الترب يهنئ القيادة الثورية والسياسية بعيد 26 سبتمبر    بذكرى ثورة سبتمبر.. مليشيا الحوثي توسع حملة الاختطافات في إب    المسار الثوري الفلسطيني يشيد بالعملية اليمنية في قلب أم الرشراش    تحذيرات من هجوم إسرائيلي وشيك على أسطول الصمود    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب فنزويلا    نادي 22 مايو يكرم الشاب محمد وهيب نعمان    قرعة صعبة لآرسنال وليفربول في ثمن نهائي الرابطة    بن بريك وعفرار يبحثان تداعيات تدهور الخدمات وتفشي الفساد    عاجل.. الرئيس الزُبيدي في مجلس الأمن: يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي عاملاً مساعداً لضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها    الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ترد على تقرير هيومن رايتس ووتش    عمران.. اعتقال شيخ قبلي وشاب في خمر    اشتراكي تعز يدعو لمواصلة الاحتجاجات حتى تسليم كافة المتهمين باغتيال المشهري    أسرة عارف قطران تكشف عن وضعه الصحي الحرج وتناشد بالكشف عن مصيره    سريع يعلن عن عملية نوعية جنوب فلسطين المحتلة    زيارة الرئيس الزبيدي إلى الأمم المتحدة تحمل بُعدين متناقضين    نتنياهو يتوعد الحوثيين برد "قاسٍ ومؤلم" بعد سقوط مسيرة في إيلات    وثائقي "الملف الأسود" .. يكشف عن نهب ممنهج لنفط اليمن    الإمارات تفوز على اليمن في كأس الخليج للناشئين    350 كشاف يشاركون غدا ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بميدان التحرير    مسيرة قادمة من اليمن تستهدف ايلات والاعلام الاسرائيلي يتحدث عن إصابات    مقتل المتهم باغتيال افتهان المشهري.. مسمار جديد في نعش إخوان اليمن    إنشاء مركز ثقافي يمني في نيويورك بالولايات المتحدة    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    اجتماع للجنة الفنية المشتركة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة بصنعاء    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    محافظة مأرب تحتفي بأعياد الثورة بمسيرة شبابية وكشفية بالموسيقى العسكرية    وزير النقل يرأس وفد بلادنا المشارك بأعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران بكندا    الميناء العدني يشارك في البطولة العربية لكرة السلة بدبي بجهود ذاتية    انتقالي زنجبار ينظم ورشة عمل بعنوان "المعالجات والحلول لمكافحة المخدرات والحد من ظاهرة حمل السلاح.    محافظ شبوة يطلق برنامج تشجيع زراعة القمح في 8 مديريات    جريمة قتل اخرى بتعز ضحيتها امرأة والجاني يلوذ بالفرار    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    حملة لإتلاف المياه المعبأة مجهولة المصدر في المنصورة    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس إعلامية الإصلاح يعزي الكاتب الصحفي حسين الصوفي في وفاة والده    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    بلباو وإسبانيول يكتفيان بالتعادل أمام جيرونا وفالنسيا    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوروبا بين الخوف والأمل
نشر في عدن الغد يوم 09 - 01 - 2015

كانت مدينة دريسدن الواقعة شرق ألمانيا في كل يوم اثنين خلال الشهور ال6 الماضية محل تجمعات ترفع شعار «احفظوا أوروبا من الأسلمة». والجماعة التي تولت تنظيم تلك الممارسات تُطلق على نفسها اسم «الوطنيون الأوروبيون»، وتستخدم اسم (PEGIDA - بيغيدا) اختصارا، وتمكنت من تكوين 18 فرعا لها في مدن ألمانية أخرى.
دريسدن من المدن التاريخية وتتمتع بسجل ثقافي حافل وفني متميز. وهي أيضا مدينة مأساوية، حيث تحولت إلى أنقاض إثر القصف البريطاني الأميركي خلال المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ثم عمل الجيش السوفياتي على نهبها، ثم قبعت وراء الستار الحديدي لتكون جزءا من ألمانيا الشرقية الشيوعية.
