الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    ميسي يصعب مهمة رونالدو في اللحاق به    الهلال يستعيد مالكوم قبل مواجهة الاتحاد    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تجاوز قضية الجنوب لن يغرق الإنتقالي لوحده.. بل سيغرق اليمن والإقليم    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية لمعالجة الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي
نشر في نبأ نيوز يوم 06 - 11 - 2008

من قبل حدوث الأزمة وظهور إرهاصاتها؛ بادر كثير من خبراء الاقتصاد إلى التحذير منها واقترحوا حلولاً لها، ولكن مأخذنا عليهم أن ما قدموه جاء مستنداً إلى أصول الفكر الاقتصادي الغربي وآليات عمل النظام الرأسمالي تحديد! وبتقديري أن ذلك لن يسهم في علاج الكارثة التي طالت اقتصادات وطننا.
** أزمة أم انهيار:
ولكي تكون المعالجة مبنية على أسس صحيحة يجب علينا في –بدايةً- تشخيص ما حدث بدقة، من خلال دراسة موضوعية ومحايدة ومخلصة للوطن والمواطن، وذلك من خلال طرح سؤال أو أكثر، مثل:
• هل هي أزمة كما قال الغرب عنها أم هي أنها انهيار للنظام الرأسمالي الغربي؟.
ولمعرفة حقيقة ذلك نسأل:
• هل ما حدث كان نتيجة أسباب عارضة أو طارئة أو مفاجئة، مثل: جفاف أو زلزال أو إعصار أو انهيار سد أو فيضانات أو غيرها، أو أن ما حدث له علاقة ببنية وقواعد النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي؟.
• هل ما حدث مؤامرة لضرب الثروات النفطية العربية، والاستيلاء على الأموال العربية النفطية، واستهداف أرصدة دول فيما يسمى "صناديق الثروة السيادية" في المؤسسات المالية الأمريكية المنهارة. كما يعتقد بعض السياسيين العرب؟.
ودليل أنصار المؤامرة تقارير إستراتيجية أمريكية صدرت في يونيو 2008، ومقالات لساسة وصناع قرار أمريكيين، كلها تحذر من تأثير رأس المال العربي على الاقتصاد الأمريكي والغربي مستقبلاً. ومن تحول دفة السياسة في العالم مستقبلاً لخدمة مصالح عربية، لو رغبت الدول النفطية في ذلك. ودعوا إلى تطوير "إستراتيجية سياسية" لمواجهة صناديق الثروة العربية الناجمة من النفط. ويدعم هذا الرأي: أن المستثمرين الأجانب لن يمكنهم الحصول على أي تعويض من المؤسسات الأمريكية المفلسة، ولا من الدعم الحكومي المقدم لها، بموجب الفصل الحادي عشر من قانون الاستثمار الأمريكي الذي يحمي المؤسسات المفلسة من الدائنين، ولا يرتب أي حقوق لأصحاب الإيداعات على من يشترون المؤسسات المنهارة. وقد قدرت بعض التقارير أن الانهيارات "المفتعلة"لبعض البنوك والشركات تستهدف أكثر من تريليون وأربعمائة مليار دولاراً من أموال صناديق الثروة السيادية العربية.
ولا يستبعد أن يكون في الأمر شبهة مؤامرة؛ خاصة إذا ما علمنا أن أكبر المستفيدين مما حدث هي الشركات والمصارف التي تتوفر لديها السيولة والأصول المادية على حد قول مدير معهد الدراسات المالية العالمية نانتير" فيليب ديسيرتين. وكذلك إذا ما علمنا أن النظام البنكي الغربي كله وفي ذلك البنوك المركزية وعلى رأسها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كلها مملوكة ملكية خاصة لأفراد يمثلون رجال المال والبنوك والساسة والملوك والأسر الحاكمة وكبار رجال الصناعة وكبار القادة وبعض كبار العلماء، وهي تدير البنوك المركزية والبنوك والمؤسسات المالية كأي مؤسسات تجارية خاصة أخرى؛ بغرض تحقيق الربح.
