نحن بحاجة إلى أن يسود بيننا "الوفاق الوطني" الجنوبي - الجنوبي على أسس منطقية وعقلانية تستوعب الحد الجامع من مطالب كافة أبناء الجنوب مرهون بعهد جديد من الاتفاق "الوفاق" الجنوبي الذي يمثل قطيعه مع الماضي وصراعاته السياسية الأليمة .. وهذا لن يتحقق في ظل انشداد البعض إلى الماضي الجنوبي السلبي , ممن لم يدركوا بعد أن العالم تغير ويتغير كل يوم وأن دول العالم وجيراننا ومصالحهم الحيوية في المنطقة تراقب عن كثب عبر مؤسساتها الدولية المعنية ومراكز السياسات الإستراتيجية ودوائر الاهتمام السياسي والاستخباري والأمني وتستند في تعاطيها مع الشأن الجنوبي وغيره إلى تلك الدراسات والاستنتاجات العلمية وتتابع بقلق شديد ما يجري عندنا. وهذا ما ينقصنا ويعيبنا حتى اللحظة .. لهذا فقدوا الأمل فينا ولما ألحقه عجزنا عن استيعاب تطورات العصر وما يشهده عصرنا الحالي وما يجري في العالم من حولنا من تطورات في ظل عاصفة الحداثة والتغيير التي عصفت وتعصف بالعديد من الأنظمة الشمولية الاستبدادية في المنطقة والعالم التي تحركت شعوبها مع رياح التغيير ووجدت قواها الوطنية والمؤسسية "السياسية والحزبية" الحية والفاعلة فرصتها السانحة باغتنام اللحظة , للتواجد في قلب الأحداث تتصدر الصفوف الأولى بين جماهير شعوبها .. وظفرت باقتدار في التقاط رسالتها واستلهمت تطلعاتها واستيعاب متطلبات العصر الجديد في التغيير والتحديث في قيادة شعوبها نحو الانتصار لأرادتها وأحسنت تمثيلها لتطلعاتها المنشودة في الحياة الحرة والأمن والاستقرار والعدالة والمساواة والتنمية والنماء والعيش الكريم .. وتوجت بنجاح ثوراتها وأحسنت توجيه نضالها السلمي العادل والمشروع بأقل كلفة من التضحيات والزمن الثمين .. وظفرت بأحقية قيادة شعوبها بكل جدارة وافتخار ونالت ثقة شعوبها وحازت على إعجاب وتعاون شعوب وأمم العالم المتحضر معها.
لهذا تركوا قضيتنا في "الديش البارد" حتى تنضج الظروف والعوامل الذاتية في الجنوب .. وتظهر نخب عقلانية جديدة يمكن لها أن تستلهم كل هذه المتغيرات وتطلعات شعب الجنوب ما يؤمل عليها في بروز "قيادة رشيدة" جامعة تستحق قيادة نضالنا السلمي في الجنوب وتحترم إرادة شعبه وتؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان وتصون الحريات العامة والخاصة طبقا لميثاق العهد الدولي والقوانين الدولية وتحترم وتؤمن مستقبل ومصالح الآخرين .
وهذا بدأت مؤشراته الانفراجة تتشكل أو في طريقه إلى التشكل من مخاض الحراك الجنوبي السلمي , بعد أن تعثرت أو استعصت كل الجهود في تحقيق أي تقدم يذكر في وحدة الصف الجنوبي الجامع , الذي لا بد له أن يشهد تحول ايجابي وفرز حقيقي للقوى العقلانية الشابة والجديدة لتجري عملية إعادة صقلها مع معطيات العصر وتحولاته السياسية والثقافية والاقتصادية المتسارعة نحو "التغيير" والانتقال من الخطاب الثوري الشعبي التحريضي والحماسي التعبوي والتحرر من الارتهان لأمزجة وأهواء الزعامات الفردية المطلقة والفكر الشمولي المطلق.. إلى الفعل السياسي المؤسسي ببروز "الأحزاب السياسية " التي تحمل برامج عمل سياسية علنية تواكب العصرنة والتحديث ذي رؤى سياسية عقلانية وتحتكم لقواعد الانضباط الحزبي والممارسة الديمقراطية الحقة والنضال السلمي والتداول السلمي للسلطة .. وهذا لا بد له أن يتحقق ولو بعد حين !