بالفعل المشهد كل يوم يزداد تعقيدا و لكن هناك مرحلة في التعقيد تجبر طرفي الصراع للبحث عن حل، خاصة عندما يكون الطرفين يبحثان عن أهداف غير معلنة و على عكس ما يرددونه أمام الرأي العام، ثم يجد كلا من الطرفين أنه قد يخسر العديد من الرقع التي أفقدته توازنه في المنطقة . فحركة حماس التي خسرت بالأمس سوريا لن يكون أبدا في مصلحتها أن تزداد خصومتها مع مصر و أشقائها، كما أن تل أبيب لم يعد في صالحها خسارة الرأي العام العالمي خاصة بعد اعلان مواقف رسمية من حكومات و دول كانت بعيدة عن قضايا الشرق الاوسط و الان باتت تنصب العداء لإسرائيل . ولمشاهدة المشهد الدائر في الصراع بحرب غزة الحالية سنجد أن اسرائيل الان امام خيارين الخيار الاول : هو الاستمرار في العدوان و شن هجمات مختلفة من البر و البحر و الجو على أنحاء متفرقة من القطاع بجانب توسيع نطاق العمليات العسكرية البرية، و التوغل داخل المناطق المكتظة بالسكان، و هنا سيقع عدد ضخم من الضحايا الفلسطينيين وهو الامر الذى سيضع إسرائيل في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، وستجبر واشنطن على التراجع شيء ما من دعمها و مساندتها الفجة لإرهاب إسرائيل ضد المواطنين العزل بفلسطين، و ستشعل نيران انتفاضة حقيقية في الضفة و منطقة المثلث داخل الخط الأخضر، و هو الامر الذى قد يكلف جيش الاحتلال الكثير من القتلى و الضحايا في صفوفه، بجانب زيادة الخسائر الاقتصادية لتل أبيب خاصة ان الخوض في مثل تلك العمليات سيحتاج لفترة زمنية طويلة، و هو الامر الذى لا يتحمله أصحاب النفس القصير بجيش الاحتلال، بجانب أن تلك النتائج لن يتحملها الجمهور الاسرائيلي صاحب المزاج المتقلب، قليل التحمل و الصبر .
الخيار الثاني : و هو سحب القوات البرية الاسرائيلية، ( و هنا سيصور المشهد كهزيمة ساحقة لحكومة بنيامين نتنياهو)، و اللجوء الى اقرب طاولة حوار متمسكة إسرائيل بورقة نزع سلاح المقاومة وهي تعرف أن ذلك من رابع المستحيلات أن تتخلى المقاومة عن سلاحها، و لكن لكى تعلو إسرائيل من سقف مطالبها، و محاولة أطفاء أي نصر سياسي بديلا للعسكري الذى فشل على الارض كما فشلو في تسويقه خاصة بعد ظهور منظومة القبة الحديدية على حقيقتها و على عكس ما أدعى قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي مبالغين في قوة تلك المنظومة الدفاعية .
و الان لم يعد امام حركة حماس و قادة إسرائيل أي مخرج من بحيرات الدم سوى المبادرة المصرية والتي ستنحاز أكثر لأولويات الجانب الفلسطيني خاصة بعد التطورات التي حدثت في الساعات الاخيرة من مواجهات عسكرية في غزة، او تحركات دبلوماسية و ضغوط من معسكر القاهرة ( القريبة و المدعومة من حلفائها بروسيا و أشقائها بالسعودية والامارات والكويت، البعيدة عن المزايدات و تصريحات المراهقين ) على معسكر حلفاء واشنطن . فدائما كان الرابح الاول في كل المواجهات القديمة سواء بحرب غزة 2008م او 2012م هي اسرائيل ثم الرابح الثاني حماس، و لكن في تلك المرة انعكست المعادلة، و أصبحت حماس الاكثر ربحا، و كالعادة لا يوجد خاسر في تلك الحروب سوى الشعب الفلسطيني وحده، فكل الشواهد و المعطيات الحالية تكتب لنا نهاية العدوان على غزة، خاصة بعد اجتماع ممثلي الفصائل الفلسطينيةبالقاهرة بما فيهم ممثلي حركة حماس بعد ان وجدو انه لا توجد سوى القاهرة وحدها القادرة على حل أكثر المعادلات تعقيدا بالمنطقة . ويبقى " فلاديمير بوتين " أكثر من أستغل فترة انشغال خصومه في حرب غزة لإعادة ترتيب اوراقه خاصة الاوراق الهجومية، و سيتضح ذلك بعد أن تخمد النيران لبعض الوقت في فلسطين لكى تشتعل في بقعة أخرى من العالم .
هكذا تتحرك رقع الشطرنج من حولنا، و من عينه تغفل لحظة ربما يجد نفسه محاصر، أو قد انتهى دوره من اللعبة، و أن اخمدت النيران في رقعة فهي تشتعل في الاخرى، و أن ربح طرف جولة فربما يخسر التالية، فالحرب لم تنتهى بعد و ما زال لها جوالات كثيرة في أكثر من منطقة بالملعب، و البقاء لمن يقرا الملعب جيدا و يرى شكل النهاية، فالعبرة بالخواتيم .