** مبدأ البقاء ل(الأقوى) لا يصلح لنا:
ولأن الإجابة عن تلك الأسئلة قد أُشبعت من خلال الحديث عن أسباب الأزمة التي لم تعد خافية على أحد؛ فإني لن أضيع الوقت في الحديث عنها، وبغض النظر عن إن كان ما حدث أزمة أو انهيار أو مؤامرة، أو إن استطاع النظام الرأسمالي ودوله تجاوز ما حدث واستعادة اقتصادهم عافيته في فترة قصيرة أو طويلة، المهم في الأمر بالنسبة لنا أن ذلك النظام السياسي والاقتصادي الغربي قد تسبب في كثير من الحروب والنكبات والكوارث العالمية، وتسبب في الارتفاع الفاحش لإسعار المواد الغذائية، وقضى على الطبقة المتوسطة وزاد من عدد الفقراء والجوعى في مجتمعاتنا لصالح الطبقة الغنية، وانتهى بخسارة اقتصادات العالم تريليونات الدولارات التي كان يمكن أن تستثمر في مساعدة ما يسمى بدول العالم الثالث أو (الدول النامية) في إنشاء مشاريع تنموية تشغل ألاف الأيدي العاملة، وتخفف من وطأة الفقر والتسول فيها.
لقد أثبت ذلك النظام السياسي والاقتصادي الغربي القائم على الحرية الفردية وقيم الربح المادي والخصخصة لكل شيء؛ أنه عدو لكل القيم الإنسانية التي أساسها التعاون والتعايش السلمي بين الدول والحضارات، وأنه نظام عدواني استئصالي لكل مَنْ يخالفه الرأي، لأنه لا يؤمن إلا بنظرية (البقاء للأصلح)، والأصلح في مفاهيمه الفكرية ومنظومته القيمية، هو (الأقوى)، والأقوى في فلسفته المادية الرأسمالية والليبرالية القائمة على أساس الحرية الفردية المطلقة، هو الإنسان المتجرد من الأخلاق الإنسانية، والضمير البشري، والمعتقدات والقيم الدينية، والانتماء الوطني أو القومي، والذي يعلي قيم المصلحة الفردية، وقيم الربح والكسب المادي على قيم المشاركة والتعاون والمصلحة الوطنية والقومية، (الأقوى) هو الذي عقيدته وانتمائه أساسه (المال لا وطن له)!وسواء كان ذلك النظام يصلح لغيرنا أو لا يصلح فهو بكل تأكيد لا يصلح لنا، وقد زاد من عدم صلاحيته أن مفكريه وقادته السياسيين والاقتصاديين أنفسهم اعترفوا أخيراً وبصريح العبارة أنه لم يعد يصلح لهم ولا للعالم.

