الجميع كان يدرك بأن اليمن ظل لعقود عديدة وربما مديدة يعاني من حكم فاشل ونظام مهترئ غابت عنه كل ملامح المؤسسية عدا شبكة الفساد والمحسوبية التي هيمنت على كل مراكزه و مفاصل وجوانب بنيته. و كان اليمن يمر منذ فترة غير وجيزة بحالة مخاض عسيرة ناجمة عن حمل طال أمده، وكانت جميع أجزاء البلد محتقنة بكل التعقيدات الاجتماعية والأمنية والسياسية. وقد اصبح معروفًا وظاهرًا للعيان بأن منظومة الحكم في البلد لا تتعدى عن كونها هياكل لإقطاعيات تتقاسمها قوى قبلية ودينية وعسكرية. وبات الآن واضحًا بأن النجاح المنقطع النظير لخروج الحوثي رافعا شعار المظلومية واكتساحه السريع لمحافظات شاسعة من الشمال اليمني لم يكن ليتم لولا أن ركبت موجته مراكز الفساد تلك مستهدفة بذلك تسيد الموقف بمطيته ولتجعل منه واجهة جديدة تضمن من خلالها استمرارية نهبها وبقاء مصالحها الجشعة مقابل التنازل له بحصة منها، كشريك إضافي وجديد في إطار التحالف الموسع لمراكز النفوذ والنهب المنظم والفساد والإفساد.
اللعبة كلها تكشفت كل ملامحها وظهرت جلية على أنها لا تعدو عن كونها محاولة مكشوفة لإعادة إنتاج نظام السرقات والنهب والفساد وإعادة إختراعه وتقديمه بصورة محسنة حسبتها مراكز الفساد وقوى الهيمنة توهمًا أنها ستكون مستساغة وستتطلي على جموع الشعب المظلوم.
لقد استمرأت تلك المراكز والقوى اللعبة متنكرة لقوانين التطور ومتجاهلة سنن التاريخ والزمن، في محاولة بائسة ومكشوفة لتمرير حذلقتهم على الواقع والوقائع بهدف تطويعها لمصالحها الأنانية والضيقة. إنّ تلك القوى المتخلفة لم تدرك وَلَم تعِ أن مثل ذلك المنطق الأرعن، بفقدانه مفاتيح الحل الواقعية والممكنة، لن يستقيم وَلَن يقوم له قائم في هذا المنعطف التاريخي الجديد. إنّ لعبة التشاطر والشطارة التي دخلت فيها هذه القوى سرعان ما ستنقلب وبالاً عليها وستصبح هي ضحية مكر التاريخ لكل من يحاول أن يتنكر لحقائقه أو يتجاوز أحكامه.
وبعد كل هذا اللعب والتلاعب الخطير بمقدرات بلد ذي أهمية جيوستراتيجية ومحتقن بكل الأزمات المنسدة كاليمن؛ هل يصح التنبيه ويجدر التذكير بأن كل ذلك يعجل من العاصفة التي تم التحذير منها مرارا وتكرارا؟ يبدو أن الإعصار والطوفان قادمان بكل قوة؛ بعد أن أضحت نذر الصراع والاقتتال المذهبي والطائفي والمناطقي والعنصري على الأبواب، وربما تصبح كل تلك الملامح هي جملة الشعارات الطاغية وذات الغلبة في الفصول الخطيرة والمعقدة من الحرب الأهلية الشاملة التي أصبحت تتهدد اليمن.
إنها صيحة مخلصة نطلقها قبل أيام من الاجتماعات المتواترة مؤخرًا لمجلس الأمن الدولي لمتابعة تطورات الأزمة في اليمن. نقول ونحذر الجميع من أن اليمن لم تعد تتحمل المزيد من المراوغات والمناورات ولا تكتيكات الحرب بالوكالة!
الأسوأ قادم دون شك ما دام الأهل في الإقليم و الأصدقاء في مجلس الأمن الدولي يحبذون الاستكانة لابتزاز طواغيت الفساد والنهب المنظم لثروات اليمن!
إن تلكؤ المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي بعد الآن سيتسبب بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولن يوقف ذلك المنحى الخطير والوشيك للأمور سوى عمل راقٍ ومشترك لكل العقلاء في داخل اليمن وخارجه مع دور أكثر فاعلية لدول الإقليم ومجلس الأمن.
نكررها مرة أخيرة، وعسى أن لا تكون صيحة في وادٍ دون صدىً أو مجرد جهد جهيد لمؤذن في مالطا، كَمَا تذهب إليه المقولة الشائعة: على من تبقى من العقلاء والراشدين في الداخل والخارج والإقليم ومجلس الأمن تلاحق ما بقي من فرصة، فليس بعد هذا غير طوفان التشظي والحرب الأهلية الشاملة في اليمن والتي لن تبقي ولن تذر ونيرانها لَنْ تفلت منه دول الإقليم والاستقرار العالمي؟!