ تدين في مجملها لأحزاب سياسية ويقوم اداءها بحسب الخريطة والاجندة السياسية للأحزاب الموالية لا على أساس نضال العمال من أجل العيش الكريم. وفي المقابل هناك شرائح متعددة من العمال والعاملات في القطاع غير المنظم لازالوا غير منظمين وهم من تغيب احتياجاتهم عن دائرة الاهتمام. فاليمن دولة فقيرة وتشهد تنامي سريع للقطاع غير المنظم، إذ بلغ حجم القوى العاملة في القطاع غير المنظم بحسب حصر المنشآت عام 2003م نحو 2.375 مليون عامل منهم حوالي 1.087 مليون عامل في القطاع الزراعي غير المؤسسي. ويعمل القطاع غير المنظم على إيجاد فرص عمل لنحو 67% من إجمالي القوى العاملة. وتعوود أسباب نم هذا القطاع إلى:
- ارتفاع معدلات نمو السكان والهجرة من الريف إلى المدينة – وعودة المهاجرين.
- ارتفاع نسبة الأعمال الأسرية والصغيرة.
- الاختلال بين الطلب العالي على فرص والعمل والعرض المحدود فيها.
- قصور التشريعات والضوابط المنظمة لعلاقات العمل والأمان الاجتماعي وعدم شمولها لقطاع العمل غير المنظم .
- تراجع دور الدولة الاقتصادي والتشغيل في ظروف العولمة وسياسات إعادة الهيكلة وخصخصة معظم المؤسسات والشركات العامة المنظمة، وتوقف الدولة عن إقامة منشآت اقتصادية عامة إلا فيما ندر.
الحديث عن العدالة الاجتماعية والنضال من أجلها يستدعي بالضرورة الحديث عن حركة للعدالة الاجتماعية، شعبية ضخمة ذات قدرات تنظيمية وتنسيقية هائلة وأهداف واضحة تسعى إلى اقامة نظام سياسي واقتصادي لصالح ازالة الفوارق بين الطبقات وتحقيق الرفاه للمجتمع ككل. لذا، نرى أنه من الصعب الحديث عن امكانية ظهور مثل هذه الحركة في اليمن في ظل التحديات الكبيرة التي تعيشها البلد وفي ظل ضعف منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية.
في حقيقة الأمر، فالتاريخ اليمني الحديث لا يسعفنا بتجربة أو أمثلة من الممكن البناء عليها ونحن نقوم بالبحث عن عوامل من أجل بناء حركة للعدالة الاجتماعية. والأمثلة الأقرب المتوفرة هو خروج المظاهرات الشعبية التي عارضت ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأسعار المواد الغذائية ورفع دعم الدولة عن المواد الأساسية في الأعوام 1992، 1997 و2005. لقد كانت تلك الاحتجاجات قائمة على رفض المجتمع اليمني لبرنامج الاصلاح الاقتصادي والاداري للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والذي تبنته اليمن بالمشاركة مع دول اخرى في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وكان يعنى بتحويل هذه الدول من دول ذات اقتصاد مغلق إلى مفتوح أو اقتصاد ليبرالي. وهو الأمر الذي قاد مظاهرات عديدة حول العالم مستمر نشاطها حتى اليوم، لكن في اليمن وبسبب ديكتانورية النظام وضعف المجتمع المدني وقدرته على التضامن فقد ووجهت هذه التظاهرات بالقمع ولم يكتب لها النمو والاستمرار.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن مصطلح منظمات المجتمع المدني يختلف عن مصطلح المجتمع المدني، فالمجتمع المدني أشمل ويضم المنظمات غير الحكومية او المدنية كما يضم هياكل مؤسسية أخرى رسمية وغير رسمية وأفراد وحركات شعبية وصحافة واعلام وغيرها من الفعاليات، وكل هؤلاء اذا اتحدوا فبامكانهم تشكيل حركة للعدالة الاجتماعية يقودها المجتمع المدني بمعناه الواسع.