** قادة الغرب يطالبون بنظام اقتصادي جديد:
وعلى رأس أولئك الغربيين منظر الرأسمالية فرانسيس فوكوياما الذي كتب كتاب "نهاية التاريخ" بعد سقوط النظام الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي، واعتبر أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ، ولكنه سرعان ما بدأ يتراجع عن فكرته تلك بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتوقع سقوط ذلك النظام قد عاد وأكد على ذلك بعد الحرب الروسية الجورجية، فكتب: (إن الولايات المتحدة لن تنعم بوضعها الذي ظلت تتمتع به حتى الآن كقوة مهيمنة على العالم, وهو ما أكده الغزو الروسي لجمهورية جورجيا في 7 أغسطس من هذا العام, وأضاف أن قدرة أميركا على صياغة الاقتصاد الدولي عبر الاتفاقيات التجارية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستضعف وستتضاءل معها موارد البلاد المالية, كما أن المفاهيم والنصائح وحتى المعونات التي تقدمها للعالم لن تحظى بذلك الترحيب الذي تتلقاه الآن). أما بعد الانهيار المالي العظيم فإنه اعترف: "أن بعض أفكار *****الرأسمالية قد سقطت جراء الأزمة الحالية":_
كما أن الفيلسوف البريطاني جون غراي قال: أن (ما يجري في الأسواق يخطف الأبصار ويشد انتباهنا جميعا, غير أن هذا الغليان أكثر من مجرد أزمة مالية كبيرة، ما نراه اليوم هو تحول تاريخي لا رجعة عنه في موازين القوى العالمية, فإن عصر القيادة الأميركية للعالم قد ولى إلى غير رجعة, لقد سقط جراء هذه العاصفة نموذج كامل للحكم وإدارة الاقتصاد في تغير يشبه في آثاره إلى حد بعيد آثار انهيار الاتحاد السوفيتي, فما يجري في واشنطن يعني نهاية شكل واحد من أشكال الرأسمالية هو الشكل الغريب والمتقلب الذي وجد في أميركا خلال السنوات العشرين الماضية، هذه التجربة المالية والمصرفية القائمة على سياسة عدم التدخل هي بالذات ما سقط وتلاشى)0‏
ولم يكن بعض المفكرين والاقتصاديين الغربيين الذي طالبوا بوضع نظام اقتصادي عالمي جديد فقط؛ ولكن القادة السياسيين الغربيين بالإجماع طالبوا بوضع نظام مالي جديد للعالم، من ساركوزي إلى بروان إلى ميركل إلى بوتين ..إلخ. ما يؤكد أن أسباب الانهيار لها علاقة بطبيعة النظام الاقتصادي الرأسمالي.
أضف إلى ذلك أن بعض مفكري الغرب الأكثر جراءة وموضوعية قد دعوا إلى البحث عن الحل في الإسلام، الذي رأوا فيه أنه النظام الاقتصادي الذي يمكن أن ينقذ البشرية. كتب رئيس تحرير مجلة "تشالينجز" مقالا بعنوان (البابا أم القرآن) تساءل فيه عن "أخلاقية الرأسمالية"، وقال "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود". ونقل عن رولان لاسكين رئيس تحرير صحيفة "لوجورنال د فينانس" مطالبته بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة، ونقل أيضا عن لاسكين إدراجه لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية من ضمن مقترحات وضعها للحل في مقال له بعنوان "هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية؟"
كما نسبت واشنطن بوست لروبرت كيمبت نائب وزير الخزانة الأميركية قوله -خلال زيارة لجدة بالمملكة العربية السعودية- إن الخبراء في وكالته عاكفون على دراسة ملامح الخدمات المصرفية الإسلامية.
** العلاج يكمن في الأسباب التي أدت للانهيار:
إن المقترحات التي يجب أن تحظى بالأولوية عند وضع خطط لمعالجة الانهيار الحادث، هي ما لها علاقة بالأسباب التي تسببت في ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: أن إقصاء الذهب عن كونه الغطاء النقدي، وإدخال الدولار شريكاً له في اتفاقية بريتون وودز مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم بديلاً له في أوائل السبعينات عندما أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون عن فك ارتباط الدولار بالذهب، مما قاد إلى جعل الدولار متحكماً في الاقتصاد العالمي، وأساساً لعملات الدول الأخرى ، بحيث تكون أية هزة اقتصادية في أمريكا مشكِّلةً ضربة قاسية لاقتصاد الدول الأخرى. فضلاً عن إغراق الأسواق العالمية بمئات المليارات من الدولارات التي ليس لها رصيد لا من سندات ولا أصول ولا سلع. هو أحد أسبابا المشكلة، فإن:
العلاج أن يعود الذهب والفضة هما الغطاء النقدي لأي عملة في العالم.
ثانياً: أن القروض الربوية كانت أحد الأسباب، وإن استمرار التعامل بها سيشكل مشكلة اقتصادية كبرى، لأن مقدار الدين الأصلي سيتضاءل مع الزمن بالنسبة للربا المحسوب عليه، فيصبح عجز الأفراد والدول أمراً وارداً في كثير من الحالات، ما يسبب أزمة تسديد الدين، وتباطؤ عجلة الاقتصاد لعدم قدرة كثير من الطبقات الوسطى بل والكبرى عن تسديد الدين ومواكبة الإنتاج فإن العلاج يقتضي وقف التعاملات الربوية بكل أشكالها.
