انطلاق دوري "بارنز" السعودي للبادل للمرة الأولى عالمياً    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    جماعة الحوثي تتوعد ب"خيارات حاسمة وجريئة".. ماذا سيحدث؟    الرئيس العليمي: مليشيات الحوثي قتلت نصف مليون وشردت 4 ملايين يمني وليس لديها الرصيد الأخلاقي للدفاع عن فلسطين    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    تاليسكا سيغيب عن نهائي كأس خادم الحرمين    كريستيانو رونالدو يتصدر قائمة فوربس للرياضيين الأعلى أجرا    الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً ويشنّون حملات اختطاف في احدى قرى حجه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    إصابة مواطن ونجله جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات شمال لحج    موقف بطولي.. مواطنون يواجهون قياديًا حوثيًا ومسلحيه خلال محاولته نهب أرضية أحدهم.. ومشرف المليشيات يلوذ بالفرار    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    من يقتل شعب الجنوب اليوم لن يسلمه خارطة طريق غدآ    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طاهر : احتجاجات الجنوب هي الشرارة الأولى للثورة
نشر في الاشتراكي نت يوم 27 - 01 - 2012

قال الأستاذ عبد الباري ظاهر النقيب السابق للصحفيين اليمنيين ان حرب 1994م كانت الجريمة الكبرى والرافد الأكبر الدافعة للثورة ففي هذه الحرب تحالف صالح مع فرسان القبيلة المتعطشين للغنائم والفيد ومع الإسلام السياسي بمختلف ألوانه ومنابعه ابتداء بالإخوان وصولا إلى القاعدة
واشار طاهر في مداخلته المقدمة الى مؤتمر الوطني "اليمن الى اين " الذي انهى اعماله في العاصمة المصرية القاهرة الى ان هناك بدايات مختلفة ومتعددة وحتى متفاوتة.. فالاحتجاجات في الجنوب وهي الشرارة الأولى في الثورة قد بدأت في حضرموت أولا ثم امتد "شررها السلمي" الى مدينة عدن فبقية مناطق الجنوب.. وتعود بداية الاحتجاجات الجنوبية إلى عام 1997م و 2007م وقد بدأت ذات طابع مطبي وحقوقي ثم تطورت الى مطالب سياسية .
نص الورقة :
مسار الثورة الشعبية السلمية (الواقع والتحديات)
اعداد الاستاذ: عبدالباري طاهر
الطبيعة السلمية هي السمة الرئيسية والأساس للاحتجاجات المدنية في اليمن شمالاً وجنوباً .
هناك بدايات مختلفة ومتعددة وحتى متفاوتة.. فالاحتجاجات في الجنوب وهي الشرارة الأولى في الثورة قد بدأت في حضرموت أولا ثم امتد "شررها السلمي" الى مدينة عدن فبقية مناطق الجنوب.. وتعود بداية الاحتجاجات الجنوبية إلى عام 1997م و 2007م وقد بدأت ذات طابع مطبي وحقوقي ثم تطورت الى مطالب سياسية .
كانت هبة حضرموت هي الرد الأولي على استباحة حكم القبيلة للجنوب ثم كانت احتجاجات الضباط المحالين للتقاعد حسب نهج بريمر في العراق ومن هذه الاحتجاجات المطلبية تكون الحراك الجنوبي ذو الطبيعة السلمية، والمطلبي قبل مطلب فك الارتباط .
والحقيقة أن لمسار الثورة الشبابية الشعبية السلمية دوافع عسكرية وسياسية. أما في الشمال فبعد انتهاء الحرب الانفصالية التي أقصا بها صالح الجنوب وإقصاء الحزب الاشتراكي. وتدمير الكيان الجنوبي واستباحته واحتلال أرضه بالقوة والغلبة مما اعتبر بحق إلغاء للوحدة السلمية الطوعية والاختيارية التي قامت عليها دولة ال22 من مايو 90م فقد برز تخوف من عودة النظام الى نهجه الشمولي في ال ج. ع. ي. وبدأت احتجاجات عبر الندوات والمحاضرات والمقالات الصحفية قوبلت بالقمع والاختطاف والإخفاء القسري والاعتقال والضرب. ففي 14/7/74م عقد الدكتور عبدالعزيز السقاف ندوة بعنوان (ما بعد الحرب)؟! حضرها عدد من الصحفيين والناشطين وعقب الندوة تعرض العديد من المشاركين للاختطاف والتحقيق والضرب ومنهم الصحفي نعمان قايد سيف والمحامي محمد المخلافي. وفي الفترة نفسها اعتدي بالضرب على الأستاذ الأكاديمي الدكتور أبو بكر السقاف والأديب الشاعر والقاص زين السقاف وعشرات غيرهم .
في مستوى أعلى شعر صالح أنه قد حقق أعظم إنجازاته وهي إنجازات بدأت بالدم ولن تنتهي إلا بالدم فبدأ بإقصاء حلفائه الأقوياء في الحكم. فبدأ بالإصلاح الذي حجم في انتخابات العام 2007م النيابية المزورة وبإجراءات واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية إقصائية .
شهوة صالح العريانة والجوعي للثأر القبلي التي تحدث عنها الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته وبالأساس طموحه المحموم للاستئثار والانفراد بالحكم ومن ثم التوريث قد دفعه إلى مسلسل الاغتيالات التي طالت ما يزيد عن مائة وخمسين أغلبيتهم من الاشتراكي كتمهيد لحرب 1994م .
