مع كل عودة قسرية إلى العاصمة اليمنية (صنعاء) فإن أول ما يمكن ملامسته هو سماكة وتعالي جدار الكراهية التي بذر بذرتها الأولى أمراء حرب وتكفير الجنوب صيف 94م. الملاحظة الثانية ان القوى التقليدية الباسطة بالقبيلي والفتوى والعسكر على المشهد السياسي اليمني لا زالت تترنح بثمالة بذات مربع فهمها الكلاسيكي للوحدة المرتكز على ثقافة "إننا واحد"، والفهم المغلوط للوحدة أفرز تقيح منطق الفرع والأصل وحكاوي العاصمة التاريخية وخزعبلات الثورة الأم و بنتها التي ذبحت ثقافة الوحدة المكتسبة من فترة حكم الاشتراكي عند الجنوبيين من الوريد إلى الوريد.. العقل والمنطق واللغة العربية لا تستقيم مع الفهم اليمني السقيم للوحدة بأننا واحد على اعتبار أن مفهوم الوحدة علاقة تنشأ بين اثنين أو أكثر. تضخم ثقافة (الأنا) في العقل الباطني عند الشريك اليمني كان السبب الرئيسي في عدم صدق تعاملهم منذ البداية مع شريك الوحدة الجنوب العربي.. مذكرات المقبور عبدالله حسين الأحمر التي تحدث فيها عن اتفاقاته مع الرئيس صالح لتشكيل حزب الإصلاح التكفيري للتآمر على الجنوب، تعبير واضح عن عدم وجود شريك شمالي وحدوي منذ البداية.. خداع الوحدة تواصل بتزييف الواقع وتعسف التاريخ من خلال تسويق شعار الحرب (إعادة تحقيق الوحدة)، الذي أنتج تقرح مقولة (وحدة معمدة بالدم).. ارث ثقافي عجز عن التعامل مع حقيقة أن وحدة 22 مايو 90م جاءت نتيجة حوار ندي بين دولتي (ج.ع.ي) و(ج.ي.د.ش) كاملتي السيادة. منذ انقلاب 26 سبتمبر 62م وتاريخ القوى التقليدية المشيخية الدينية العسكرية مثقل بماضي (الأنا) المتضخمة الرافضة للاعتراف بالتعدد والتنوع وحق الآخر في الاختلاف.. إرث متخلف رجعي مارسته ذات النخبة الحاكمة بصنعاء في الداخل اليمني عند تعاملها مع (أنصار الله) بداية نشأتهم في محافظة صعدة اليمنية.. إنكار حق (أنصار الله) في التعبير والاختلاف رغم كونه تياراً أصيلاً ترجم بصدق احتياجات مجتمعه.. إنكار لم يكن قادراً على أن ينهي تلك الحركة الناشئة في حروب النظام الست.. العكس من ذلك فإن هذا التحدي أوصل (أنصار الله) نهاية المطاف إلى العاصمة صنعاء التي حيث ما وليت وجهك فيها يطالعك وجودهم المرحب به شعبياً بحرارة وشغف. الحكاية التي تشكل مفارقة شخصية للعبد لله- كاتب هذه السطور- عند زيارته الأخيرة لصنعاء لأسباب مرافقة مريض (السيدة الوالدة)، انه في الأعوام 2008م، 2009م، 2010م جمعتني تحت الأرض في زنازين الأمن السياسي بصنعاء عشرة ورفقة طيبة وصادقة مع (أنصار الله)، ومنهم السيد محمد علي الحوثي. يوم الأربعاء 17 ابريل 2013م تحت ضوء الشمس وبرفقة العقيد المتقاعد (أحمد الجنيد)، اصطحبت إلى مبنى بمنتهى الفخامة ومن عدة طوابق وشقق في منطقة الجراف الأشرف في صنعاء لمقابلة الصديق العزيز السيد محمد علي الحوثي- رئيس القسم السياسي- والقيادي طه المتوكل والأستاذ صالح الهبرة رئيس المكتب السياسي لأنصار الله.. حكاية يفترض من قوى الثورة التحررية الجنوبية الاستفادة منها لإعادة التقييم والحسابات والعمل على أكثر من مستوى وفق رؤية سياسية واستراتيجية موحدة، تعيد الوطن الذي سلب منا. * منسق ملتقى أبين للتصالح والتسامح والتضامن