أجرت صحيفة "إيلاف" الخليجية مقابلة مع واحد من أبزر المحللين السياسيين في مصر، وهو الدكتور معتز سلامة، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتجية، تناولت كثيرا من القضايا العربية والاسلامية الشائكة. وتنشر المقابلة مع سلامة على جزأين، وقال في الجزء الأول إن مخططات إعادة رسم المنطقة على أسس طائفية لن تنجح، مشيراً إلى أن سيطرة الحوثيين على اليمن يزيد من أعباء إيران، بعد عبء العراقوسوريا وحزب الله.
ولفت إلى أن الإستيرتيجية السعودية تعمل على "إفراغ الساحة للحوثيين ليتورطوا في الحكم، وليسقطوا في النهاية كما سقط الإخوان في مصر".
وفي ما يلي نص الجزء الأول من الحوار:
كيف ترى سيطرة الحوثيين على صنعاء؟ وما تأثيراته على مستقبل اليمن وهل يمكن أن يؤثر ذلك على خريطة المنطقة؟
سيطرة الحوثيين ستشكل بداية لموجة جديدة من عدم الاستقرار الداخلي في اليمن، حيث من المؤكد أن الدولة اليمنية لن تخضع لحكم الحوثيين، وسوف تبدأ الاضطرابات ومظاهر العنف في الانتشار من قبل مجموعات مختلفة. والحوثيون لم يكن لهم الانتشار على هذا النحو لولا توافقهم مع قوى داخلية توافقت مصالحها مع مصالحهم لفترة مؤقتة، ولولا قرار النظام بعدم الدخول في حرب أهلية وتوجيه الجيش والداخلية بالتراجع أمام الحوثيين، وهو تراجع يتمتع بقدر من الحكمة الوطنية اليمنية بهدف تفويت الفرصة على الدخول في مواجهة وحرب أهلية، وإن افتقد الحكمة السياسية لأنه على المدى البعيد سوف تبقى الدولة اليمنية رهينة لأي من قواها الداخلية لتكرار نفس السيناريو والاستيلاء على العاصمة، وفي النهاية فإنه إذا تيقنت الأطراف اليمنية من أن الحوثيين يسعون إلى الحكم والسيطرة على البلاد سوف تتفجر كل أشكال الاضطراب والعنف في الداخل.
هل تؤدي سيطرة الحوثيين على اليمن إلى تقسيمه إلى دولتين أو أكثر، وتفتيت دول المنطقة على أساس طائفي أو عرقي؟
فيما يتعلق بمستقبل خريطة المنطقة، فعلى الرغم من تنامي أشكال ومظاهر الاعتراض من جانب المكونات الداخلية الرافضة للانضواء في الصيغ الوطنية القائمة في دول عربية عديدة، إلا أنه ليس هناك أكثر ملاءمة من الخريطة الحالية للدول الراهنة رغم عيوبها، وقد تدخل أطراف الصراعات في نزاعات شديدة على مدى سنوات مقبلة، ولكنها سوف تنتهي إما إلى تصحيح معادلات الحكم والتوازن الداخلي، أو إلى بعض توجهات انفصالية ونشأة دويلات هزلية لا تستطيع الصمود أمام المتغيرات أو توفير الحياة لذاتها؛ فعلى المدى البعيد ليس ثمة أفضل من خريطة الدول والكيانات الراهنة. ولو جرى فتح ملف الدول والكيانات القائمة فسوف تنتهي الدولة بالمعنى المتعارف عليه في المنطقة.
ومن ناحية الطائفية فليس بالإمكان إعادة رسم الدول الجديدة على أسس طائفية، لأنه ليس هناك على سبيل المثال إمكانية جغرافية لإنشاء كيانات تجمع بين السكان الشيعة المقيمين في أكثر من دولة في الجزيرة العربية في دولة واحدة مع الحوثيين المقيمين في اليمن.
لماذا نجح النفوذ الإيراني في اليمن وفشل النفوذ السعودي في وضع حد لتدهور الأوضاع هناك؟ خاصة أن المملكة رعت الإتفاق الذي تم بموجبه رحيل الرئيس السابق عبد الله صالح عن السلطة؟
لا يمكن اعتبار ما تحقق في اليمن حتى الآن بأنه نجاح لإيران وهزيمة للمملكة السعودية، فالأوراق مختلطة، وهناك من يرجح أن السياسة السعودية تعمل - في حركة ذكية هادفة - إلى إفراغ الساحة للحوثيين كاستراتيجية سعودية ليتورط الحوثيين في الحكم في اليمن، وليسقطوا في النهاية كما سقط الإخوان في مصر.
ولقد شكل اليمن على مدار السنوات الثلاثة الماضية عبئا على السعودية ودول الخليج التي حاولت بكل السبل إنجاح التجربة اليمنية ودفع الثورة إلى الاستقرار، وبسيطرة الحوثيين ينتقل عبء اليمن إلى إيران وتكون دول الخليج في حل من أمرها إزاء دعم اليمن اقتصاديا، بينما يكون على إيران إضافة عبء آخر على أعبائها الإقليمية علاوة على أعبائها في سورياوالعراق ومع حزب الله.