حينما زرنا مدينة دريسدن لأول مرة في عام 1974، كانت المدينة لا تزال تعلن عن جراحها التاريخية في شكل توابيت متفحمة من المباني التاريخية، بما فيها الكنائس، والتي تُركت كعلامة بائسة على الماضي البغيض. ولكن، وفي ذلك الوقت، كانت المدينة تستعيد ما يكفيها من الجرأة والشجاعة لتغذية المعارضة ضد الإمبراطورية السوفياتية. فلقد كانت من المواضع القليلة للغاية في ألمانيا الشرقية التي تجرأت على التواصل مع الزائرين الأجانب، وبمزيد من الأهمية، إشعار المراسلين الأجانب بلمحات عن مشاعرهم الحقيقية. وبالتالي، لم تكن مفاجأة كبيرة أنه، منذ حقبة الثمانينات فصاعدا، قادت مدينة دريسدن ثورة شعبية متنامية ضد نظام الحكم الشيوعي. وبحلول منتصف الثمانينات كانت دريسدن موطن المظاهرات الأسبوعية الداعية إلى إسقاط حائط برلين. وأحد الشعارات الرئيسية في تلك المظاهرات كان «امنحوا الناس حرياتهم!».
وبدأت حركة (بيغيدا) مظاهراتها انطلاقا من تلك التجمعات الأسبوعية التي اعتادتها المدينة في الماضي.
هناك، برغم ذلك، عدد من الاختلافات الجوهرية بين الماضي والحاضر. وفي واقع الأمر، إذا ما أراد أحدنا أن يكون قاسيا في حكمه على حركة (بيغيدا) فإنه قد يشير إلى أن التجمعات الأسبوعية ليست إلا رسوما كاريكاتيرية لتلك المظاهرات التاريخية المناهضة للشيوعية في الماضي.
وأول تلك التباينات هو أن مظاهرات «امنحوا الناس حرياتهم!» كانت تهدف إلى إسقاط الجدار الفاصل بين شطري ألمانيا، بينما تدعو تجمعات (بيغيدا) إلى تشييد جدار جديد، وإن كان جدارا قانونيا وسياسيا. وطالبت المظاهرات القديمة بحرية انتقال وتحرك الناس أينما شاءوا. بينما تطالب التجمعات الجديدة بعدم السماح لفئة معينة من الناس بالذهاب إلى حيث يمكنهم الذهاب حتى لو كانوا يفرون من نظم حكم قاتلة مثل نظام بشار الأسد في سوريا.
والفرق الثاني يكمن في أن المظاهرات القديمة تحدت خصما يسهل تحديده والتعرف عليه بناء على أسس آيديولوجية وتنظيمية. فلقد كانت الإمبراطورية السوفياتية واقعا ملموسا، وكانت كتلة واحدة متفردة بهياكلها الآيديولوجية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية، ولديها مصطلحاتها العابرة للحدود من جبال الألب الأوروبية وحتى الشرق الأقصى.
أما الإسلام، وهو هدف حركة (بيغيدا)، برغم كل شيء، فليس كتلة سياسية منفردة ولا هو آيديولوجيا ذات مصطلحات أو إمبراطورية مترامية الأطراف. ولا يمتلك الإسلام دبابات تجوب شوارع دريسدن أو أي مدينة ألمانية أخرى لذلك الغرض. ومن المثير للسخرية، أن مدينة دريسدن، من بين كافة المدن الألمانية، بها واحدة من أدنى النسب المئوية للسكان المسلمين ومن المهاجرين بصورة عامة.
أما الفرق الثالث، وربما أكثر الفروق أهمية، فهو أن المظاهرات القديمة كانت مستوحاة من الأمل وموجهة ناحية المستقبل بينما تخرج تجمعات اليوم من رحم الخوف مع وعود بالعودة إلى ماض لم يكن له سابق وجود.
