السياسة فن الممكن حقيقة مسلمة لا جدال فيها في معظم الامور المتصلة بشؤون الحكم والقيادة والسيطرة وقد استطاع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الاستفادة من هذه الحكمة وترجمتها على ارض الواقع فرغم الاطاحة به وباركان نظامه عقب هبوب رياح ثورات التغيير التي عصفت ببعض الانظمة العربية منذ العام 2011م وامتدت لتنال منه ومن نظامه الا ان انهيار نظامه قد امتاز عن بقية الانظمة المنهارة بخصوصية فريدة مكنته من الخروج من ذلك المأزق باقل اقل الخسائر ان لم تكن مكاسب لصالحه بحسب راي كثير من المؤرخين والمحللين للواقع اليمني خلال هذه المرحلة الاستراتيجية والحساسة ومؤامرات وما انفكت تمر به البلد من متغيرات وتحولات سوف تلغي بظلالها على مستقبل اليمن. لقد استطاع الرئيس المخلوع صالح خلال فترة حكمه من صناعة عدة اوجه ليتغمصها وقت الحاجة يستطيع من خلالها اثبات وجوده على الارض وفرض نفسه على الواقع السياسي لليمن وخلط الاوراق وصنع الازمات ومن تلك الاوجه التي تغمصها وجه تأزر عباءة مشروع بسط النفوذ الايراني التوسعي وادواته المتمثلة بمن يسمون بأنصار الله الحوثيين ذاك المشروع كان احدى الاوراق الهامة التي عكف الرئيس صالح ابان حكمه على استخدامها كورقة ضغط لابتزاز دول الخليج العربي وارغامها على دعمه سياسيا واقتصاديا وعسكريا وايهام دول المنطقة والعالم بانه الرادع والمتصدي لمشروع التمدد الشيعي الايراني والذي هو في حقيقة الامر ( أي صالح ) الداعم الاستراتيجي لذاك المشروع في حين ان السادة الحوثيين ليسوا سوى ادوات بيد صالح والمشروع الايراني. وحقيقة التاريخ ان صالح لم يكن يوما من الايام عدوا للحوثيين ولم يعمل على قتالهم بل على العكس فالحروب الستة التي خاضها نظام صالح ضد الحوثيين كانت بمثابة الوسيلة الانجح لدعمهم من خلال اسقاط كثير من المعسكرات والاسلحة والعتاد بايديهم فكلنا يعلم ان حرب الحوثيين بدايتها كانت فقط في منطقة جبلية صغيرة تدعى جبل مران وكان عددهم لايتعدى بضع مئات من المناصرين والمحاربين الا ان سياسة الرئيس صالح عملت على استثمارهم والاستفادة منهم وتسخيرهم واستخدامهم كورقة ضغط على الدول المجاورة وخاصة المملكة العربية السعودية لذلك فحقيقة الامر ان صالح عمل خلال فترة حكمه على تقديم الدعم للحوثيين من خلال حروبه المزعومة ضدهم حتى صاروا اليوم يمتلكون من القوة والكثرة ما مكنهم من بسط سيطرتهم على مساحات جغرافية شاسعة واعداد مناصريهم صارت عشرات الالاف وربما اكثر. ليس هذا فحسب فبالإضافة الى استخدام صالح للورقة الحوثية في اللعبة السياسية في البلد والمنطقة العربية واستثمارها لتحقيق ماربه في البقاء في موضع الرجل الاول والاقوى في اليمن فقد ظل خلال فترة حكمه يستخدم الحوثيين كاداة يعمل من خلالها على ابتزاز الدول المانحة ونهب الاموال التي يمنحوها للبلد فواقع الحال انه كلما استلم مبالغ مالية من تلك الدول لغرض دعم البنية التحتية وعمل المشاريع والخدمات وتحسين الحياة المعيشية للمواطن اليمني يعمل على نهب تلك الاموال ويقوم بعدها باختلاق الحرب مع الحوثيين ليوهم العالم ان تلك الاموال الممنوحة قد انفقت ونفذت كمشاريع خدمية الا ان الحرب قد دمرتها. ان عهد حكم الرئيس اليمني علي صالح مليء بوقائع ومشاهد كثيرة لمشاريع عمل على صناعتها واستخدامها كأدوات سياسية فاعلة استطاع من خلالها فرض نفسه على الواقع اليمني ليس فقط مشروع الحوثنة والتشيع فقد استخدم قبل ذلك عدة اوراق منها الورقة الاخوانية التي استطاع بواسطتها من القضاء على الشريك التاريخي له في صناعة مشروع الوحدة بين الجنوب والشمال وهم الاشتراكيين الجنوبيين وقد اثبتت الورقة الاخوانية قوة فاعليتها واستطاع من خلالها هزيمة خصومه الاشتراكيين الذين تراجعوا عن مشروع الوحدة بعد ان شعروا بعظمة الخطا والفخ السياسي الذي وقعوا فيه وابعادهم عن المشهد السياسي لليمن بصورة عامة. ومن اخطر الاوراق والمشاريع التي عمد الرئيس صالح على صناعتها