حرب 1994م كانت الجريمة الكبرى والرافد الأكبر الدافعة للثورة ففي هذه الحرب تحالف صالح مع فرسان القبيلة المتعطشين للغنائم والفيد ومع الإسلام السياسي بمختلف ألوانه ومنابعه ابتداء بالإخوان وصولا إلى القاعدة وتفرعاتها وكان طموح الإمارة الإسلامية يتجلى في شعارات جهادية. "من جهز غازيا فقد غزى".. ومن خلف غازيا في بيته فقد غزى. وصدحت مكرفونات المساجد والمعسكرات بالآيات والأحاديث الجهادية وبكرامات ومعجزات الأفغان والحقيقة أن الحرب نفسها كانت تؤكد على الدفاع عن الإسلام والهوية والوطنية والوحدة المعمدة بالدم. وكانت مقبولة لدى بعض الأوربيين- فرنسا- خاصة والأمريكان الذين أرادوا تدمير قوة الاشتراكي العسكرية الآتية من المعسكر الشرقي ولغرض رسم الحدود مع دول الجوار والابتعاد عن محور إيران العراق والسودان أقصي الاشتراكي عن المشاركة في الحكم. ثم اتجهت التصفيات الدموية لحلفاه صالح داخل القبيلة سنحان وامتدادها حاشد، فجرت تصفية محمد إسماعيل القاضي واحمد فرج وهما قائدان سنحانيان والأول ذو صلة وثيقة بالإسلام السياسي وبأسرة اللواء علي محسن الأحمر. بدأ التمهيد للتوريث وقلع العداد. وهو مصطلح يعني الحكم مدى الحياة بدأ بإقصاء الحلفاء الأقوياء وبالتصفيات الدموية: جار الله عمر، يحيى المتوكل. مجاهد أبو شوارب .
حروب صعدة الستة استهدفت بالأساس خلق فتنة طائفية: سنية شيعة تنجر إليها السعودية ودول الخليج والبلاد العربية لمواجهة الخطر الإيراني الشيعي ولإقناع الأمريكان بأنه يخوض معركتهم ضد التدخل الإيراني وضد الإرهاب في اليمن. وكان الغرب والأمريكان أكثر إدراكا لأهداف الحرب التي أراد منها صالح تصفية صديقه اللدود علي محسن والخلاص من قوته العسكرية الضاربة "الفرقة الأولى" مدرع. كما أراد في الوقت صرف الأنظار عن استمرار تحالفه مع القاعدة وإعادة تحالفه مع أركان حرب 94 ضد الجنوب. وإشعال حرب طائفية وبفشل الحروب الستة في صعدة سقطت ورقة التوت عن النظام .
رصد موقع صحيفة الشورى اليمنية ما يزيد عن أربعمائة حرب أشعلها صالح في اليمن كلها إما مباشرة شأن حرب 94م وحروب صعدة وبين الشمال والجنوب وحروب الوسطى او بطريقة إشعال الفتن بين القبائل والمناطق وتمويل هذه الحروب .
هذه الحروب الكائرة التي غطت خطابات ونهج صالح ودمرت البلاد وقضت على التنمية وهددت الأمن والسلام والاستقرار أصبحت الوسيلة المثلى للحكم مما حول اليمن كلها إلى رهينة وأريد بها ابتزاز دول الجوار لتمويل هذه الحرب واستدراجها للحرب ضد الإرهاب المزعوم في صعدة. وفي مستوى دولي إقناع الأمريكان بأنه المدافع عن مصالحهم. وحليف قوي ضد الإرهاب بينما هو حليف أساسي له- أي الإرهاب .
أما الدافع الثاني: فهو مرتبط بالجانب الاقتصادي الاجتماعي والثقافي – فجذر الفساد والاستبداد أساسي يقول كارل ماركس من يملك يحكم أما في اليمن فإنه الحكم الآتي من فوهة البندقية حسب ما وتسي تنج هو من يأتي بالمال. فالحروب والفيد أهم وسائل وأدوات الإنتاج في طبيعة النظام القبلي. وامتلاك السلطة السياسية يعني فيما يعني امتلاك المال. والمال الفاسد كما يرى الأستاذ سليم الحص قد أصبح وسيلة للنجاح ومعيارا للوجاهة والسطوة بل أضحى المال الوسيلة لإحقاق الحق. أو بلوغ مآرب الفوز بمنصب. ولم يعد للشعور بالواجب مكان ولا للمسؤولية العامة اعتبار. ولا للضمير الوظيفي أو المهني دور ولا للالتزام الوطني وزن .
في مبحث مائز للدكتور يحيى صالح محسن خارطة الفساد في اليمن "أطرافه النافذة" يشير الباحث أن العلاقة بين الحكم المطلق المستبد والفاسد علاقة لصيقة وتلازمية يقفان معا على أرضية واحدة . وفي مربع واحد. وينتجان بعضهما ويناهضان مشاريع الإصلاح والديمقراطية.. فكلما اشتدت قبضة الحكام وزادت درجة احتكارهم للسلطة السياسية والاقتصادية كما هو الحال في الأنظمة العربية ومنها اليمن، كلما تقلص الهامش الديمقراطي، وغابت المساءلة والمحاسبة، وتعطلت إمكانيات التطور والإصلاح وحرية الرأي والتعبير يزداد التضيق عليها أكثر فأكثر ليستمر الحكام على عروشهم عقوداً طويلة ويستمر فسادهم بلا حدود2 .
الفساد اليمني وباء فاش ومتجذر في كل المستويات والفساد الأكبر منه حسب مصطفى كامل يطلقها عليه مصطلح اقتناص الدولة. فهو فضلا عن مداه الأوسع وضخامة نطاقه من حيث أنه لا يقتصر على استغلال موارد الدولة الاقتصادية لخدمة الحاكم وأفراد أسرته والمقربين منه فحسب، ولكن الأهم من ذلك تصرفه في أجهزة الدولة كما لو كانت ملكية خاصة له، واستخدام إمكانياتها في كل المجالات من أجل تثبيت دعائم حكمه، واكتساب مواقع متميزة لأسرته والمقربين منه ضارباً عرض الحائط بكل القواعد الدستورية والقانونية. 3 .
ويرسم الدكتور خارطة لمؤشرات مدركات الفساد تدلل أن الدرجة الحاصل عليها الفساد في اليمن (عشر درجات = نظيف جدا- صفر= فاسد جدا وترتيبه بين دول العالم المشمولة بالمسح في الأعوام التسع الماضية تشهد أن اليمن في مقدمة الدول الأكثر فساداً في العالم .