4) المقترحات
لقد حاولت هذه الورقة توضيح أسس اقامة حركة للعدالة الاجتماعية وبعض من التحديات التي تواجه هذا الهدف في اليمن كما تواجه مؤسسة الدولة والشعب اليمني. إنه لمن الضروري الاعتراف بتمتع البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحيط بحركة العدالة الاجتماعية بدولة مؤسسات قادرة على الاصلاح في النظام الاقتصادي والسياسي، دولة ذات سيادة للقانون تحمي حقوق المواطنة وحريات التعبير. كما انه من الضروري ايضا تمتع المجتمع المدني بمبادئ التضامن وممارسة العمل المشترك في المنهج النظري والتطبيقي والقادر والكفؤ على احداث التأثير والتغيير من أجل التنمية المستدامة وازالة الأسباب الجذرية للفقر والتهميش، وايضا التمتع بمجتمع واعي بحقوق الانسان ولديه قدرة على المراقبة والنقد للسياسيات التي ضد مصالحه.
وعليه، فاليمن، قد يبدو بعيدا عن هذا المراد، ويؤكد على هذه النتيجة صعود مطلب "الدولة المدنية الحديثة" في اليمن بشكل قوي وعاصف، في حين كان شعار "خبر-حرية-عدالة اجتماعية" هو الشعار الأقوى في ثورتي مصر وتونس. فالعدالة الاجتماعية وتسمى أحيانا العدالة المدنية، هي وصف لفكرة المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه، بدلا من انحصارها في عدالة القانون فقط. ومن هنا نفهم أن مطالبة حركة العدالة الاجتماعية العالمية قد نشأت في بلدان يتمع مواطنوها بالمواطنة وحقوق الانسان أي بالعدالة القانونية، لكنهم اليوم يبحثون عن عدالة تتعدى العدالة القانونية إلى العدالة الاجتماعية.
وفي ظل هذا التحليل، وبالأخذ بعين الاعتبار سياق المرحلة الانتقالية التي تمر بها اليمن، نستطيع تقديم بعض المقترحات التي من شأنها أن تبدأ في ادماج مفهوم العدالة الاجتماعية في الدولة الجديدة والمجتمع المدني الجديد، وهي:
4.1 صياغة دستور قائم على العدالة الاجتماعية
4.1.1 يفترض أن يصرح الدستور اليمني الجديد بأهداف العدالة الاجتماعية بوضوح وخاصة في:
التزام الدولة بإزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين طبقات المجتمع.
توفير الانصاف، والتوزيع العادل للثروة القومية.
التمتع بثمار التنمية الاقتصادية للجميع.
4.1.2 كما يجب مراجعة التعديلات غير العادلة اجتماعيا في الاسس الاقتصادية لدستور الجمهورية اليمنية 1994 و 2001 والانتباه لخطورة تضمينها في مقترح الدستور الجديد لليمن، إذ من المهم أن ينص الدستور الجديد على أن النشاط الاقتصادي قائم على مبدأ العدالة الاجتماعية وليس حرية النشاط- كما هو في دستور 2001. ايضا يجب عدم السماح بمشروعية التنافس بين القطاع العام والخاص بل بالعكس تقوية القطاع العام، فاليمن دولة اغلب سكانها فقراء وهم في حاجة ماسة لدعم الدولة. وينصح بالاكتفاء بذكر مبدأ العدالة الاجتماعية دون الحاجة لاضافة كلمة اسلامية فالعدالة الاجتماعية أصبحت مفهوما عالميا لجميع الناس دون تمييز. وفي رأيي فمواد الأسس الاقتصادية لدستور 1994 كانت أكثر عدالة اجتماعية من التعديلات التي طرأت بعد حرب 94.
4.1.3 ويقترح أن تقام ورشة عمل في أقرب وقت ممكن تناقش الأسس الاقتصادية القائمة على العدالة الاجتماعية وتلقي الضوء على التعديلات الدستورية وتقيمها بشكل علمي من أجل تلقليص خطر الابقاء على السيئ منها في الدستور الجديد.
