آفة أحزابنا السياسية النسيان، فهي منذ 2006 م وهي بدون خريطة سياسية واضحة للخروج الآمن، فهي تعيش حالة من العناد والالتفاف للبحث عن «أذن جحا» عبر القبيلة ومراكز القوى الأخرى ومحاولة اللعب بالغرائز . لقد أساءت أحزاب المعارضة لنفسها وللتجربة الديمقراطية بإصرارها على ضرب المشروع الديمقراطي الوليد . وتؤسس لمجتمع يسوده التمييز لا الديمقراطية، والتناحر لا الوئام.. إن كل الأحاديث التي تنادي بدولة مدنية تفتقر إلى الصدقية، ولم يعد هذا الأمر خافياً، إذ إن معظم اليمنيين فقدوا الثقة بهذه الأحزاب التي تمارس الخداع علناً بهدف الوصول إلى السلطة بأي ثمن. كان من المعيب على هذه الأحزاب وهي تقف إلى جانب أولاد الأحمر وهم يدعون القبائل للهبة إلى صنعاء، إذ من العيب الوقوف إلى جانب أشخاص غير أسوياء وغير متمين لرشدهم، وهم يمارسون التشاطر والتذاكي والتهرب من القوانين والإفلات من العقاب.. فأولاد الأحمر زاوجوا بين نهب المال العام واستباحة القانون ورفض الخضوع لأي نوع من المساءلة التي تضعهم على قدم المساواة مع المواطن العادي . لانستطيع هنا أن نقول إن القبيلة مع المعتصمين ومع التغيير، إذ إن المقارنة بين أخلاق زعماء القبيلة الذين استغلوا وجود الشباب في الساحات المختلفة وأخلاق هؤلاء المنادين بالتغيير تجعل أخلاق الطرف الأول في أسفل سافلين، فالشباب يصوغون قيمهم الأخلاقية الجديدة من مزيج غير متجانس من النخوة الريفية والتضامن الطبيعي وتواطؤ المظلومين «إذا جاز التعبير» والحس الفطري بالعدالة. لقد أدرك زعماء القبائل وأدعياء الدين ومدمنو السلطة أن مطالب التغيير تبشر بنهاية المنظومة هذه وبزوغ شمس أخلاق جديدة تتأسس على المواطنة والعدالة والحقوق والواجبات فاستبقت هذه القوى هذه المطالب وافرغتها من محتواها. ولئن اتفق الشباب على الإفلاس المرعب المتعدد الوجوه الذي رتعت منه قوى الفساد، إلا أن توصيفهم لمكونات النظام مازال شديد البعد عن الكمال، والسبب يعود في ذلك إلى عدم قدرة الشباب غير المتحزب على تقديم قراءة دقيقة لرؤية كل طرف من أطراف الخارطة السياسية التي تتجاور معهم في الساحات فالقوميون تدغدغهم مشاعر الحنين إلى عبدالناصر، وفي مشاعر الحوثيين زلزال الثورة الخمينية، وفي مشاعر الاخوان المسلمين الخلافة الإسلامية، أما الماركسيون فتحرك مشاعرهم ذكرى لينين وتشي جيفارا، وهي جميعاً تجارب ثورية لم تكن ديمقراطية. إن مطالب التغيير لدى الشباب لم يقدها حزب طليعي ولا زعامة محددة، وقد تمثلت الصعوبة الكبرى في عجز الشباب عن إقامة حزب أو تجمع سياسي قادر على تعميق مطلب التغيير وجعل الديمقراطية قطب الرحى، فأصبح مطلب التغيير يقوم على الرفض لا على البناء. ولست بحاجة للقول إن التوجه العام للخريطة السياسية المتحالفة في ساحات الاعتصامات لا تحبذ انتقال السلطة بحسب النموذج الديمقراطي، وانما تبحث عن المحاصصة. والخطورة في ذلك هو تحول اللعبة السياسية إلى تحالفات ومعارك فوقية بين أطراف هذه الخارطة السياسية، ولم يدرك الشباب المأزق الخطير الذي يواجه الحكومة وإمكانية إفلاس الخزينة العامة، كل ذلك سيجعل الوعود السخية بإقامة الدولة المدنية وتوفير فرص العمل ورفع الأجور والاستجابة للمطالب الكثيرة المتراكمة ضرباً من المستحيل. يصعب التكهن بالمستقبل، لكن تتلامح منذ الآن نذر صراع القبيلة أبرز وجوهه على المستوى الداخلي والسعودية وإيران على المستوى الإقليمي، وسيكون من السذاجة ان نستبعد ولوج القبيلة والاخوان المسلمين والمناطقية حلبة الصراع، فهي عناصر أساسية في تشكيل الأزمة . لقد نشأت الأزمة اليمنية عن خطأ في الحسابات.. عوّل الشباب في إنجاح مطالبهم على القبيلة وأحزاب المعارضة والفرقة العسكرية لكن دخول هذه الأطراف ورطت الشباب وجعلتهم في خدمتهم أكثر مما أعتقد الشباب أنهم سيكونون في خدمة مطالبهم. لقد أعلنت القبيلة الحرب واستولت على مؤسسات الدولة، فأثارت اشمئزازاً لدى قطاع واسع من الشعب اليمني. لقد أظهر أولاد الأحمر تجرداً تاماً من المسؤولية الإنسانية والوطنية وانعداماً صادماً للحس الأخلاقي وإمعاناً في ضرب فكرة الدولة المدنية الحديثة. يجري اليوم تلاعب متعمد من قبل أحزاب اللقاء المشترك وانعدام المبدأ الوطني، فهي تعبث بعصبية متزايدة، بالملف الديمقراطي بعد أن كانت تعبث به بأعصاب هادئة . أخيراً.. يمكن القول إن عناد أحزاب اللقاء المشترك يمكن أن يدفع باتجاه تدويل الأزمة، وهذا ماتسعى إليه هذه الأحزاب، وربما تسير اليمن على خطى الوضع العراقي واللبناني.. مايقلق أن جميع الأطراف تتجه نحو الحرب الأهلية بعينين مفتوحتين، فهل تستطيع المعارضة أن تكف عن الابتزاز؟