ودعمها واستثمارها لابتزاز دول العالم والمنطقة ورقة الارهاب فقد عكف صالح خلال فترة حكمه على دعم ارهابيي تنظيم القاعدة او من يسمون بالجهاديين فقد قام بتجنيدهم خلال الحرب مع الانفصاليين الجنوبيين وعمل على تنصيبهم في مواقع امنية عليا وعمل على تسهيل مهامهم وعدم ملاحقتهم امنيا وكذا تهريب سجنائهم من السجون بطرق وقصص خرافية وتمكينهم من الاستيلاء على معسكرات وبنوك ومؤسسات عامة والسيطرة على مساحات جغرافية شاسعة ليوهم العالم بانه يواجه خطر الارهاب في منطقة قريبة من اكبر مخزون للنفط في العالم وكذلك موقع اليمن الاستراتيجي المطل على طرق التجارة العالمية في خليج عدن وباب المندب وبالتالي يطالب العالم بتقديم الدعم المالي والعسكري . غير ان الواقع اثبت انه كلما زاد حجم الدعم المقدم لمكافحة الارهاب خلال فترة حكم صالح زاد خطر الارهاب وتوسعت رقعته واشتدت قوته وهذا بحسب شهادات مسؤولين اميركيين بذلك. فعلا لقد استطاع الرئيس صالح ان يصنع لنفسه ثقلا كبيرا في الواقع اليمني ومقدرة على فرض نفسه كرجل اليمن الاول والاقوى واللاعب الاخطر الذي يحسب له خصومه والعالم الف حساب حتى وهو خارج القصر الرئاسي فقد استطاع ان يكيف الواقع اليمني بمناخ يلائمه هو كي يتخلص من خصومه السياسيين على مدى سنوات حكمه وان يصنع لنفسه شخوص ووجوه يتغمصها ويحكم من خلالها وما نراه هذه الايام من سقوط مدوي لمحافظات ومؤسسات ومعسكرات بيد الحوثيين دونما مقاومة تذكر انما هي نتاج خطط مسبقة اعدها صالح وتنسيق مع قوى وادوات ومناصرين له في البلد تم الاتفاق معها لتسليم كامل مؤسسات البلد بيد انصار الله الحوثيين حلفاء الساعة والذي سهل لهم الامر ليتخلص بواسطتهم من الد خصومه ولينفذ سياساته ومراوغاته ويبقى هو على راس هرم القوة والنفوذ في البلد وهذا يثبت دون شك ان صالح رجل سياسي من الدرجة الاولى وان الحوثيين ليسوا سوى اداة وورقة بيده سيستهلكها ثم يرمي بها كحال سابقاتها. صالح الذي حكم اليمن لثلاثة عقود ونيف من الزمن كان خلال تلك الحقبة الولد المطيع للدول ذات السطوة والنفوذ في المنطقة والعالم خاصة الجارة السعودية وحليفتها الاستراتيجية صاحبة النفوذ والهيمنة الاكبر في العالم وهي الولاياتالمتحدة الاميركية قدم لهم خلال فترة حكمه التنازلات تلو التنازلات ليكسب رضاهم وكان اكبرها التوقيع على معاهدة ترسيم الحدود مع الجارة السعودية وقبوله التخلي عن مناطق جيزان ونجران وعسير التي كانت ضمن امارة الادارسة وهي اراض يمنية وكذا تخليه عن مساحات جغرافية شاسعة كانت تحت سيطرة دولة جنوباليمن او ما كان يعرف باليمن الديمقراطي لتضم كل تلك المساحات الى املاك دولة ال سعود وقبوله استباحة المياه الاقليمية اليمنية في خليج عدن وباب المندب والبحر الاحمر من قبل الاساطيل والبوارج الامريكية ووضع اليمن ضمن مناطق النفوذ الامريكي رأى بعد خروجه من الحكم ان كل تلك التنازلات لم تشفع له ابان ثورة التغيير التي اطاحت به فلجا الى سياسة من نوع اخر ترتكز على قاعدة علي وعلى اعدائي. من الملاحظ ان صالح قرر الانتقام من تلك القوى فتحالفه هو وحزبه مع انصار الله الحوثيين ودعمهم وتسهيلهم السيطرة على العاصمة صنعاء وتسليمهم لاهم واكبر المؤسسات في البلد يؤكد الانقلاب التام في سياسة صالح وحزبه ما يدل على تحالفه مع ايران التي تسعى لسحب البساط عن الخصم السعودي وجعل اليمن منطقة نفوذ ايراني لما لموقع اليمن الجغرافي من اهمية استراتيجية تستطيع من خلاله السيطرة على اهم طرق التجارة الدولية في البحر الاحمر وباب المندب وخليج عدن ما يدل على ان صالح يطمح للعودة للسلطة عبر البوابة الايرانية الاخذة في التوسع والانتشار متغمصا العباءة الحوثية وهذا ما يؤكد على ان صالح هو الرقم الاصعب في اليمن وان لديه الكثير من الوجوه والشخصيات مفصلة وجاهزة ليلبسها ويتغمصها وان لديه الكثير من الادوات والاوراق يستطيع من خلالها حكم البلد وفرض نفسه على الواقع اليمني رغم انف المنطقة والعالم .