لكل علم أهله العارفون به المتخصصون في دقائقه والمحيطون بأسراره وحقائقه.. فلا يتجرأ على الكلام في الطب إلا الأطباء.. ولا يخوض في أسرار الفلك إلا الفلكيون.. ولا تسمع عن العناصر وخصائصها إلا من أهل الكيمياء.. ولا يفتي في قوانين الطبيعة إلا أهل الفيزياء.. ولا يذهب الناس في تصميم بيوتهم ومدنهم إلا إلى المهندسين.. ولا يمسك الريشة إلا رسّام.. ولا ينظم الشعر إلا شاعر.. وهذا مطّرد في كل علم وفنٍّ إلا في عِلْمين هما أخطر العلوم والمعارف.. صار يتكلم فيهما كل من هبّ ودبّ: الدين والسياسة.. فترى بعض من هداه الله فصلى ركعتين.. وقرأ من كتب العلم سطرين.. وحفظ آيتين أو حديثين وأحسّ في ذقنه شعرتين يخوض في علوم الشرع وكأنه علّامة الزمان وفهّامة العصر والأوان.. ووحيد عصره وفريد دهره.. يكفّر ويبدِّع .. ويحلل ويحرِّم.. ويضيِّق حيث وسّع الله.. ويوسِّع حيث ضيق الله.. ويتصدِّر المساجد، ويسابق على المنابر، ويهوى إمساك مكبر الصوت، ويتنمَّر ببضاعته المزجاة على العوام والجهّال.. وينسى أنه جاهل محتال.. وترى بعض من كتب في (الفيسبوك) سطرين.. أو خَزّن من القات (وقيتين).. قد صار سياسياً خطيراً ومحللاً خبيرًا وقائدًا كبيراً.. فيرغي في كلامه ويزبد.. ويقرِّب ويبعِّد ويوطِّن ويخوِّن ويسابق على المنصّات وعلى صدور مجالس القات ويوحي إليه إبليس بأنه أحق الناس بمنصب الرئيس.. فلا تسمع بين عشية وضحاها إلا وقد صار له (مكوِّن).. فهو كالحرباء متلوِّن.. يظهر النفاق في أثره.. ولا ترى إلا العلقم في ثمره.. فلا تسأل يومًا عن خبره.. فمن يدافع عن الدين من المتعالمين؟ ومن يحمي السياسة من المتطاولين؟