عقوبات أميركية جديدة على شبكة شحن مرتبطة بإيران وطهران تعتبرها عقبة أمام المفاوضات    مكتب زراعة الأمانة يكرم مركز الشهيد "هاني طومر" الصيفي ب200 شتلة من الأشجار المثمرة    فرنسا ردا على إسرائيل: لا أحد يملي علينا موقفنا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية    أربعة أسباب رئيسية وراء اهتمام ترامب بزيارة السعودية وقطر والإمارات    قبائل القفر تعلن النفير لمواجهة العدو وإسناد غزة    علماء روس يطورون طريقة للتنبؤ بالأمراض الوراثية والمناعية    الوطنية توضح حول أسعار منتجاتها من مادة الاسمنت    الفريق الوطني يطالب بزيارة اممية لسجون المجرم "طارق عفاش"    إسرائيل تعترض صاروخا حوثيا.. وتوقف مؤقت للملاحة في مطار بن غوريون    اليمن ترحب بإعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا وتشيد بالدور السعودي    الكلمةُ شرفٌ لا يُباع.. ومسؤولية لا تُزوَّر    تحديات أمام مستقبل الجنوب    مناقشة تدخلات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في البيضاء    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 13 مايو/آيار 2025    النفط يتراجع من أعلى مستوى له في أسبوعين    السعوديّة وأمريكا توقّعان صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار هي الأكبر في التاريخ    ميلان يواجه بولونيا في نهائي كأس إيطاليا غدا    "البكري" يستقبل السفيرة البريطانية "شريف" ويبحثان سبل التعاون ودعم الشباب    مناقشة أوجه التعاون بين وزارة النفط والمركز الوطني للوثائق    إنتخاب اللاعب طه المحاقري رئيساً للجنة الرياضيين باللجنة الأولمبية اليمنية    مصر تستعيد 25 قطعة أثرية من واشنطن    برعاية وزير الأوقاف.. وكالات الحج والعمرة تقيم اللقاء السنوي مع الحجاج في العاصمة عدن    وزير النقل يعلن جهوزية مطار صنعاء لاستقبال الرحلات    البغدادي يكشف عن اخفاء قسري لمحامي في صنعاء ويطالب بالاسراع في كشف مصيره    مليشيا الحوثي تختطف عمال محلات تجارية ك"رهائن" لإجبار أصحابها على دفع جبايات    حكيمي رابع مغربي يتوج بجائزة أفضل لاعب أفريقي بالدوري الفرنسي    مركز نهم الجمركي يحبط محاولة تهريب كمية من الزبيب الخارجي    مقتل 3 نساء في رأس الخيمة    وزير داخلية مصر يصدر أمرا ببحث شكاوى اليمنيين والافراج عن المحتجزين    كفى عبثًا!!    البعثات الطبية الصينية في وادي حضرموت    علماء يحققون اكتشافا مذهلا عن الأصول الحقيقية لليابانيين    ألونسو يطلب صفقات لترميم دفاع الريال    الحكومة اليمنية تحظر المظاهرات دون ترخيص مسبق    بقايا وطن..    الترب: بحكمة أبناء اليمن سنتجاوز تدخلات دول العدوان    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تتضامن مع الصحفي عدنان الأعجم    تدشين دليل الخدمات المرورية في مركز الإصدار الآلي الموحد    عودة الهدوء إلى طرابلس بعد اشتباكات أودت بحياة عسكريين منهم ضابط كبير    "اليونيسيف" تطلق مبادرة للحد من نقص التغذية في اليمن    المناخ الثوري..    اللواء ناصر رقيب يشيد بإنجازات القوات الخاصة في مأرب    فتاوى ببلاش في زمن القحط!    اللجنة الأولمبية اليمنية تجري انتخابات الطيف الواحد للجنة الرياضيين        قراءة نقدية في كتاب موت الطفل في الشعر العربي المعاصر .. الخطاب والشعرية للدكتور منير فوزي    الكشف عن شعار كأس العالم للناشئين 2025    بن بريك لن يستطيع تنفيذ وعوده التي تحدث عنها لصحيفة عكاظ السعودية    اكتشاف رسائل سرية مخفية على مسلة مصرية في باريس    وداعاً...كابتن عبدالله مكيش وداعاً...ايها الحصان الجامح    صبحكم الله بالخير وقبح الله حكومة (أملصوص)    حقيقة استحواذ "العليمي" على قطاع وادي جنة5 النفطي شبوة    نساء عدن: صرخة وطن وسط صمت دولي مطبق.!    أمريكا.. وَهْمٌ يَتَلَاشَى    مرض الفشل الكلوي (4)    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنجح شمولية الخطر الإرهابي في إحياء اتحاد المغرب العربي