4.2 تخطيط قائم على العدالة الاجتماعية
ترتبط العدالة الاجتماعية ارتباطًا وثيقًا بسياسات التنمية الاجتماعية. وقد تضمن برنامج عمل مؤتمر كوبنهاجن للتنمية الاجتماعية عام 1995 التزامات لتحقيق التنمية الاجتماعية من المفترض أن تكون أهداف للخطط الوطنية في اليمن، وأن يجري ادماج بينها وبين أهداف التنمية الألفية التي تقوم عليها الخطط الوطنية الحالية في اليمن:
القضاء على الفقر المطلق.
دعم العمالة الكاملة.
تشجيع التكامل الاجتماعي القائم على تعزيز حقوق الإنسان.
تحقيق المساواة بين المرأة والرجل.
إدراج أهداف التنمية الاجتماعية ضمن برامج التكيف الهيكلي.
تهيئة بيئة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية مناسبة لتحقيق التنمية الاجتماعية.
مساواة الجميع في الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأولية.
تعزيز التعاون من أجل التنمية الاجتماعية عن طريق الأمم المتحدة.
وتمثل هذه النقطة مكانا مناسبا لمنظمات المجتمع المدني في لعب دور مناصراتي أو دعوي من أجل ادراج أسس العدالة الاجتماعية في التخطيط وتقوم بدور التنسيق بينها وبين المنظمات المانحة والدولية العاملة في اليمن والحكومة.
4.3 تحرير النقابات العمالية
4.3.1 هناك ضرورة ملحة لتحرير النقابات العمالية من الهيمنة والتبعية الحزبية والسياسية واعادة هيكلتها لتغدو حركة نقابية قادرة على تنظيم صفوفها وصياغة مطالبها بشكل مستقل وقائم على احتياجات الطبقة العاملة مثل:
التغطية التأمينية من مخاطر المرض والعجز والشيخوخة والبطالة لكافة العمال والعمال في القطاعين المنظم وغير المنظم.
تسهيل ضم الفئات المستحقة للضمان الاجتماعي.
إصلاح النظام الضريبي بفرض شرائح تصاعدية.
الدعم السلعي ودعم الخدمات العامة، والاستهداف الكفء للفئات المستحقة.
استنهاض الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة والتعاونية.
جذب الاستثمارات الخارجية من خلال رفع مستوى التعليم وتدريب قوة العمل.
4.3.2 الامر نفسه ينطبق على تحرير وتطوير القطاع التعاوني في مجال الزراعة والثروة الحيوانية.
4.4 الغاء عقود الشركات الفاسدة
من المهم أن يجتهد المجتمع المدني وحركاته غير التقليدية كالشباب من فهم بنود عقود الشركات التي توصف بالفاسدة وبذل الجهد في دراستها وتقييمها والبحث عن أدوات نضال طويلة الأمد من أجل الغائها وتعويض الشعب اليمني، وكذلك محاسبة المتورطين في الفساد من الرأسماليين المحليين. يتطلب هذا الأمر التنسيق القوي مع قوى حركة العدالة الاجتماعية في العالم والاستفادة من مبدأ التضامن من أجل الدعم الخارجي الذي بامكان هذه الحركات ان تشكله خاصة في ظل هشاشة اليمن وعدم استقلالية قضائها. فالحركات العالمية بامكانها فعل الشيء الكثير في موطن هذه الشركات ومحاسبتها وليس من المستبعد امكانية الغاء العقود الفاسدة أو الاحتكارية فيما إذا توفرت صيغ قانونية لفعل ذلك في مواطن تلك الشركات.
4.5 اعادة تنظيم المجتمع
4.5.1 المجتمعات التي تعيش فترات انتقالية أو مرحلة ما بعد الصراع، تكون مجتمعات قد اصابها عدم توازن ولربما فئات كثيرة منهم قد سقطت في حالة من الهشاشة المادية والنفسية. والناظر لوضع المجتمع اليمني اليوم سيجد من السهل التعرف على وضع المجتمع بعد 2011 كمجتمع أكثر هشاشة من ذي قبل يعاني من فاقة وخوف واحباط نتيجة فشل الدولة في توفير احتياجاته وحمايته وعدم توفر البدائل الباعثة على الأمل في محيطه. هو يعاني من كوارث طبيعية وقلق أمني. لذا فالمسئولية الاولى لتكوينات المجتمع المدني الرسمي أو غير الرسمي أو غير المؤسسي كالحركات الشبابية- خاصة- هي الالتصاق والقرب من الجماعات الاجتماعية الأكثر هشاشة والتعرف على مشاكلها والعمل على حلها بكل ما توفر من طرق. على الشباب أن يكونوا الممثل والصوت عن هذه الفئات في عملية التغيير السياسية وبناء الدولة وفي عملية التخطيط وغيرها من العمليات.