وأخيرا، تلقت المظاهرات التاريخية المناهضة للشيوعية دعما كبيرا من كلا شطري ألمانيا المنقسمين حينها ومن خارجها كذلك، وبالتالي انطلقت في تيار واحد. أما التجمعات الجديدة، برغم ذلك، شطرت ألمانيا نصفين إثر المسيرات المناهضة لحركة (بيغيدا) والتي نُظمت في أكثر من 10 مدن ألمانية، وعلى نطاق أوسع في بعض حالاتها.
الأسوأ مما تقدم، من زاوية زعماء (بيغيدا) أنفسهم، أن موقفهم المناهض للإسلام، في حقيقة الأمر، يحول دون مناقشة قضية الهجرة بصورة مناسبة، وهي من القضايا المهمة في عامة أوروبا، ناهيكم عن موقف الإسلام كآخر الأديان ذات الجماهير العريضة في القارة القديمة. كان يسيرا على النخبة السياسية الأوروبية الصحيحة أن تسم حركة (بيغيدا) بالحركة النازية الجديدة ومقارنة حملتهم بتلك التي أطلقها هتلر ضد اليهود. ولغلق الباب أمام أي مناقشة في ألمانيا من السهل في غالب الأمر استدعاء أيام الرايخ الثالث البغيضة وتطويع مفهوم «عقدة الذنب التاريخية» كسوط يضربون به على عقدة الصمت والخنوع الألمانية.
تشير حركة (بيغيدا) إلى عدد من المشاكل الحقيقية ولكنها توفر لها حلولا خاطئة، وفي بعض الأحيان، خطيرة. تمر أوروبا بأزمة هوية نشأت إثر تلاشي تراثها المسيحي، وأوجه القصور التي تتعرض لها باستمرار بسبب الديمقراطية، وفقدان الثقة في نظام اقتصادي يعد بالكثير ويحقق القليل.
وبالتالي، تأتي حركة (بيغيدا) جزءا من الشعور الواسع بالضيق والانزعاج الأوروبي والذي أعطى دفعة قوية للجماعات الراديكالية المتطرفة على طرفي النقيض اليميني واليساري على حد سواء. والحركات المشابهة لحركة (بيغيدا)، ومنها الجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الاستقلال البريطاني، وحركة (سيريزا) اليونانية، وحركة (إنديناندوس) الإسبانية، والديمقراطيون السويديون، من بين حركات أخرى كثيرة، بينها وبين الشعور الواسع بالضيق والانزعاج حالة من التغذية المتبادلة والمتواصلة. ظلت حالة الضيق الثقافي الأوروبية محل التأملات والتكهنات لما يربو على عقد من الزمان، حيث ألف البابا راتزينغر الراحل كتابين حولها، مشيرا إلى إحياء الجذور المسيحية في القارة، وهو موقف لاقى أصداء متعاطفة بين أصحاب الفكر الحر من الألمان، وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس.
تُشجع الحركات مثل (بيغيدا) أولئك الساعين إلى تشييد جدار وقائي ضد أي نقاشات مناسبة لعدد من القضايا المعقدة ومن بينها العلاقة بين أوروبا وسكانها من المسلمين. ومع ذلك، فإن ذلك الجدار الوقائي من شأنه أن يقيم غيتو ثقافيا، مما يُصعب الأمر كثيرا على أوروبا لكي توفر لسكانها المسلمين مساحة ملائمة بينما تواجه بعض المسلمين الآخرين بمشاعر الإقصاء والرفض التي، بدورها، تجتذب ملايين من الشبان المسلمين الأوروبيين ناحية كاريكاتير {الجهاد الدموي} الذي تقدمه جماعات الإرهاب الشرق أوسطية ومن بينها الخلافة التي أسسها تنظيم داعش.
وفي حين أن الأمل لا يوحي دائما بالإبداع في مناحي التاريخ، إلا أن الخوف بلا شك يقود إلى الهزيمة الذاتية المدمرة.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.