ولكنها في ذيل دول العالم في الدخل القومي والتعليم والصحة والفقر والغذاء والأمن ونضوب الشرعية. وتلاشي هيبة الدولة، وافتقاد الأمن والسلام والاستقرار وانتشار وباء الإرهاب والفساد .
في خطبه الكائرة بالأخص منذ انطلاقة الثورة الشعبية السلمية يكرر صالح الوعيد بتحول اليمن إلى أفغانستان أو الصومال والواقع أنه قد أوصلها فعلا إلى التخوم، فالتقارير والتحذيرات الدولية والأقليمية عن الأوضاع المتردية في اليمن واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، واقتراب الدولة في حافة السقوط والفشل حيث وصفت مؤسسة الشرعية الدولية وتقرير صندوق السلام الأمريكي. أن اليمن خلال عامي 2005، 2006م دولة فاشلة وأن وضعها حرج جدا وأن هناك احتمالات لأن تتحول اليمن إلى أفغانستان ثانية وأن تصبح مركزا للإرهاب4 .
وأشارت التقارير إلى أن اليمن أخفقت في جميع المعايير ال12 التي تستند إليها المؤسسة في تصنيف الدولة الفاشلة أو الآيلة للسقوط كون اليمن يفتقد إلى السيطرة الكاملة على أراضيه ومياهه الأقليمية. كما أن الأوضاع الأمنية والعسكرية فيها غير مستقرة، وأن الحكومة لا تلتزم بمعايير الحكم الصالح الفعال فضلاً عن تفشي ظاهرة الفساد في أجهزة الدولة وفي الأجهزة القضائية، والتلاعب بميزانية الدولة وحالات عديدة لانتهاكات حقوق الإنسان. وتدهور خطير في النمو الاقتصادي وفي خدمات الصحة والتعليم 5 .
الراعب أنه وحسب التقارير الدولية لم يعد يفصل بين اليمن والصومال في حالة الخطر وحافة السقوط إلا 3، 18 نقطة، فالصومال الدولة الأولى دوليا بينما اليمن هي الدولة الثانية ومع ذلك فإن رئيسها يتبجح صباح مساء عن منجزات ومعجزات .
أشارت مؤسسة كارينجي للسلام في دراستها بعنوان "اليمن: التحديات الاقتصادية والأقليمية إذ أكدت بأن التحديات الشاملة التي يواجهها اليمن حقيقية، ويجب أخذها على محمل الجد من حيث تنافس أفراد العائلة الحاكمة على التوريث الرئاسي وتردي الأوضاع الاقتصادية، والتراجع المتسارع للإنتاج النفطي وغياب البناء المؤسسي، والنكوث بالوعود الانتاخبية التي قطعها مرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية ععام 2006م وفشل تنفيذ أجندة الإصلاح المعدة من قبل وزارة التخطيط في أكتوبر 2006م ما أفضى إلى ركود اقتصادي. واحتكار حفنة صغيرة من العائلات للقطاع الخاص واستثماراته، واتساع مساحة الفقرة إلى 45% والبطالة والتضخم.. الخ. وأنه إذا ما استمر التدهور على هذا النحو فإن الاستقرار الهش القائم يقترب من الانهيار وأن البلاد تمضي شيئا فشيئا صوب الانهيار. ما يرجح بأن اليمن ستغرق في الفوضى الكاملة، وتصبح دولة فاشلة مشابهة للصومال6 .
انتشار الفساد السياسي الذي يشمل استخدام القوة والنفوذ والرشوة ويفضي إلى إفساد القضاء .
لقد عهدت السلطة في كثير من الحالات على تجميد العمل بالقوانين وأحكام القضاء واستبدالها بالأعراف والعادات القبيلة التي تم تعميمها حتى على المحافظات الجنوبية والشرقية فضلا عن أن تزايد الهيمنة القبلية العسكرية في اليمن واتساع نفوذها ولد وضعا فاسدا مستشريا تستحوذ فيه النخب القبلية والعسكرية على نصيب الأسد من عقود المناقصات والمقاولات والصفقات الحكومية والوكالات التجارية والخدمية.. ما خلق شريحة رأسمالية طفيلية "طارئة على حساب المؤسسات الاستثمارية المنتجة والعريقة، وعلى حساب دولة النظام والقانون وليصبح الفساد أحد أهم آليات التراكم الرأسمالي في اليمن .
الحقيقة أن التحالف القبلي الحاكم قد وسع من دائرة مصالحه وتنوعت كثيرا مصادر وأشكال فساده إلا أن أهمها على الإطلاق بحسب دراسة تقييم الفساد في اليمن الصادرة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووفقا لما سبق الإشارة إليه تتمثل في :
- توزيع وتقاسم عقود المشتريات الحكومية والوكالات التجارية والخدمية خارج إطار النظام والقانون .
- تخصيص ميزانيات ورواتب دائمة لمشائخ القبائل النافذين ضمن الموازنات العامة للدولة .
- يسمح لكبار الضباط من قيادة الوحدات العسكرية والأمنية الرئيسية بتضخيم أفرادهم الواقعين تحت أمرتهم أي إضافة قوائم بأسماء جنود وهميين إلى الأسماء قد تكون إما لأفراد موجودين ولا يذهبون للعمل أو الأفراد وهميين تماما) وبالتالي عند استلام الاعتمادات والرواتب والمخصصات الغذائية والتموينية والأسلحة والذخائر والملابس الخ تذهب مستحقات ومخصصات الأفراد الوهميين الذين يعذرون بالمئات والآلاف في معظم الوحدات إلى جيوب هؤلاء القادة .
يساعدهم في ذلك الغياب الكامل لأية رقابة أو مساءلة 8 رسمية. وإذا كان الفساد والاستبداد صنوان يسقى بماء واحد فإن الحرب الثمرة الكريهة وهي أي الحرب أرقى أنواع الفساد ولكنه الفساد المدمر.. الفساد في اليمن أقرب شبها بالجراد الذي يأتي على المحصول كاملا. فهو تدميري بامتياز ودموي متوحش .
التقارير الكاثرة التي زخرت بها وغطتها الدراسات والأبحاث الدولية شاهدة أن الفساد في اليمن نار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله .
فهو طوفان يغمر كل مناحي الحياة وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الزراعة في اليمن توفر أكثر من نصف فرص العمل إذ بلغت العمالة الزراعية ما يقرب من اثنين مليون عامل أي 50% من إجمالي العمالية في البلاد9 .
واليمن البلد السعيد سابقا لا تمثل الأرض الصالحة فيها حاليا أكثر من 13% ومع ذلك فالمزروع فيها أقل من ذلك حيث يقدر بمليون هكتار ونصف وهي معرضة للجفاف والتصحر سنويا وتزداد الفجوة الغذائية في مقابل تنامي معدل السكان والمخزون الغذائي الاستراتيجي10 فالمورد المائي عرضة للعبث والتلاعب ومعظم الأحواض من حول المدن الرئيسية عرضة للنضوب. وقد أتت أزمات المشتقات النفطية لتقضي على ما تبقى من الزراعة والتقارير الدولية أيضا عن الفساد في الثروة النفطية فاجعة فالفساد وباء مدمر يبتلع مقدرات وموارد التنمية، ويجهض الجهود الرسمية والمجتمعية وأية محاولات لإصلاح الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية يستنزف وما يزال موارد البلاد الشحيحة ويحرم خزينة الدولة منها. ويقف حجر عثرة أمام قدوم وتفعيل الاستثمارات الوطنية والأجنبية .
وحتى لا يكون الكلام نظريا وعاماً فإن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية حسب التقارير تشير إلى التالي :-
- بلغت الأسر الواقعة تحت خط الفقر عام 2006م حوالي 40% من مجموع الأسر اليمنية .
إضافة إلى أن 2، 45% من السكان يعيشون تحت خط الفقر ممن يحصلون على دولارين في اليوم الواحد في حين أن الحكومة في تقريرها المقدم إلى البرلمان أوائل العام 2008م تشير إلى تراجع حالة الفقر إلى ما نسبته 35% وهي نسبة مئوية لا تأخذ، بالحسبان الأرقام المطلقة للأعداد المتزايدة من الفقراء مقارنة بالنمو السكاني المتزايد، بل أن الحكومة ذاتها وفي نفس الفترة أقرت رسميا أدراج 10 ملايين مواطن يمني ضمن شبكة الأمان الاجتماعي أي نصف سكان اليمن تقريبا ما يمثل اعترافا رسميا بأن من يعيشون تحت خط الفقر تصل نسبتهم إلى 50% من إجمالي السكان إن لم يكن أكثر.. والتفسير الوحيد لتباين واختلاف المؤشرات يندرج ضمن عمليات تسيس وتكييف قاعدة البيانات الرسمية.. كذلك الأمر بالنسبة لتفاقم حدة البطالة بمفهومها الشامل التي تصل معدلاتها المعلنة إلى 43% من إجمالي القوى العاملة .
- تزايد معدلات التضخم وخاصة خلال الثلاث السنوات الأخيرة لتبلغ في العام 2005م ما نسبته 2، 20% ثم إلى 22% بل أن معدل التضخم لأهم مجموعة من السلع الغذائية في سلة المستهلك خلال النصف الأول من عام 2007م وصل إلى 29%... ويتوقع أن تتصاعد معدلات التضخم بشكل أكبر خلال الأعوام التالية :
- بعد تسوية الديون في نادي باريس، وإلغاء حوالي 80% من ديون اليمن في النصف الثاني من عقد التسعينات الماضي.. يبدو أن تراكمات الدين الخارجي بدأت من جديد تشكل مصدر قلق على الاقتصاد الوطني ليصل رصيده في 31/12/2007م ما يزيد على 8، 5 مليار دولار منها ما يقارب 1.5 مليار ونصف دولار ديون خارجية غير مستخدمة بسبب سوء الإدارة وعجز الحكومة عن استيعابها وتوظيفها.. أما إذا أضفنا صافي الدين الداخلي وهو ما تتجنب الحكومة احتسابه والإشارة إليه في تقاريرها والبالغ قيمته فقط أواخر العام 2006م ما يعادل 2 مليار دولار ستصبح عندئذ نسبة الدين العام (الدين الخارجي +الدين الداخلي) إلى الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة حوالي 38% وهي نسبة كبيرة تقترب من الحد الخطر غير الآمن خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار الوتيرة المتسارعة لتناقص إنتاج وصادرات النفط والاحتياطي منه .
الدولة اليمنية والمسار الجديد
تسمية الدولة في اليمن مصطلح أقرب للمجاز أو لأسماء التيامن كإرث عربي عريق من تسمية الأعمى بصيرا والأعرج أبو سريع والمريض سليما ووالخ.. فالدولة اليمنية سواء المتوكلية اليمنية أو ال ج. ع. ي أو دولة صالح هي مركب هجين من الجذر الأساس للقبيلة "الأسرة" وتحالفات شائهة مع العسكر الخارجين من رحم القبيلة ومن التجار الطفيليين ومرتزقة النظام أقدام النظام في الماضي حتى البعيد منه ما تزال غائرة فالدولة القطرية كما يرى المفكر الدكتور أبو بكر السقاف في كتابه (الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي) أفق الأمل التاريخي في الأقطار العربية التي تميزت بأوضاع اجتماعية واقتصادية أكثر تطورا في اليمن المتوكلي. أما في اليمن نفسها فإن هذا الأفق كان على المجتمع أن يحاول الوصول إلى مقحماته قبل الشروع في الحديث عنه، هذا التطور المتفاوت للأقطار العربية جعلها تواجه مهام مختلفة من قطر إلى آخر 13 .
وداخل اليمن كان التفاوت نصيب أجزائه من المورث التاريخي وجدران العزلة بينهما يجعل الطموح إلى الجانس والاندماج والوحدة مهمة تاريخية وعلى المستوى الوطني العام كان وجود الاستعمار البريطاني في عدن وبقية أجزاء الجنوب اليمنية يضع مهمة تحرير هذه الأجزاء على عاتق الشعب اليمني كله في الجنوب والشمال، إذا أراد لتطوره السياسي أن يسير في طريق الوحدة والتكامل والتقدم، وإلى جانب الاستعمار البريطاني كانت السعودية ولا تزال قوة أقليمية متوحدة بخطط الاستعمار البريطاني ثم بالاستعمار الأمريكي 14 .