4.5.2 لا بد من وجود مجتمع مدني غير حكومي وغير سياسي متشابك يقوم على أساس علمي ديمقراطي مخطط لمساعدة المجتمعات المحلية على مواجهة مشكلاتها وإشباع حاجاتها بطريقة فعالة، وبشكل يدعم الترابط الاجتماعي في المجتمع، ويزيد من قدرة المجتمع في العمل على مساعدة نفسه ويعالج المشكلات المجتمعية من خلال اعادة التنظيم المجتمعي اعتمادا على اليات العدالة الاجتماعية على النحو الآتي:
اشراك المتخصصين الاجتماعيين والنشطاء المدنيين واعدادهم إعدادا علميا وعمليا مناسبا للقيام بهذه المهام ومنها طرق الدعم النفسي والتشجيع واعادة الثقة بالنفس.
التخطيط المنظم والمشاركة المجتمعية الديمقراطية هما دعامتان أساسيتان للتنظيم المجتمعي تكمل كل منهما الأخرى، فالتخطيط يقدم الأدوات الفنية التحليلية اللازمة لإيجاد أفضل مواءمة ممكنة بين الموارد والحاجات التي تشبع أو لا تشبع ويجب أن يتم على أساس مشاركة المواطنين أنفسهم، كما أن من الضروري اشتراكهم في عمليات التنفيذ والمتابعة والتقييم، وبهذا يتم نموهم والتزامهم بما يتخذ من قرارات.
الاهتمام بالتنظيم المجتمعي لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال مناصرة الفئات المستضعفة والعمل على حصولها على حقوقهامن الفئات ذات القوة والنفوذ.
يتم تنظيم المجتمع بالتعاون بين القيادات المجتمعية في الأجهزة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية ومراكز اتخاذ القرارات للتأثير على القرارات المجتمعية لتحقيق الأهداف وترسيخ القيم التي تؤمن بها العدالة الاجتماعية.
زيادة قدرة المجتمع المحلي على مواجهة مشكلاته بنفسه في المستقبل وايجاد حلول للمشكلات المجتمعية وبخاصة الناتجة عن انتهاكات حقوق الانسان.
4.6 التثقيف ورفع الوعي
4.6.1 مبدئيا فانشاء مركز دراسات وبحوث يقوم بمراجعة وتقييم الأسباب والمشاكل التي تعيق المجتمع اليمني من الوصول للعدالة الاجتماعية، وتوصف ايضا مشاكل المجتمع المدني وأسباب عدم التحول لحركة، كما يقدم المقترحات والحلول خاصة لتحسين قطاعات العمل والصحة والتعليم. ومن المهم ان يتمتع المركز بقدرات علمية ومهنية ووصول واعلام.
4.6.2 تنشيط دور النقد الاجتماعي وهو الدور الذي يلعبه الكتاب والفانون بانتاج القصص والروايات والمقالات والمسرحيات وغيرها من مجالات الفنون من أجل نقد بنى وممارسات التهميش الاجتماعي والدعوة للعدالة الاجتماعية. بالمقابل هناك ضرورة لتحويل هذا النقد الى لغة شعبية ينشرها الشباب بين أوساط المجتمع بطرق مبتكرة وابداعية. على قضايا المجتمع التي يكابدها الناس العاديين بشكل يومي منفردين أن تبرز الى السطح كمحاولة للتضامن وفك حصار المكابدة اليومي الذي يطوق حياة الأغلبية من أبناء الشعب اليمني رجالا ونساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.