كذبُ تلك الاطروحات عن تراجع الأزمة المالية،والاقتصادية العالمية لأن الوقائع،والحال الكائن مالياً واقتصاديا للعالم يشير إلى تفاقم الأزمة في قابل الأيام.. فالمؤشرات كلها تقول إن الوصفات العلاجية التي تمت حتى الآن لمواجهة الأزمة،وإيقافها قد فشلت،بل عقدت الإشكالية ولم تعالج.. والسبب أنها حاولت إنقاذ الرأسماليين،دون أن تحاول إنقاذ الشعوب من آثار الأزمة.. فالمعالجات سعت لتلافي انهيار الرأسماليين.. ولا يهم إن ماتت الشعوب.. مع أن المشكلة في أساسها أن أسواق المال، والشركات هي أسواق واقتصاديات أفراد، وعوائل،وليست اقتصاديات شعوب. إذن الوصفات العلاجية للأزمة المالية والاقتصاديات الرأسمالية،والتي انعكست على العالم كله ليست وليدة العام 2008م، لكنها نتيجة مرض تعاني منه الرأسمالية المالية والاقتصادية من داخلها.. أي مرض ذاتي.. لكنه لم يقو على النظام بسبب القوة المالية والاقتصادية للرأسمالية.. لكن المرض ظل ينمو بداخلها، ويتسع وينتشر حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي حين اكتشف المرض ولم يعلن عنه.. إنما تمت مواجهته بمسكنات قررها مفكرو الرأسمالية.. والمسكنات كماهو معلوم توقف الألم.. لكن لاتقضي على المرض.. لذا ظلت الاختلالات تنمو وتكبر دون الاحساس بها حتى كشفت عن نفسها في الانهيارات التي حدثت لمؤسسات نقدية في العام 2008م،حينها دق جرس الإنذار.. لكن بعد فوات الأوان.. فالمرض هو ركام كونته السنين ولايختلف عن الأورام الخبيثة التي إذا تأخر اكتشافها يصعب علاجها عند اكتشافها مؤخراً.. رغم تقدم العلاجات.. لكنها تظل أضعف من الأمراض الخبيثة.. وهذه هي مشكلة النظام الرأسمالي. فهاهي شركات عملاقة في الولاياتالمتحدة، وأوروبا تقترب من الإفلاس والانهيار،والأنظمة الأوروبية أوقفت باكراً عمليات الدعم بمئات المليارات معارضة بذلك الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة «بوش الابن». أوباما الرئيس الأمريكي الحالي لم يجد بداً من إعلان عدم دعم الشركات المرشحة للإفلاس،مالم تعد هيكلتها وتصحح أوضاعها.. وأرى أيضاً أنه إلى جانب الهيكلة الوظيفية، يحتاج الأمر إلى إعادة هيكلة الأجور، وخاصة للقيادات المؤسسية للرأسمالية في المؤسسات النقدية، أو في المؤسسات الإنتاجية، بما في ذلك البدلات بأنواعها المختلفة.. فالنظر إلى ذلك يظهر المبالغ الخيالية في الأجور، والبدلات ناهيك عن المبالغ الهائلة التي تدخل كنفقات تحت مسميات عديدة.. وهي مسميات لايمكن تصنيفها سوى تحت عنوان كبير هو «الفساد».. كما أنه من المهم إعادة النظر في أسواق المال التي حولت العملات إلى سلع ترتفع وتنخفض دون أي عمليات اقتصادية إنتاجية فالنقد وسيلة، وليس سلعة.. ولإصلاح النظام الرأسمالي يتوجب عودة الدولة كشريكة في النظام.. تهيمن على السياسات الاقتصادية، بدلاً ماتترك للهيمنة والمزاجية الفردية.. ومع ذلك فإن الأمر سيتطلب وقتاً.. وعليه فالأزمة مستمرة، وستتهاوى شركات عملاقة، وسيزداد الكساد، والبطالة، والمعالجة ستتأخر.