يقتفي الحوثي خطى الإصلاح وأخطاءه في "الثورة"، لكنه يبدو بمثابة التلميذ الذي يريد أن يتفوق على أستاذه في كل خطوة وكل خطأ ..يوم أمس كان شاهداً على هذا: لابد أن الكثير منكم ربط بين ما حدث البارحة أمام رئاسة الوزراء والإذاعة وبين ما حدث في نفس المنطقة أو ما عرف بأحداث أو "مجزرة بنك الدم" عام 2011. وهو ربط في محله لن أسهب في توضيحه طالما وهو واضح. ومع تضامننا الكامل مع المحتجين السلميين الذين سقطوا قتلى وجرحى في أحداث الأمس وأسرهم ومع إدانتنا لاستخدام الجيش والأمن للرصاص الحي ضد المحتجين، إلا أن الزج بالمحتجين السلميين في محاولات اقتحام لمؤسسات الدولة يظل عملاً مداناً أيضاً أياً كانت المطالب والحجج.لن أتوقف كثيراً عند ما حدث أمام رئاسة الوزراء، لأن ما حدث بعد ذلك في محيط معسكر السواد بحزيز هو ما يهمنا هنا، وهو يذكر بهجمات ميليشيات الإصلاح على معسكرات الحرس الجمهوري في "الصمع" و"أرحب" و"نهم" وغيرها:
قام مسلحون حوثيون باستحداث نقطة تفتيش أمام بوابة معسكر السواد بالضبط: وضعوا برميلاً ورفعوا فوقه شعارهم "المبجّل"، وبدأوا في تفتيش العابرين بمن فيهم الجنود والضباط الخارجين أو الداخلين الى المعسكر. هل يمكنكم تخيل استفزاز أكثر من هذا: أكثر من قيام ميليشيا مسلحة باستحداث نقطة تفتيش أمام بوابة أكبر معسكر في العاصمة؟ لم أتخيل حدوث هذا، لكنه حدث، وهو ما فجّر الأمور هناك في النهاية، وفقاً لأحد شهود العيان الذين مروا بالنقطة وتم تفتيشهم فيها. فبعد استحداث النقطة الحوثية على بعد بضعة مئات من الأمتار من بوابة المعسكر، وبعد مرور وقت على وجودها هناك وقيامها بتفتيش العابرين بمن فيهم جنود وضباط، توجه طقمان من داخل المعسكر الى النقطة لإقناع القائمين عليها بأن نقطتهم وما يقومون به فيها غير صحيح. وبعد أخذ ورد بين جنود المعسكر ومسلحي الحوثي، حدث تبادل إطلاق نار بين الطرفين ومن ثم تطور الأمر الى اشتباكات وهجمات على المعسكر بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والآربي جي. لم أتمكن من الحصول على أي رواية من داخل المعسكر أو أي جهة رسمية تؤكد هذه الواقعة، وأعتقد أن الجهات الرسمية مطالبة بتوضيح ذلك، وكذلك الحوثي.
وعلى العموم، فإن مهاجمة الحوثيين لمعسكر السواد بحد ذاتها تكفي لتقديمهم وإدانتهم كمعتدين: لقد صعدوا الى أسطح المباني المحيطة بالمعسكر وسيطروا على مدرسة مجاورة له وأخذوا يهاجمون المعسكر منها. وقد قتلوا مواطناً مسالماً هو المهندس يحيى العامري لأنه لم يسمح لهم بالصعود الى سطح بيته لمهاجمة المعسكر منه، ونصبوا كميناً لضابط في الحرس هو العقيد نصر السياغي وقتلوه فيه بحجة أنه "داعشي"، وهاتان حادثتان قرأت عنهما كما قرأتم.
في 2011، كانت ميليشيات الإصلاح تهاجم معسكرات الحرس الجمهوري بإسم "ثورة الشعب" ضد النظام وبتهمة أنه "حرس عائلي". وهاهي ميليشيات الحوثي في 2014 تهاجم معسكر الحرس الجمهوري بإسم "ثورة الشعب" ضد الجرعة وبتهمة أنه "حرس داعشي". ما الفرق؟ لا شيء سوى أن هجوم الحوثيين اليوم تم على المعسكر الرئيسي في مدخل العاصمة صنعاء وليس في "الصمع" أو "أرحب"، وأن التهمة أسوأ.
في 2011، كان الإصلاح يبرر هجمات ميليشياته على معسكرات الحرس الجمهوري بأنه ليس من يقوم بها بل قبائل مؤيدة للثورة. وفي 2014، قالت قيادات إعلامية حوثية بارزة إن جماعتهم غير مسؤولة عما حدث أمس وإن الاشتباكات كانت بين "أهالي حزيز" وبين المعسكر جراء محاولة الأخير "استحداث مواقع في مناطقهم"!