وبشكل عام، فإن قوى الاستقرار في أي دولة تكون ضعيفة أمام قوى الاضطراب، فمن بيده السلطة دائما يكتوي بالنار التي يمكن أن تفرضها عليه أية قوة متمردة، والحكم يمثل عبئا وثقلا لمن يحكم وليس ميزة على نحو ما يرى الهواة، وسوف تتضح أخطاء السلوك الإيراني وأخطاء الحوثيين إذا قبضوا على زمام السلطة، لأنهم لن يتمكنوا من فرض هيمنتهم على كامل مناطق الدولة أو بناء دولة قابلة للحياة وسط إقليمي رافض لهم، ولا تزال الفترة الراهنة فترة اختبار وجس نبض، ولا نعرف هل يتجه الحوثيون للحكم أم أنهم يودون فقط تصحيح أوضاعهم ومظالمهم، فحكم اليمن ليس مغنما وإنما ورطة.
هل نجحت إيران الشيعية في حصار الدول السنية، لاسيما السعودية ودول الخليج؟
يمكن لإيران أن تستمر في خلق مشكلات داخلية ونزاعات طائفية في عدد من الدول العربية، وذلك يعود إلى سياستها التي تسعى إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتقدم نفسها على أنها الزعيم الروحي للشيعة والمدافع عنهم، مما يخلق تقاطعات سياسية مع دول أخرى قائمة.
وسيبقى نفوذ إيران مقتصرا على ذلك بالأساس، لكنها لن تقدر في أي وقت على فرض حصار على الدول السنية، أو على السعودية ودول الخليج، لأن قدرات هذه الدول العسكرية تفوق قدرات إيران، كما أن لهذه الدول ارتباطات وتحالفات دولية وإقليمية تضمن لها المساعدة السياسية والعسكرية واللوجستية التي تمكنها من إقناع إيران بالعدول عن أي تفكير أو محاولة للعدوان عليها، وتجربة العدوان العراقي على الكويت ستظل ماثلة في العقل الإيراني.
الحلم الفارسي
بإعتقادك، هل تراود إيران أحلام لإعادة بناء إمبراطورية فارسية على أنقاض جيرانها العرب؟
لا أظن أن صانع القرار الإيراني أو جهاز صنع السياسة في إيران لديه هذه القراءة السياسية لإقامة إمبراطورية فارسية، فالواقع السياسي في العالم لم يعد يعيش عصر الامبراطوريات، كما أن الدول القائمة -على صغر حجمها السياسي- لا تستطيع التعامل مع مكوناتها الداخلية التي تتمرد عليها وتسعى للانسلاخ عنها، فكيف تسعى لتحميل نفسها بأعباء إضافية بشأن بناء الامبراطورية.
إن أي دولة سوف تسعى لذلك في العصر الراهن ستهدد ما بقى من حجمها الأصغر الحالي المتوارث من العهد الامبراطوري.
والأرجح أن إيران وباقي الدول التي تتبنى نهج الراديكالية تسعى فقط لرفع الحصار عنها ومراكمة حجم المؤيدين الإقليميين لها لاستعمالهم كأوراق ضغط في صراعها مع القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتطويقها، ومن ثم تحركات إيران ليست توجهات امبراطورية بقدر ما هي تحركات مستمرة لتفادي الضغوط على كيان الدولة المتبقي من العهد الامبراطوري.
باب المندب
بعد سيطرة الحوثيين على اليمن، يتخوف البعض من السيطرة على مضيق باب المندب، بما يشكل تهديداً للأمن القومي المصري، هل تتوقع أن يتدخل الرئيس السيسي في اليمن عسكرياً كما فعل الراحل عبد الناصر؟
مصر من أكثر الدول التي لديها خبرة في التدخل العسكري عملت على الاستفادة منها جيدا، وكانت خبرة التدخل في اليمن سيئة، ومن المؤكد أن مصر لا تفكر مطلقا في التدخل العسكري في اليمن على غرار الخبرة في عهد عبد الناصر، تحت أي صورة من الصور، وكانت هناك حالات تغري مصر بالتدخل في دول أخرى ولم تفعل، فما بالنا بحالة اليمن التي لا تقدم أي إغراء لأي قوة متعقلة.
وبخصوص إمكان سيطرة الحوثيين على باب المندب، فذلك من المرجح أنه ضمن أهدافهم الأساسية حتى يمتلكوا أصولا إضافية يمكنهم بها تعظيم مكاسبهم وطرح أنفسهم كطرف في المعادلة الداخلية والإقليمية والدولية، ويمكن لهم أن يتجهوا من الحديدة أكثر إلى الجنوب وفرض نوع من السيطرة على باب المندب.
ويشير تتبع خريطة تحرك الحوثيين العسكري خلال الأيام الماضية إلى ذلك، وأنهم يتجهون إلى ساحل البحر الأحمر، ويودون تعظيم أصولهم ووجودهم فيه، وربما تاليا الاستيلاء على باب المندب، لكن تبقى الشكوك في قدرتهم على ذلك قائمة، في ظل وجود قوى الحراك الجنوبي المطالبين بعودة دولة الجنوب، وأيضا تنظيم أنصار الشريعة والقاعدة، وأيضا في ظل ترقب دولي وإقليمي شديد الانتباه لخطوة من هذا القبيل، من شأنها أن تهدد التجارة العالمية.
وربما يتمكن الحوثيون من تحقيق موطئ قدم على باب المندب، لكنهم قد لا يجرؤوا على تهديد التجارة العالمية به، وبشكل عام ففي ظل أي تهديد حوثي على الملاحة الدولية فإنه من المرجح أن ينشأ تحالف دولي إقليمي يقضي على وجودهم فيه بكل الأشكال العسكرية الممكنة، وستكون مصر والسعودية الدولتان الإقليميتان ذواتا الأولوية الأولى في ذلك، لأن من شأن تهديد باب المندب تعطيل حركة الملاحة كليا بقناة السويس وإنهاء المشروع المصري الجديد للقناة الثانية قبل أن يبدأ.