ان ما يحدث اليوم في صنعاء هو اعادة توزيع وتموضع للقوى في الشمال ، وفي ذلك الوضع تحليلات كثيرة ، لكن ما اريد اركز عليه هنا هو ما يدور في الجنوب من تأويل للقادم والتحركات السياسية التي يلمح بعض الجنوبيين انها الامثل ومشروعة. لا اجد اي حرج في التعاون والتحالف مع اي قوة سواء كانت محلية او اقليمية او دولية ، بل انه يجب علينا ذلك ، ولكن ليس مع الشيطان او مع اسرائيل ؛ فنحن ولله الحمد شعب مسلم ومؤمن بالله الواحد الاحد ، والذي لا يحثنا فقط , بل يلزمنا بأن لابد للغاية أن تكون حميدة وكذلك الوسيلة لابد لها ان تكون حميدة ايضاً . ان ايجاد سبل للتعاون والتحالف مع اي قوة يعتبر نهج سليم ، لكن سيعيبه ان لم يك مدروس وعلى اسس متفق عليها ، والاهم ان تكون هناك وحدة للصف الجنوبي ، حيث ان كثيرين يرددون بأنهم لن يكرروا اخطاء الماضي ، وهم - للأسف - يهرولون لتكراره ؛ فلا اعتقد ان احداً قد نسي كيف تمت الوحدة ، فلم يدخل الجنوبيين في تلك الوحدة وهم موحدين ، والشيء الآخر ان تلك الطريقة التي تمت بها الوحدة كانت مرفوضة من العديد من القيادات ، لكنهم قبلوا بها على مضض ، كي لا يظهرون بمظهر المختلفين ، وخاصة ان هناك اطراف قد سبق وان تحالفت مع قيادة الجمهورية العربية اليمنية ؛ فمن جهة اثمنت تلك القيادات - الرافضة للطريقة - قيمة وحدة الصف ، ومن جهة اخرى اتضح - وهو الاهم هنا - مدى فداحة التحالف في ظل انقسام القيادات ؛ فكانت النتيجة الكارثية , تلاشي ثقة القيادات ببعضها البعض , ومن ثم تلاشت ايضاً الثقة بين الشعب وقياداته , ومن ثم تمزيق اللحمة الوطنية بين ابناء الجنوب , وخلق فرصة للمحتل تمكنه من السعي الممنهج لسلخ الجنوبيين من هويتهم , وإفقاد الجيل الجديد الشعور بالانتماء لوطنه وتاريخه ودولته , التي حررها وعمّرها اباءه وأجداده ؛ هذا ما يحدث عندما تنفرد وتقرر احدى القوى الجنوبية التحالف والتعاون مع قوى خارجية ؛ فالأولى ان تنظم بيتك وتحل خلافاتك او اختلافاتك مع اخوانك ومن ثم ادعو الناس الى " بيتكم " , لكن لا تجعل دارك خراب وتترك الاختلافات او الخلافات مع اخوانك كما هي , وكل منكم يدعو ضيف او حليف , ومن ثم تتوقع منهم ان يحترموا أي منكم ؛ فأنت ترى ضيفك حليف بينما هو يراك عنصره في داخل هذا البيت , لانه لا يدعمك لوجه الله ؛ لن اجادل في مسألة ان دوافعك وطنية بل قد أؤكد على ذلك , لكن للأسف الطريقة خاطئة , ولكن الاوان لم يفت لتصحيح ذلك . ان وجود تعاون بين القيادات الجنوبية والحوثيين شيء طيب ، ولكن لا يجب ان يتوقف السعي في كسب حلفاء الى عند الحوثيين فقط ، فليسوا اللاعب الوحيد في المنطقة ، فهناك قوى اخرى ، وما يحثنا على ايجاد قنوات اتصال مع قوى اخرى ، هو التغيير في موقف الحوثيين تجاه القضية الجنوبية ، فكان موقفهم في السابق بأنهم مع شعب الجنوب في تقرير مصيره ، والآن موقفهم بأنهم مع الجنوبيين في استعادة حقوقهم المسلوبة والمنهوبة ، اضف الى ذلك ما جاء في مقال لأحد رموزهم الاعلامية وأهمها ، حيث لوح فيه بأن الجنوب سيتفكك الى عدة دويلات اذا ما بدأ " مسلسل فك الارتباط " حد وصفه ؛ هذه اللهجة لا تختلف كثيراً عن اللهجة التي ظل علي صالح وحزب ألإصلاح وكل القوى السياسية ذات النفوذ في الشمال ( الجمهورية العربية اليمنية ) يكررها على مسامعنا وعلى مسامع المجتمعين الدولي والإقليمي ، في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي .
ان السعودية وإيران تلعبان في الجنوب , وكل منهما تقوم باستقطاب قوى جنوبية ؛ ما اريد ان اذكر به هنا هو ان دولة الجنوب كانت تقريباً الدولة الوحيدة في المنطقة التي عارضت الحرب على ايران , وعلي عبد الله صالح كان مع صدام حسين , وفي حرب صيف 1994 م , كانت ايران مع الحرب على الجنوب ووقفت مع على صالح ؛ السعودية وقفت ضد دولة الجنوب لانتهاجها الايدلوجية الاشتراكية , ويوجد في السعودية عشرات الآلاف من الجنوبيين مغتربين في السعودية بل ان البعض منهم قد اخذ الجنسية , وكان قبل الوحدة المواطن الجنوبي لديه امتيازات ليست لدى الاشخاص من الجنسيات الاخرى ؛ هناك تاريخ نستطيع ان نقيم تلك العلاقات ,ولست في صدد سرده او تقييمه فما اريد ان اقوله هنا انني لست ضد التعاون مع أي منهما , ولكني ضد حدوث ذلك في ظل انقسام , وان يكون ذلك سبب يدفع الجنوبيين للانقسام اكثر والهجوم على بعضهم البعض ومناصبة كل منهم العداء للآخر , وهذا للأسف قد حدث ولازال يحدث الى الآن . ان جُلّ ما اتمناه هو ان نعي وندرس ونقيم بحكمة ورُشْدّ صعود قوة جديدة في اليمن مدعومة من دولة اجنبية وبهذه السرعة , فالمسألة ليست متعلقة باليوم او بما يحدث فقط , فاللقاءات مع الحوثيين هنا او هناك والوعود المنثورة هنا او هناك , فكل هذا قطعة من احجية لم نستطع حلها بعد , وجزء من صورة اكبر فالحديث عن ان الحوثي مجرد قوة عسكرية عقائدية فرضت شروطها بالقوة , وليست لديه مقدرات سياسية فاعتقد ان مما نشاهده فأن لم يثبت للبعض انه سياسي محنك , فمن المؤكد انه اثبت للجميع بأنه سريع التعلم . خلاصة انه اذا اقمنا تحالفات فراداً ( ككيانات او كأفراد ) ونحن في هذه الحالة من انقسام واختلاف والتخمة التي اصابت الجنوب من كثرة اعداد القيادات ، فأن قياداتنا تغرس خنجراً في ظهر القضية الجنوبية وخنجراً آخر في صدرها. ( احترس من تلك النوائي فإنها .. تبدي الوفاء .. وتغرس في احشائها الغدرُ ) .