( مسار واحد وبدايات وأولويات متفاوتة ).
كانت احتجاجات حضرموت هي الباكورة الأولى عقب حرب 94م الكارثية في العام 1997م وكانت ردا على محاولات تفكيك محافظاتهم إلى محافظتين: الساحل والوادي" وانتصر الاحتجاج. أما عدن والضالع ولحج فقد بدأت فيها الاحتجاجات في العام 2007م وكان طابعها المطلبي والحقوقي هو الأساس ثم تطورت إلى فك الارتباط. وكانت صنعاء وتعز متأخرة نوعا ما .
أما صعدة فإن بدايتها الحقيقية هي انكسار حملة الحرب السادسة التي استمرت أكثر من أربعة أشهر وشارك فيها الجيش السعودي .
هذه الأولويات المتباينة والبدايات المختلفة قد تجسدت كلها في مساري (أرحل والشعب يريد إسقاط النظام. فعلى هذين الأساسين توحدت إرادة اليمانيين في سقطرى والمهرة شرقا وحتى حرض والمخا غربا ومن صعدة إلى عدن. دمج الشباب الثائر بين (أرحل) والشعب يريد إسقاط النظام كمهمة رئيسية وواحدة في مسار بناء (الدولة المدينة الديمقراطية والحديثة) في حين أن قوى تقليدية هاربة من سفينة صالح ا لآيلة للغرق أو من القوى المحافظة التي لا تريد رؤية دولة مدنية ديمقراطية وحديثة. ولا تقبل بحق تقرير المصير للجنوب. ولا تريد الاعتراف بجرائم الحروب الستة في صعدة وقفت هذه القوى عند تخوم "أرحل" ولم تقبل بسقوط النظام بقضه وقضيضه. واللافت أن صالح هو أول من طرح مبادرة رحيله وعلي محسن في لقائهما في بيت النائب عقب جمعة الكرامة وتلقت السعودية الاتفاق وطورته إلى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وكان الهدف الأساسي رحيل صالح وبقاء النظام مع إعطاء حصانة لصالح وأسرته وأعوانه من المساءلة .
الواقفون على أرضية "أرحل" قبلوا بالمبادرة أما الشباب الثائر وغالبية الساحات التي تضم الملايين فقد ربطت بين الرحيل وسقوط النظام والإصرار على بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة رافضين إعطاء حصانة للقاتل وناهب المال العام .
أوروبا وأمريكا رغم تأييدها للمبادرة الخليجية إلا أنها رفضت إعطاء الحصانة وجاء القرار الأممي رقم 2014 لتأكيد التزامها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ الشرعية الدولية .
في مقال لها بعنوان (إدارة التحول) دور الأمم المتحدة في العملية الانتقالية السياسية في اليمن أشارت "حيني هيل" إلى أن فصائل النخبة المتنافسة في اليمن قد تنظر إلى الثورة على أنها بمثابة لعبة كراس موسيقية حيث يقوم اللاعبون الرئيسيون داخل النظام القائم ببساطة بتبادل المواقع فإن أهداف القواعد الشعبية أكثر طموحا بكثير{، فقد كرر المحتجون اليمنيون استخدام شعارين رئيسيين في مظاهراتهم المنظمة أيام الجمعة: الأول طالب الرئيس صالح بالرحيل "ارحل" والثاني طالب بسقوط النظام "الشعب يريد إسقاط النظام" إن رؤيتهم تذهب إلى أبعد من نقل السلطة وحسب" فالنشطاء الشباب المستقلون يريدون نهاية سلمية للنظام الحالي وجميع رموزه. وهم يرون أن الثورة تمثل فرصة ثمينة لإنشاء دولة مدنية حديثة "عن طريق إعادة تعريف العلاقة بين النظام والدولة وإعادة توزيع السلطة بين الدولة والمجتمع15 .
وكشرط سبق لمحادثات العملية الانتقالية ما أنفك النشطاء الشباب المستقلون يصرون على خروج صالح الفوري إلى جانب خروج جميع أتباعه وأقاربه المقربين من القيادة والمواقع العليا في المؤسسات العسكرية والمدنية، كما رفضوا أي مقترحات عن صفقة حصانة للرئيس صالح، ولا يزالون يصرون على بذل الجهود الرامية إلى مقاضات أفراد في حكومة صالح كانوا رموزا للفساد كما أنهم يمارسون ضغوطا من أجل تجميد أصول الرئيس.. واسترداد الأموال المسروقة من القطاعين العام والمختلط بالإضافة إلى ضمانات لحرية التعبير. 16
رفض الشباب المستقلون المبادرة الخليجية منذ صدورها كما دانوا صفقة الحصانة فضلا عن تسلسل العملية الانتقالية وترتيبها وبدلا من ذلك يريد الشباب المستقلون مدة انتقالية من ستة أشهر لإلغاء الدستور وحل مؤسسات الدولة الحالية تحت قيادة مجلس رئاسي مؤقت مؤلف من خمسة أعضاء معروفين بخبرتهم ونزاهتهم وتجربتهم17 .
ويعد النشطاء الشباب المستقلون بالصمود إلى حين تنفيذ الانتقال السلمي إلى سلطة مدنية ووضع دستور جديد يعزز دور البرلمان، وبموجب هذا النموذج سيحد من سلطة الرئيس الجديد بشكل جذري وسيكون أي رئيس للحكومة بحاجة إلى بناء ائتلاف شامل يحاول إقامة توازن بين طيف واسع من المصالح المتضاربة داخل إطار البرلمان، وقد شرع الشباب المستقلون في تنظيم أنفسهم في ائتلافات، وتشكيل آليات للتنسيق ووضع القرار، وكلما طال الجمود السياسي الراهن ازداد الوقت المتاح للمجموعات الشبابية والكيانات السياسية التقدمية مثل "حزب العدالة والتنمية والبناء" الذي أنشأه محمد أبو لحوم في أجل تنظيم وتوحيد وبلورة أجندتها18 .