من الأخطاء والجرائم نفسها الى التبريرات والأعذار الفارغة ذاتها، تبدو التشابهات بين الحالتين والجماعتين لا تعد ولا تحصى. ولا أريد أن أطيل هنا أكثر مما قد أطلت أصلاً، لكنْ لابد من إضافة التالي: الثورة على ثلاثة مسارات، هذا هو النموذج الثوري الذي يقتفي الحوثي خطى وأخطاء الإصلاح فيه: 1- المسار الثوري السلمي تحت لافتة مطالب وأهداف مشروعة وعادلة تطالب بها مختلف فئات الشعب، أو على الأقل: تصب في مصلحة مختلف الفئات حتى وإن لم تشارك في الثورة. وهذا ما رأيناه في مسار 2011 تحت مطلب تغيير النظام وإقامة دولة القانون والمواطنة المتساوية، ومن ثم في مسار 2014 تحت مطلب إسقاط الجرعة وتغيير الحكومة الفاسدة (مع فارق التوصيف طبعاً: 2011 كان ثورة و2014 إحتجاج). وقد تصرف الحوثي فيه كما تصرف الإصلاح: هيمن عليه وحرفه الى مسارين موازيين له ولكنهما يختلفان عنه تماماً في الوسيلة، وفي الغايات بالنتيجة. 2- المسار التفاوضي الذي يجريه الطرف المهيمن على المسار الأول مع "النظام" بإسم "ثورة الشعب" طبعاً، ولكنْ من أجل إبرام صفقات سياسية تنتهي بتحقيق أهداف خاصة به تتناقض مع أهداف "ثورة الشعب". وهذا ما فعله الإصلاح عبر المبادرة الخليجية، وما يفعله الحوثي الآن (في رسالة عبدالملك الحوثي للرئيس هادي التي حملتها اللجنة الرئاسية المكلفة بالتفاوض معه، خير شاهد: مثلاً ارتفع سقف مطالبه من الشراكة في الحكومة الى الشراكة في "القرار السياسي"، وهذا فضلاً عن المفاوضات السرية غير المعلنة المتعلقة بالسيطرة على مناطق ومحافظات كاملة كعمران والجوف). 3- المسار الميليشاوي المسلح الذي يستخدمه الطرف المهيمن على المسار الأول تحت حجة "حماية المحتجين السلميين"، ولكنْ لتحقيق أهداف أخرى غير أهدافه المعلنة: حيث يتم اللجوء اليه في كل محطة إنسداد أو فشل يمر بها المسار الثاني (التفاوضي)، ولكنْ من خلال التصعيد في المسار الأول أي "التصعيد الثوري السلمي". وهذا ما يؤدي في النهاية الى نتيجة عكسية ومضادة للحُجَّة التي استخدم تحتها: فبدلاً من "حماية المحتجين السلميين"، يستخدم الطرف المهيمن على مسارهم الثوري أرواحهم كأوراق ضغط لتحسين شروطه التفاوضية ولتحقيق أهدافه الخاصة في النهاية. وفي أحسن الأحوال، إذا لم يتم استخدامهم كأوراق ضغط لتحسين الشروط التفاوضية، فإن المسار المسلح لا يؤدي الى حماية حياتهم بل الى قتلهم وقتل غيرهم من أبناء الشعب الذي يفترض أنهم ثاروا من أجله كما رأينا في أحداث 2011 وفي أحداث الأمس بحزيز. وباختصار، واهمٌ من يظن أن المسار الميليشاوي المسلح يمثل مساراً حامياً وتابعاً للمسار الثوري السلمي. على العكس تماماً، إنه يستخدمه كتابع له وللمسار الثاني أيضاً من أجل تحقيق أهدافه المتمثلة في إسقاط مؤسسات الدولة ومعسكراتها، المؤسسات والمعسكرات التي يسعى اليمنيون الى تحسينها وبنائها وليس تدميرها وهدمها. إذا كان ما فعله الإصلاح في 2011 قد قادنا الى كل هذا الفشل والتمزق والخراب، فإلى أين سيقودنا الحوثي الذي يندفع اليوم بنفس الخطوات والأخطاء والأعذار الفارغة، ولكنْ بجرأة أكبر؟ كتقدير مبدئي بسيط: اجمعوا الفشل والتمزق والخراب الذي قادتنا اليه أخطاء الإصلاح عام 2011، واضربوه في (2) على الأقل وستحصلون على نتيجة أولية قد تساعدكم على استشراف الوجهة التي يندفع الحوثي بجماعته وبنا وربما بكل البلد اليها!