وجدت التفكير يعصرني مرات ومرات كثيرة ويصرعني كثيرا لأنزوي بذاتي أتفحص تلك الأفكار التي يكتظ بها ذهني وتحتم بين ثناياه, وأتساءل في استغراب وتعجب وذهول عن حال البعض وممن ظننت فيهم (خيرا) وتوسمت فيهم أملا بغد أفضل وصباحات مشرقة تحمل الأمل والسعادة والصدق والوفاء, وكيف أنهم (انسلخوا) من كل شيء, وتنكروا لكل شيء وباتت أخلاقهم في (مهب) أطماعهم ورغباتهم ونزواتهم, لايخافون الله ولايراعون (إلاً ) ولا ذمة.. جل همهم بلوغ المرام والوصول للغاية والهدف وتحقيق الأمنيات بأي طريقة وبأي شكل, غير مكترثين ولا مبالين بالمضامين والمبادئ, فهمهم الأول ومبتغاهم أن يصلوا لحلمهم (المنشود) وهدفهم المأمول الذي لا يتعدى (ريالات) بائسة هزيلة أو ربما (شهرة) هشة تتلاشى مع الأيام والساعات حينما تتكشف حقيقتها وتتضح معالمهم ومدلولاتها..
لم أكون أتوقع أن (ينحل) هؤلاء من مبادئ وأخلاق وأعراف (صاحبة) الجلالة التي تعلمنا في بلاطها ولا زلنا نتعلم أن الصدق والأمانة والضمير ومخافة الله هي من توصل الإنسان لأعلى المراتب وأسمى الغايات وأغلى الأشياء, وان مادونها (زائلا) وهالك لن يصمد أمام( الإغراءات) والمال إن لم يحمل صاحبه بين (جنبيه) مبداء وهدفا وغاية لا تستند على جمع المال أو جني الثروات أو كسب الشهرة, وإنما تستند على الوقوف بجانب الحق وإحقاقه والتصدي للباطل وإبطاله مهما كان مناصروه أو مؤيدوه طالما وهو باطل دون أن يخشى في الحق لومة لائم أو يهتز من أي شيء..
تجار الأقلام أو من (يدعون) الصحافة كزبد البحر لا ينفع منه الناس ويتلاشى بمجرد أن (تسطع) شمس الحقيقة وتتربع كبد السماء, لسبب بسيط أنهم ما دخلوا مضمار صاحبة الجلالة إلا لهداف وغاياته (مادية) بحتة بعيدة كل البعد عن أخلاق وعرف ومبادئ الصحافة التي تهدف في المقام الأول والأخير إلى أن تكون لسان حال المكلومين والمظلومين والبسطاء والمعدمين وممن أتت عليهم سياسة الإقصاء والفساد والمحسوبية والهمجية والتبعية, ونزلت بساحة الرزايا والمنايا والبلايا, فتنصرهم وتساندهم وتسبر أغوار معاناتهم وتنقب بين ثناياهم لتجتث بؤسهم وأحزانهم وشقائهم, وتخفف شيء من ذلك الذي حل بهم..
بعكس (تجار) الأقلام الذين يدعون الصحافة والصحافة منهم براء ولا تتشرف أو تفتخر أن يسير على بلاطها أناس يتاجرون بمعاناة الناس ويسترزقون من أوجاعهم ويجنون الثروات والأموال من مصائب ونكبات البسطاء.. ولا تفتخر أن يكون بين (ظهرانيها) من يبجلون الفاسدين ويعظمون المخربين ويخطّون لكل من أشترى مبادئهم وضمائرهم وأخلاقهم كلمات ليست كالكلمات, وإنما هي محض أفتراء وزيف وتضليل وكذب ونفاق ومتاجرة من أجل مآرب شخصية وذاتية (مقته)..
من يدعون الصحافة أو تجار الأقلام اكتظت بهم الساحة اليوم وبات الواحد منهم يتصيد الأخطأ ويتحين الفرص ويستقل المواقف فيكيل من الكذب والزيف وتسويف الحقائق, بل ويبيع كل شيء من أجل لاشيء,والأدهى والأمر انه ربما يتنازل عن كل شيء مقابل (فتات) وحفنات من المال,فالمال ولا شيء غير المال هو الحلم والغاية, وكذلك الكيد والكيد المضاد ونزعة العداء هي المسلك الذي يسلكه ويسعى لتحقيقه ضاربا بكل أعراف ومبادئ صاحبة الجلالة (عرض) الحائط, متبعا هواه وأطماعه..