ثالثاً: إن النظام المعمول به في البورصات والأسواق المالية، من بيع وشراء للأسهم والسندات والبضائع مرات عدة، دون أن استلام للسلع ودون انتقالها من بائعها الأصلي، هو نظام باطل يعقد المشكلة ولا يحلها، حيث يزيد التداول وينخفض دون استلام السلع بل دون وجود سلع أصلاً، كل ذلك يشجع المضاربات والهزات في الأسواق، وهكذا تحدث الخسائر والأرباح بطرق شتى من النصب والاحتيال وقد تستمر وتستمر قبل أن تنكشف وتصبح كارثة اقتصادية.
وإذا علمنا أن هناك مَنْ يقدر حجم رأس مال العالم نحو 668 تريليون دولار، منها 590 تريليون دولار مستثمرة في البورصات والمضاربات، أي إن ما يقارب من 15% من أموال العالم فقط هو المستثمر استثمار حقيقي منتج، ويقابله سندات واسهم وأصول وسلع حقيقية.
وللعلم فقط: أن البورصةُ السعودية خَسِرَتْ أكثر من نصف قيمتها منذ بداية 2008. كما فقدت بورصتا دبي وأبو ظبي نحو 40 % من قيمتهما، وهو ما يعني خسائر تتجاوز ال 300 مليار درهم، كذلك الأمر بالنسبة لبورصات الكويت وقطر وعمان ومصر؛ حيث تراجعت مؤشراتها لمستويات غير مسبوقة.
العلاج هو وقف العمل في تلك البورصات ومنع المضاربات فيها وتوجيه أموالها للاستثمار الحقيقي المنتج، لأن الاقتصاد الحقيقي يقوم على المنتج والخدمة.
رابعاً: الملكية عند مفكري الشرق والغرب نوعان: إما مِلكية عامة تتولاها الدولة وفق النظرية الاشتراكية الشيوعية، وإما مِلكية خاصة يتولاها القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة بها وفق النظرية الرأسمالية الليبرالية المعتمدة على حرية السوق، والخصخصة، أضيف لها أخيراً العولمة، مما جعل حفنة من أغنياء العالم يتحكمون بثروات البشرية ويوردونها موارد الهلاك سعياً وراء زيادة أرصدتهم البنكية ولو على حساب كسرة الخبز وقطرة الماء لجوعى العالم، حتى قدرت بعض الإحصائيات أن 5% من البشر وهم الأغنياء يتحكمون بثروات 80% من ثروات وأموال العالم.
العلاج يقتضي وقف التعامل مع قروض صندوق النقد والبنك الدولي وعدم قبول شروطهما، وعدم السعي للانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية التي شرط الانضمام لها الالتزام بروشتة البنكين الدوليين.
خامساً:إن كان من أسباب الانهيار المالي تحرير المصارف والشركات من الرقابة المالية للدولة من أجل تحرير الركود الاقتصادي، الذي أدى بدوره إلى نشأة ما بات يُعرف بالاقتصاد الافتراضي (الوهمي)، الذي يقوم على المضاربات لا على الاقتصاد الحقيقي على الأرض. ويعمل بعيداً عن رقابة الدولة فإن العلاج يحتم عودة رقابة الدولة على البنوك والشركات والإشراف على عملها.
