تحدث داروين قبل حوالي قرن من الزمن بعبارته الشهيرة "البقاء للأصلح " احتار العلماء والمفسرون فيما يقصد من الأصلح .. هل بمعنى الأقدر على التلاؤم وفق الظرف المحيط ، أم هو صلاح وصحة البدن ؟؟ وعند ترجمة هذا العبارة وفق المسار التاريخي وجِد أن الأصلح تعني الأخبث .. الأقدر على استغلال الظروف الطارئة للسيطرة على نحو أوسع مسخراً الأخرين لخدمة أهدافه من هنا عرف أصحاب الأهداف - السياسية - أن أكثرية الناس تميل إلي الشر أكثر من ميلها إلى الخير ذلك لأن الشر يسير وسهل على النفس ، فإن الوسيلة المثلى للحصول على أطيب النتائج في الحكم هي استعمال العنف والإرهاب ، وليس استعمال المناقشات العلمية والفكرية الهادئة .. فالقانون ليس إلا القوة المقنعة . ورغبة منهم للوصول إلى الهدف برروا استعمال أية وسيلة كانت ، مقتنعين بأن الحاكم الذي يحكم بموجب القواعد الخُلقية ليس بالسياسي الماهر في المناورات ؛ لأنه يلتزم بالحق والشرائع ولا يقبل بالكذب على الجماهير ، هكذا يكون وضعه ضعيفاً ومعرضاً للزلات والهزات .. إذ يجب على الذي يرغب في الحكم أن يلجأ إلى الدسائس والخداع والتلفيق لأن الأخلاق الإجتماعية الكبرى كالصدق والإستقامة ما هي إلا عيوب كبرى في السياسة ! فاستخدموا التبشير بالحرية السياسية غطاءاً لما يقومون به مؤمنين إيماناً مطلقاً في ذواتهم بأن الحرية السياسية ليست إلّا فكرة مجردة ولم ولن تكون حقيقة واقعة فكل ما يقتضيه الوصول إلى السلطان السياسي هو التبشير بالتحرر السياسي بين الجماهير ، حتى إذا آمنت هذه الجماهير بتلك الفكرة المجردة أساساً، قبلت التنازل عن بعض امتيازتها وحقوقها دفاعاً عن تلك الفكرة ..
من ثمَّ يتم الإستيلاء على تلك الأمتيازات والحقوق . وكما أن سلطة المال قد تمكنت من انتزاع مقاليد الحكم من الحكام الأحرار وكان قبل ذلك الدين هو المسيطر على المجتمع ذات يوم .. فقد استعيض عن الدين بالحرية وتحرير القرار السياسي ، عندها أضحى الناس لا يعرفون استخدام هذه الحرية باعتدال ..مما مكّن الأخبث من استعمال فكرة الحرية لإثارة النزاعات الطبقية والطائفية داخل المجتمع الواحد.
وهذا ما هو حال في هذا المربع البشري .. طغيان التصرف الأرعن الذي يظن أصحابه أنه الأرقى والأذكى والأضمن للبقاء حتى تنبلج وتظهر شخصية الطاغية الذي يتركز فيه حس الخلود ، فيرى كل مختلف مخالف فيعمد إلى العنف والإرهاب . كل فئة تقدم حلاً تؤمن بصحته ، إلّا أن الخبث لا يزال موجوداً فيما يجب ألَّا يوجد فيه !!