ايام و ليالي 21 و 22 و 23 مايو 90م لم يرى الناس في الشمال و الجنوب مثيل لها من قبل و من بعد على الاقل حتى اللحظة الراهنة ، ايام فرح عاطفي غير مسبوقة جافى فيها النوم جفون كثيرة من الناس الصادقين البسطاء فرحا وخوفا به و عليه و من قال غير ذلك مكابر ، اجمل مافي تلك اللحظات التاريخية النادرة ان الاكثر طربا و ابتهاجا بها كانوا في معظمهم من معارضي نظامي صنعاء و عدن حينها ، ماذا حدث بعد ذلك و حول الفرحة الى واقع مرير تتعالى فيه جدران الكراهية باضطراد موضوعا اخر ؟! . اول ما يمكن تلمسه من اسباب قادت لفشل مشروع الوحدة بين الدولتين المتحدتين الشمالية و الجنوبية ان الدولة الوطنية الناشئة فيهما 1918 م و 1967 م قامتا على قوة الشرعية الثورية ، كلا النظامين الشموليين في صنعاء و عدن حتى 21 مايو 90 م مارسا كل اشكال العنف الممنهج لتغيب الارادة الشعبية و سحقها بقوة مفرطة ، الولادة الغير الطبيعية للجمهورية اليمنية على يد نظامين لا يعبران بأي شكل من الاشكال عن ارادة شعبيهما جعل من النظام الجديد مجرد اعادة انتاج للأسوأ في النظامين السابقين ، كل ما حصل واقعا ان النظامين جعلا الوحدة مخرجا من ازمتيهما الداخلية تمكنا فيه من ترتيب اوضاعهما تكيفا مع المتغيرات الدولية لكنهما اخفقا في تحقيق وحدة متكافئة و ندية ، اول اخطاء عجالة الوحدة تجاهلها واقع ان الجنوب وطن و شعب و الاكتفاء بضمة و الحاقة كمحافظة للجمهورية العربية اليمنية في وحدة 22 مايو 90 م مثلت الخدش الاول للكرامة الوطنية الجنوبية الذي بعد ذلك عصفت بها كاتيوشا و فتاوى تكفير حرب صيف 94 م .
الاشكالية ليس في الوحدة بحد ذاتها بل في عدم توافر ثقافة الشراكة عند الشريك الشمالي و غياب مصداقيته والتي سهلت بعد -7 – 7 94 م من ازاحت الجنوبيين بقوة الحرب و الكراهية كليا من مربع الوحدة اليمنية ، ممارسات نظام صنعاء بعد انتصاره بحرب صيف 94 م على الواقع في الجنوب كانت بمجملها افعال احتلال ممنهج لا علاقة لها بأبسط مقومات فكر و سلوك الوحدة ، لذلك جاء الرد الطبيعي و المشروع على جرائم الحرب و التكفير الذي ابتدائها نظام صنعاء بانطلاقة الحراك التحرري الجنوبي دفاعا عن الكرامة المغدور بها ، قوة الحراك الجنوبي الاخلاقية و الجماهيرية فعلت فعلها بتآكل بنية الطبقة السياسية الحاكمة شمالا و صولا الى سقوط النظام الذي توج بالتوافق الدولي و الاقليمي على جمهورية الرئيس هادي الانتقالية .
القوى التقليدية القبيلة العسكرية المتأسلمة شمالا استشعرت خطر رياح التقدم و التحرر القادمة مع القرار الاممي 2140 فحركت كل مخزونها من البشمركة و التكفيريين لإعاقة مرحلة الرئيس هادي واعثارها ، مع ذلك القلاقل التي افتعلتها من كتاف و ضوران انس و الرضمة و صولا الى الفيوش و المحفد و عزان و ليس بأخيرا ارهاب مسلحي الشحر التكفيريين كلها لم تستطيع احداث اختراق يذكر بسبب الاسناد الدولي للجمهورية الانتقالية ، ما يبشر خيرا انه رغم قصر الفترة الزمنية من حكمة استطاع الرئيس هادي ببساطته المعهودة و تسامحه اللا محدود من اعادة ترميم جسور الثقة مع المواطن الجنوبي البسيط محسسا له ان هنالك من يسمعه و يتفهم معاناته و جعله يبصر نورا بنهاية نفق الاحتلال اليمني الذي ادخل الجنوبيين فيه في 90 م و 94 م الامين العام السابق للاشتراكي علي سالم البيض ، لم يكن مجرد تآلف و تعاطف مناطقي عابر كما تدعي صحف القوى التقليدية الشمالية المتأسلمة وصحف الحراك الاشتراكي للبيض وباعوم ولكنها مصالحة مع موروث الحركة الوطنية و التاريخ و نضالات الشعب في الشمال و الجنوب من اجل مستقبل افضل وامن للجميع ، اهمية هذه العلاقة الاخذة بالنمو و لصالح انتصار الحراك و القضية الجنوبية تتطلب الحرص على تأمين قنوات التواصل و استمراريتها حماية للتفاهمات المتحققة بين الجنوبيين و الرئيس هادي خشيت محاولات وئدها من قبل القوى التقليدية الشمالية المتأسلمة أمراء حرب و تكفير الجنوب صيف 94 م.