وفي خطاب له أمام نادي مدريد في أبريل نسيان 2011م قال عبدالكريم الإرياني وهو رئيس وزراء سابق ومستشار الرئيس لمدة طويلة "إنني اعتقد أن ثورة الشباب أحدثت تغييراً هائلا في النظام السياسي وربما الاجتماعي في اليمن .
أعتقد أن ثورة الشباب نجحت الآن في جعل التغيير أمرا حتميا. إن التغيير قادم وسيتغير النظام السياسي من السلطة المطلقة للرئيس إلى نظام برلماني.. دعونا نأمل في الوصول إلى المرحلة النهائية بأمان 19 .
التحدي الثقافي
الدولة المستبدة عدوة الثقافة فالثقافة الشاهد على فسادها واستبدادها. وهي أي الثقافة الإثمد الذي يجلو غشاء الرؤية لترى قميص السلطان المنسوج من الزيف والوهم. ولترى سوءة الظلم والنهب العريان والقتل العامد والتدمير الذي يلحق بالبلاد والعباد. والثقافة كخبرة حياتية وعملية في جانب مهم تمتد عميقا في وعي الإنسان اليمني. وتضرب جذورها في إرث صناعة المدرجات في الجبال والزراعة في الصخور وصناعة السدود وبناء السفن. ومختلف أنواع الحرف أي أنه شعب عامل بامتياز. عرفت اليمن الكتابة والكتاب باكراً والمخطوطات الأولى للكتب السماوية الثلاث مخزونة في اليمن: وأهم مصادر الفكر المعتزلي. حمل المثقفون شعلة الدعوة للدسترة منذ بداية الأربعينيات وأسسوا مجلة الحكمة اليمانية في صنعاء 1938م في حين أسس المفكر التقدمي الأستاذ عبدالله باذيب مجلة المستقبل في عدن. في خمسينيات القرن الماضي وحملت المجلتان راية الحداثة والتجديد والتحرر والعدالة. ثورة 48 الدستورية ثمرة لدعوات التجديد التي دعى إليها الموشكي والعزب ومحي الدين العنسي والوريث والمطاع والأخيران هما من أسس مجلة الحكمة اليمانية 38- 1941م .
ما تصنعه 18 عشر ساحة في اليمن تضم الآلاف ومئات الآلاف والملايين صناعة ثقافية جماعية بامتياز. ومطلب الدولة المدنية الديمقراطية والتطويح بالفساد والاستبداد جوهر هذه الثقافة وهي الوظيفة الأساس للمثقف العضوي الذي عبر عنه غرامشي. طلاب الجامعات في عدن وصنعاء وحضرموت وذمار وتعز وإب والحديدة هم من حمل شعلة سيزيف ليتحدى آلهة الفساد والاستبداد ويفجر طاقات شعب عانا طويلا من طغيان السلاح وجرائم الاحتكام إليه والحكم به .
فيصل دراج يرى (إذا كان المثقف يصدر عن خطاب نقدي يرفض ماهو قائم ولا يقترح لزوما البديل فإن الحديث عن المثقف بصيغة المفرد لا معنى له ما دامت أثار آية رسالة ثقافية تتعين بالطرق الذي يستقبلها .
يستدعي ذلك بداهة الوظيفة الاجتماعية للمثقف التي تفترض شوطا تتداخل فيها التربية والديمقراطية والفضول المعرفي، لا وجود في الحالتين للمثقف بصيغة المفرد إلا إذا كان يختصر الثقافة إلى ملكية خاصة تخضع لقوانين البيع والشراء، ينطبق ذلك بدره على من يدعى بالمثقفين الكبار الذين يضعون أفكارا جديدة في جهاز مفهومي خاص بهم. ذلك إن الأفكار الكبيرة تنتظر قوى اجتماعية تحولها إلى مشاريع سياسية ثقافية. ولذلك جعل طه حسين من المدرسة مفتاحا للتقدم الاجتماعي. وأنشأ قسطنطين زريق حزبا لأفكاره. واعتبر الإيطالي غرامشي الحزب الشيوعي "مثقفا جماعيا" 20 .
ما تصفه الثورات العربية في الميادين العامة والأحياء والقتال بالحكمة والصدور العارية والأرجل الحافية في مواجهة آلات الحرب الجهنمية أرقى صور الثقافة لأنها الغذاء الذي يصنع الحياة. ويصون الحرية والكرامة والمواطنة .
تزخر الميادين في اليمن بالأنشطة الثقافية والندوات والمحاضرات وتصدر الميادين خصوصا في صنعاء وتعز وعدن عشرات الصحف والمنشورات والبيانات المؤكدة على سلمية الثورة واستقلالها وصولا إلى شواطئ الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة .
أبرز الفاعلين الأساسيين في مسار الثورة والعلاقة بينهم
الشباب في اليمن بالأساس هم من حمل شعلة ريزيف وفجر الثورة فطلاب جامعة صنعاء هم أول من خرج إلى ساحة التغيير. وتعرضوا للضرب والاعتقال ومن ثم الرصاص والغزاة والهراوات وتحدو غيلان الفساد والاستبداد والقتل. وفي عدن بدا الحراك الجنوبي منذ العام 2007م وكان الشباب أيضا العنوان الأبرز في الحراك، ثم جاءت الساحات لتكون هي الفاعل الأهم .
وفي تعز والحديدة وذمار وإب وحضرموت فإن الشباب هم أول من نزل إلى الميادين وكونوا ساحات تضم الملايين وكان طلاب الجامعات في الطليعة في عموم اليمن .
في مرحلة لاحقة انضمت مؤسسات المجتمع المدني من النقابات والجمعيات والمنظمات. وكان لالتحاق أحزاب اللقاء المشترك أثر كبير في نصرة الثورة .