** العودة إلى سياسة التخطيط والتنظيم للدولة:
كما أن بعض أوجه العلاج يمكن أن تستوحى من خلال الإجراء الذي طالما عارضه الغرب عندما لجأت إليه الدول الوطنية أو الاشتراكية كإجراء اقتصادي محض أو كإجراء سياسي للتخلص من نفوذ شركات أجنبية تحولت إلى دولة داخل الدولة الوطنية، ألا وهو تدخل الدولة وتأميم بعض البنوك والشركات. الذي سارع الغرب نفسه إلى الأخذ به لمعالجة الانهيار المالي الذي أصابه، والذي تمثل بالتدخل للدول في الأسواق المالية بصورة مباشرة وتأميم كبرى البنوك، من خلال ضخ البنوك المركزية مئات المليارات من الدولارات إلى البنوك والشركات المهددة بالانهيار والإفلاس، وشراء البنوك المركزية ما يزيد على 90% من أسهم وأصول تلك البنوك والشركات.
وقد حدث ذلك في وقت يقود فيه الغرب حملة عالمية على القطاع العام للدول الأخرى تستهدف "خصخصة" هذا القطاع بل وخصخصة "الدولة" نفسها، فمنذ أن أوصى الاقتصادي جون ويليامسون في سنة 1989 بحزمة وصفاته الاقتصادية لمزيد من ضبط السياسة المالية وتخفيض الإنفاق العام وترك معدلات الفائدة للسوق كي يقررها وترك أسعار صرف العملات للمنافسة السوقية والانفتاح التجاري ورفع الحواجز أمام الاستثمار الأجنبي المباشر وخصخصة قطاع الدولة العام ...الخ، تلك الوصفات التي تبناها صندوق النقد والبنك الدولي، والتي أصبحت شرطاً مسبقاً لعضوية منظمة التجارة العالمية، بالرغم من الكوارث الاقتصادية والمآسي الاجتماعية الناجمة عنها، ناهيك عن تآكل السيادة السياسية الوطنية للأمم التي فرض عليها الغرب تلك "الوصفة" لل(إصلاح) الاقتصادي في دول العالم الثالث أو الدول (النامية).
ذلك يدل على فشل القاعدة الرئيسة في النظام الاقتصادي الرأسمالي (حرية السوق)، والتخلي عنها وهي أهم مبدأ في النظام الرأسمالي. يقول الكاتب الأمريكي أنتوني فاجولا في مقاله بالواشنطن بوست: "وباستحواذها مؤخراً على شركتي الإقراض" فاني ماي" و"فريدي ماك" وإنقاذها المالي لشركة "أي آي جي" أصبحت الحكومة الأميركية من الناحية الفعلية, هي المسئولة عن ضمان الرهن العقاري والتأمين على الحياة لعشرات الملايين من الأميركيين, وأصبح عدد كبير من الاقتصاديين يتساءل عما إذا كانت لا تزال هناك سوق حرة إذا كانت الحكومة قد انغمست بمثل هذا العمق في النظام المالي". ذلك ما دفع أكثر من رئيس دولة وخبير اقتصادي للمناداة بنظام أكثر توازناً وعدلاً.
وفي الوقت الذي يؤكد ذلك الإجراء على أن ما حدث في حقيقته هو انهيار للنظام الاقتصادي الرأسمالي، وليس أزمة! فإنه يعيد الاعتبار على مبدأ مسئولية ودور الدولة في تنظيم القطاع الخاص. وفي القيام بواجبها تجاه مواطنيها وتحمل مسئولية رعايتهم والتخفيف عن الطبقات محدودة الدخل وطأة الفقر والمعاناة، من خلال عودة الدعم المباشر من الدولة للسلع الغذائية والحاجات الضرورية للمواطنين.

** خصوصيتنا ودورها في العلاج:
سبق أن ذكرنا أن اقتصاديين وساسة ومفكرين غربيين طرحوا العمل بالنظام الاقتصادي الإسلامي كأحد الحلول، وإن كان يصعب على غير المسلم الالتزام أو تطبيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي كاملة، إلا أنه لا يصعب على المسلم ذلك بل وقد أصبح واجباً شرعياً أشد وجوباً من السابق، بعد ما حدث من انهيار للنظام الاقتصادي الرأسمالي، وما سببه العمل به من تبخر لمئات المليارات من أموال المسلمين في الغرب وفي بلدانهم أيضاً، وبعد ما سببته وصفات صندوق النقد والبنك الدولي وشروطهما للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية من نكبات على اقتصاداتنا الوطنية وتدمير وإلحاق لها بالاقتصاد الغربي.
