من يعتقد أن تعالي نبرة التباكي الإقليمي والدولي على الجنوب ما بعد انتصار 21 سبتمبر أنه صادق فهو واهم وساذج , ما يجري راهنا حالة شبيهة لما كان عليه المشهد السياسي ما قبل حرب صيف 94م , حيث وزع حينها الأقليم والعالم وعوداً كاذبة على أطراف الصراع للذهاب إلى حافة الهاوية تحقيقا لأهدافه بتصفية الجيش الجنوبي الوطني والمسيس , ما بعد انقشاع غبار معارك حرب صيف 94م تكشفت حقيقة أن ( الوحدة اليمنية ) مسألة أمن قومي خليجي ومساحة الجنوب حاجة حيوية لسكان الهضبة اليمنية , تتويجيا لهذا التوجه جاءت اتفاقيه جدة عام 2000م الحدودية لتحل حركة ( موج ) التي كانت تطالب باستقلال الجنوب العربي , كما أعطت الاتفاقية الحدودية ذاتها ( الجنوب ) كمسكن للمطالبات التاريخية اليمنية في نجران وجيزان وعسير , المتغير المستجد لعام 2014 م أن الجنوب يطرح كمكافئة تعطي للقادر على تأمين الحدود الجنوبية للمملكة السعودية من التطرف الإرهابي التكفيري .
حالة معقدة وشائكة تجعل من ( الحلم الجنوبي ) بالعودة لما قبل 22 مايو 90م تشكل شكلا وموضوعا رفضا عمليا لمخرجات اتفاقية جدة عام 2000م الحدودية , طريق مبهم لا يمكن ضمانة سلامة السير فيه إلا بتوافر مؤشرات داخلية وخارجية تتطلب رسم خرائط جديدة للمنطقة على أنقاض معاهدة سايكس - بيكو , المعطيات والمقدمات المتوفرة كلها تؤكد أنه في حالة نجاح المخطط الصهيو – أمريكي التقسيمي فإن الخرائط الجديدة لن تكون على ما كانت عليه في 21 مايو 90م ,
لذلك ننوه إلى خطورة الخطاب الاعلامي المأجور الذي يسوق لمشروع اتحاد الجنوب العربي لصالح أجندة إقليمية ودولية نزقة , مصطلح الجنوب العربي ذاته لم يكن يوما واقعا جيو – سياسي بقدر ما هو اتجاه جهوي يضم أقاليم عُمان وحضرموت واليمن , أما فكرة اتحاد الجنوب العربي فقد تم تسويقها نهاية خمسينات ومطلع ستينات القرن الماضي كمشروع كولنيالي استعماري قضت عليه ثورة 14 أكتوبر 63م , مشروع استهدفت من وراءه الدولة المستعمرة ( بريطانيا ) تحويل الخصوصيات المناطقية في السلطنات والمشيخات لهويات يتم تحفيزها عند الحاجة .
إن الأوضاع الأمنية القلقة حاليا في العاصمة اليمنية / صنعاء إذا انزلقت لما لا يحمد عقباه فأن تداعياتها أول ما تهدد الجنوب والأمن والسلم الدوليين , لذلك يجب أن لا يدفعنا الواقع المزري والظالم في الجنوب الذي فرضه أمراء الحرب والتكفير صيف 94م إلى مربع ثقافة الثأر والتشفي المرضية والغير سوية التي أدمنها بعض القادمين لحقه للحراك الجنوبي , خاصة وإن ثورة 21 سبتمبر الذي أسقطت الفاسدين والظالمين شمالا تشكل مدخلا ثوريا للبحث عن الحل العادل للقضية الجنوبية ,
هنا لا نوجه الدعوة للتعايش مع الواقع الجديد أو الترويج له بقدر ما هي دعوة صادقة لاستيعاب المتغيرات لصالح إيجاد حل آمن وجذري للمعاناة الجنوبية التي يريد بعض الساسة استمرارها للارتزاق عليها , حل كهذا يأتي فقط عبر حوار جنوبي مع القوى الجديدة الناشئة في الساحة الشمالية لرسم معالم خارطة طريق لمرحلة انتقالية , حوار الفرصة الأخيرة هذا يجنب المنطقة فرض خرائط جديدة تحقق مآرب الخارج ولا تستجيب للحلم الجنوبي أو اليمني ,
لذلك فأن المطلوب أبداع خارطة طريق تقود بنهايتها لحق تقرير المصير الذي يمثل الحل العادل والأمثل للقضية الجنوبية والذي على الجميع احترام نتائجه .