الحقيقة أن أحزاب اللقاء المشترك في اليمن غير بعيدة عن الثورة فشبابها كان ولا يزال جزءاً من المسار العام للثورة ولكن رهان هذه الأحزاب على الحسم السياسي عبر المبادرة الخليجية والقبول بإعطاء الحصانة وأيضا فرملة اندفاع الثورة وأحيانا التصادم معها كما جرى في بعض الساحات وبالأخص في صنعاء وتعز قد مثل عائقا أمام الانتصار. ويبقى الرهان الأساس على الفعل الثوري في الميادين .
راهن صالح ونظامه على نصرة القبائل وعلى التلويح باجتياح صنعاء بالقبائل المحيطة. ولكن شباب القبائل التحقوا بالساحة في صنعاء. والتحقت أرياف المدن الأخرى بالمدن مما مثل رافدا كبيرا للثورة وفت في عضد صالح وأعوانه .
قيادات المشترك أيدت الثورة وانشق المؤتمر الشعبي العام على نفسه وانضم جزء من الحزب والدولة والجيش والأمن والسلك الدبلوماسي إلى الثورة، وأبدت الغرف التجارية في عموم اليمن الثورة ودعمتها سياسيا ومعنويا ومادياً .
المرأة عنوان كبير من عناوين شباب الثورة كانت توكل كرمان وبشرى المقطري أبرزا عناوين الثورة فاستحقت توكل بجدارة جائزة نوبل للسلام وهناك عشرات الكواكب في هذا المسار فبشرى في ساحة تعز وهي الساحة الأهم قد لعبت دورا فاعلا في الساحة والصمود وفي قيادة مسيرة الحياة إلى صنعاء. وهناك عشرات الفتيات: بلقيس اللهبي وسامية الأغبري وسامية الحداد وأروى عبده عثمان وأمل الباشا وجميلة علي رجاء ومنى صفوان وهنا السياغي وعشرات غيرهم والكلام هنا عن ساحة صنعاء فقط .
ومن الفاعلين الأساسيين المنضمون للثورة سواء قيادات المؤتمر ومحازبيه أو من قيادات الجيش والأمن وهناك دول الخليج وبالأخص السعودية. وينظر الأوروبيون والأمريكان بالأخص إلى اليمن من زاوية الموقف السعودي. وحقا فإن هشاشة الوضع اليمني وتلاشي هيبة الدولة وشرعيتها يجعل العوامل الخارجية ذات تأثير أقوى .
ترى الباحثة جيني هيل (أن دور الوساطة المباشر لقسم الشؤون السياسية) بدعم من وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة) يقتضي التمتع بصلاحيات مهمة صريحة، ولا يزال التحدي يتمثل في تصميم عملية وساطة شاملة تتجاوز الحزب الحاكم وائتلاف المعارضة التقليدي بغية التصدي لمنظمات نشطاء الشباب المستقلين واللاعبين الرئيسيين في الشبكات غير الرسمية الموسعة في اليمن. أن العمل بنجاح ضمن هذه الشبكة يتطلب فهما دقيقا للأدوار التي يلعبها الفاعلون المحليون بما فيها أدوار أصحاب الشأن الأقليميين والدوليين 21 .
وفي داخل اليمن ثمة عدة "طبقات" من الفاعلين السياسيين المحليين الذين تربطهم شبكات معقدة متداخلة من الرعاية وغيرها من العلاقات "كالزواج" فعلى مستوى النخبة هناك فئتان على الأقل وربما ثلاث أو أكثر ينبغي التمعن فيها: الرئيس صالح وعائلته والولاء علي محسن وأبناء عبدالله الأحمر ولا تزال درجة الاصطفاف أو المعارضة بين هؤلاء اللاعبين غير واضحة بعد .
وعلى المستوى الأدنى التالي، تضم الأطراف البرلمانية وكلاء مختلف فصائل النخبة فضلا عن الشخصيات السياسية المهيمنة بحد ذاتها. وبالإضافة إلى ذلك فإن مختلف وسطاء السلطة المحلية ومن بينهم الزعماء القبليون البارزون يتمتعون بدرجات متفاوتة من الولاء لفصائل النخب المتنافسة. ولهم صوت في الإطار البرلماني في بعض الحالات. إن هذه التظلمات والتوقعات دون الوطنية المحلية ينبغي أن يتعامل معها في سياق محادثات العملية الانتقالية، إذا كان الوسطاء يعتزمون المساعدة في إدارة الاتجاه الذي برز مؤخرا نحو تجزئة ا لسلطة، وإعادة تعريف العلاقات بين المركز والمحيط بحكم الأمر الواقع. إن جذور العديد في هذه المنظمات يكمن في روايات مختلف عليها متعلقة بالتاريخي والتاريخ الوطني لعب فيها فاعلون أقليميون ودوليون أدوارا معينة. 22 .
ومن الأهمية بمكان أن يتمتع أي وسيط أو وسطاء دوليين بحرية الوصول إلى أصحاب الشأن الأقليمية والدولية على أعلى المستويات بمن فيهم المسؤولون في دول الخليج والمانحون الغربيون لليمن. وتتمتع النخب الخليجية بصلات وشراكات واسعة من اللاعبين من النخبة في شبكة السلطة غير الرسمية في اليمن. كما أنها تتفاعل أكثر مع اللاعبين الرئيسيين في التسويات السياسية بين النخب المحلية على المستوى المحلي من قبل شيوخ القبائل وبسبب علاقات الرعاية العابرة للحدود والتصور الشائع على نطاق واسع في اليمن بأن المملكة العربية السعودية تعتزم التأثير على العملية الانتقالية السياسية الراهنة فثمة مطالب علنية بوجود لاعب دولي بغية إقامة توازن مع التأثيرات الأقليمية. ففي أبريل نيسان قال مسؤول يمني بصفته الشخصية "أنني أثق في الوسطاء الدوليين أكثر من ثقتي في الوسطاء المحليين. 23 .
على المستوى الدولي. ومن شبه المؤكد أنها ستنطوي على إيجاد طريقة للحصول على مقاعد لقادتها على قدم المساواة على طاولة المفاوضات 24 .