لقد أصبح واجباً عليه أن يعمل بنظامه الاقتصادي الإسلامي الذي لو أخرجت فيه زكاة الأموال فقط، فإنها كفيلة بأن لا يبقَ فقير أو محتاج في الوطن الإسلامي كله، فما بالك بالعودة إلى نظام الوقف الإسلامي، وتشجيع الجمعيات الخيرية على العمل وتنظيم صرف أموال الصدقات والإحسان، وإحياء مبدأ وروح التكافل الاجتماعي في المجتمع، تأمل كم ستخفف من الأعباء الملقاة على كاهل الدولة تجاه المواطنين، وكم ستعاون وتتشارك مع الدولة في رفع مستوى معيشة المواطن، وتحسين ظروفه الاقتصادية والاجتماعية ...إلخ. إنه نظام التكامل بين دور الدولة والمؤسسات الأهلية (مؤسسات المجتمع المدني).
والحديث عن النظام الاقتصادي الإسلامي يطول ولكنها هي بعض الإضاءات والتذكرة في ظل فقدان البوصلة للخروج من حالة الإرباك التي تعصف بالأمة:
- بداية إن تعريف المسألة الاقتصادية في النظام الاقتصادي الإسلامي هي: أنها توزيع الثروة وليس إنتاجها، وتشريع ما يؤدي إلى توزيع الثروة وعدم تمركزها في أيد محدودة.
- فما بالنا لو طبقت الدولة القاعدة الأساس في النظام الاقتصادي الإسلامي المتمثلة في قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار"، وأحسنت استثمار زكاة الركاز، فإن ذلك يعني اعتبار النفط وكافة متعلقات الطاقة ملكية عامة لا يجوز حصرها في الأشخاص والشركات، ما يضمن توزيع عادل لثروات الأمة، وانعدام الصراع بين طبقات المجتمع وأفراده، ولن تضيع تلك الثروات في تصنيع الوقود الحيوي على حساب غذاء الفقراء.
- أضف إلى ذلك تشجيع النظام الاقتصادي الإسلامي على إحياء الأرض الموات، وتمليكها لمن يزرعها ويحافظ عليها.
-كما أن النظام الإسلامي يقسم الملكيات إلى ملكية خاصة وعامة وملكيّة دولة، مما يقاوم الاحتكار ويوزع الثروات. وفي الوقت نفسه يمنع خصخصة الملكيات العامة وملكيات الدولة، والحفاظ على حقوق الناس في ثروات تنتجها الدولة وتدير عمليات تنميتها.
- تحريم البيوع التي لا يتم فيها التقابض، وبالتالي زوال فكرة المضاربات والوصول إلى استقرار أسعار السلع. وأيضا تحديد أنواع الشركات التي حصرها الإسلام في وجوب وجود الجهد كطرف رئيسي مشارك، وعدم إقرار مشروعية شركات الأموال لوحدها دون الجهد، والتي فتحت المجال للمقامرة بأسواق المال.
- النظام الاقتصادي الإسلامي يقدم حلاً جذريا لمشكلة المعاملات الربوية أو القروض، لأن القروض في النظام المصرفي الإسلامي تقوم على الاستثمار الحقيقي في مشروعات عينية تجارية وصناعية وزراعية وليس الاستثمار النقدي الذي يتاجر في النقود كسلعة.النظام المصرفي الإسلامي يقوم على توسيع القاعدة الإنتاجية في مشروعات حقيقية تلعب فيها البنوك دور الشريك وليس المقرض، وهو نظام يحمي تماماً من التقلبات التي تحدثها التجارة في الديون.
تلك بعض الحلول والمعالجات السريعة التي يفضل لنا أن نعمل بها لِما لنا من خصوصية دينية واجتماعية تختلف عن الغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.