يلاحظ الباحثون أن هناك تنوعا وتعددا في الفاعلين الأساسيين. وتغيرات متسارعة فالحراك الجنوبي فاعل أساسي وأن تراجع في الأخير لتصبح الساحات أكثر فاعلية وجذبا كما أن الخلافات في صفوفه تؤثر على أدائه السياسي. ولا شك أن للمعارضة السياسية في الخارج دور مؤثر وفاعل حتى وهي منقسمة على نفسها. ولكن الدور العقلاني الذي يلعبه ناصر والعطاس هو الأبرز .
الانقسامات في صفوف الفاعلين الجنوبيين الحراك وشباب الساحات وقيادات الخارج يضعف مؤقتا مطلب القضية الجنوبية، والمتوقع تغلب الجنوبيين على هذا التفكك. وللحوثيين أثرهم الفاعل أيضاء سواء في الساحات أو في صعدة وعمران وحجة والجوف وقد يمتد تأثيرهم إلى أبعد من ذلك خصوصا إذا تمسكوا بسلمية موقفهم. ولم ينجروا للصراع مع السلفيين. وفي المسار يمكن أن يظهر فاعلون آخرون خصوصا في التيار السلفي السلمي والعقلاني .
علاقة الفاعلين ببعضهم
انضمام أحزاب اللقاء المشترك للثورة وتأييدها مثلا رافدا مهما في المجرى العام ولكنه خلق إشكالية المساومة السياسية وأيضا وهذا هو الأخطر عمل على فرملة اندفاع الثورة. والسيطرة على الساحات، وجعلها ورقة مساومة مع النظام. وفي حين كان هدف الثورة إسقاط النظام وقفت المعارضة عند تخوم.. التوافق السياسي حسب المبادرة الخليجية .
الشباب الذين نزلوا إلى الساحات إما مستقلون وهم الأغلب وإما أعضاء في أحزاب اللقاء المشترك ولكنهم قد اجترحوا المبادرة. ولم ينتظروا توجيها حزبيا. نزول المشترك وتأييده ترافق مع فرض السيطرة على الساحات وفرض لجان أمنية وتنظيمية واستفراد بالمنصة "الإعلام"، بدأ التصنيف على المرأة ومضايقة المستقلين. وتلجيم الرأي الآخر. والأخطر تشكيل ائتلافات مغلقة على طرف واحد بقص الأطراف الأخرى مما حال دون توحيد الساحة في صنعاء. ومنع أيضا أو حال دون تجسيد تعددية فكرية وثقافية وإبداعية وسياسية داخل الساحتين المهمتين. صنعاء وتعز، التشظي في الساحات مرتبط في جانب مهم بأداء أحزاب المشترك وبالأخص التجمع اليمني للإصلاح في فرض لون ورأي واحد على الجميع .
انضمام اللواء علي محسن وفرقته الأولى مدرع قداسهم في نزوع تدجين الشباب، ووقف تصعيدهم الثوري. وجعلهم مجرد أداة ضغط للمساومة السياسية. تصلب صالح وأعوانه هو ما يعيق الحل السياسي الذي يراهن عليه المشترك، والمشترك والمنضمون "المؤتمريون" جزء أساسي من الثورة، وتعدد المسارات أمر جيد، وتعاضد الحل السياسي مع التصعيد الثوري هو النهج الآمن لإطاحة نظام صالح. وهذا يتطلب الحرص على سلمية الثورة واستقلال الساحات وتوحيد إرادتها. وخلق توافق عام بين مختلف تكويناتها .
محاولات تفكيك الساحات أو إضعاف استقلاليتها أو فرض اللون الواحد عليها أو جرها إلى حلبة الصراع المسلح هو الخطر الداهم فالساحات الثائرة سلميا والمستقلة المتنوعة والمتعددة هي الضمانة الأكيدة لإعادة صياغة الدولة المدنية الديمقراطية والحديثة طموح اليمنيين في الشمال والجنوب. وفي الشرق والغرب .
وهي الوسيلة الوحيدة أيضا لحل القضية الجنوبية وفق إرادة وخيار أبناء الجنوب بدون وصاية أو هيمنة .
المراجع :
1- سليم الحص. الفساد والحكم الصالح في البلاد. مركز دراسات الوحدة العربية ص 61
2- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد في اليمن "أطرافه النافذة" المرصد اليمني لحقوق الإنسان ط/ الآفاق للطباعة والنشر ص 35 .
3- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 53 .
4- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 115
5- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 115 نقلا عن مؤسسة الشرعية الدولية وتقرير صندوق السلام الأمريكي للعامين 2005- 2006
6- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 117 عن تقرير لمؤسسة كارينجي الدولية للسلام .
7- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 134
8- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 136
9- أوراق يمانية سلسلة دراسات شهرية يصدرها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ص6
10- أوراق يمانية مصدر سبقت الإشارة إليه ص 14 .
11- د. يحيى صالح محسن خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه ص 159
12- يراجع كتاب خارطة الفساد مصدر سبقت الإشارة إليه الصحفات .
13- د. أبو بكر السقاف (الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الاشمالي وقد نشر الكتاب باسم مستعار (محمد عبدالسلام) في منتصف الثمانينات في إحدى المطابع المصرية لظروف أمنية حينها يراجع ص 14 .
14- د. أبو بكر السقاف الجمهورية بين السلطة والقبيلة مصدر سبقت الإشارة إليه ص 14
15- جيني هيل (إدارة التحول) دور الأمم المتحدة في العملية الانتقالية السياسية في اليمن مدارات دورية يصدرها مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية. وجيني باحثة من المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية العددان: 10، 11، ص12
16- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 12
17- جيني هيل (إدارة التحول مصدر سبقت الإشارة إليه نقلا عن "مطالب ثورة الشباب" أبريل نيسان 2011 على الرابط
18- جيني هيل (إدارة التحول مصدر سبقت الإشارة إليه ص 12
19- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 12، 13 .
20- فيصل دراج "الثورات العربية وصور المثقف" المستقبل العربي تشرين الثاني نوفمبر 11/2011م عدد 393 .
21- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 15
22- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 15 .
23- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 15
24- جيني هيل (إدارة التحول) مصدر سبقت الإشارة إليه ص 16


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.