نشر في عدن الغد يوم 18 - 02 - 2015

في قمّة الحدث العالمي الذي صنعته الضربات العسكرية المصرية في ليبيا، مرّت الذكرى 26 لتأسيس اتحاد المغرب العربي، في صمت مما يؤكّد أن مسيرته التي شكّلت الحدث العربي في أواخر ثمانينات القرن الماضي توقّفت قبل الدخول بحلم الوحدة إلى دائرة الفعل. ومع تعثر الاتحاد بسبب الخلافات بين أعضائه، وفي ظلّ التعنت الجزائري الذي يحول دون توحيد المواقف، يأمل خبراء ودبلوماسيون سابقون في أن تؤدّي الحرب على الإرهاب إلى تقارب الدول المغاربية انطلاقا من قاعدة التصدي المشترك لتوسع نفوذ الجماعات الجهادية وخطر الإرهاب القادم من ليبيا.
تعود ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي (17 فبراير 1989) إلى التأكيد على وجودها من خلال نصوص مكتوبة أرشيفية لم تتحول إلى فعل سياسي إلا في حالات قليلة، وتظهر أيضا للتذكير من خلال بعض عناصر النخبة التي مازالت تؤمن بقيام اتحاد مغاربي مهما كانت الصعوبات ومهما طال الانتظار، لكن بعيدا عن “التأكيد النصي” و”التذكير الوجداني” الإعلامي في الغالب- فإن الحالة المغاربية وحدة أو حتى تعاونا تعد كاشفة للفعل السياسي العاجز عن تحقيق نتائج راهنة أو أمان ماضية عوّلت عليها الشعوب المغاربية في المرحلة الاستعمارية.
لذلك كله، ولغيره من الأسباب الأخرى، التي تعتمد على تركة الماضي وتستهتر بالجغرافيا وبمنظومة القيم المشتركة، يعدُّ اتحاد المغرب العربي من المنظمات الدولية القليلة، التي تنتمي إلى زمنين مختلفين، كلاهما من الماضي:
الزمن المغاربي الأول: علينا أن نلاحظ هنا أن ذلك المؤتمر المغاربي كان وليد زمن عربي جديد آخذ في التشكّل، تداخل فيه مساران إلى درجة تعذر فيها الفصل بين الأسباب والنتائج، المسار الأول: انطلاق الثورات العربية حركات التحرر والتي تقوّت بقيام الثورة المصرية عام 1952، وما تبعها من ثورات عربية أخرى بلغت أوجها في قيم ثورات دول المغرب العربي الثلاث؛ المغرب وتونس والجزائر.
والمسار الثاني هو انتشار الفكر القومي العربي، والدعوة إلى الوحدة، وقد ظهرت إرهاصاته الأولى، تطبيقيا، في قيام الاتحاد العربي، يعرف أيضا بالاتحاد الهاشمي، وهو اتحاد غير اندماجي كونفدرالي أعلن عنه رسميا في 14 فبراير 1958 بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية. ثم تطور الفكر الوحدوي سياسيا ليتحول إلى حقيقة بإعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة، المتمثلة في الوحدة بين مصر وسوريا، في 22 فبراير 1958، وبعد تلك الوحدة بحوالي سبعين يوما تقريبا عقد ممثلو الأحزاب المغاربية (حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التونسي، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية) مؤتمرا في مدينة طنجة في أبريل 1958 لبلورة فكرة الاتحاد المغاربي.
كثيرة هي الأسئلة المطروحة بخصوص الدولة المغاربية وهي تعاني من توتر في الجبهة الداخلية ومن مخاطر الهجرة الأفريقية
الزمن المغاربي الثاني: المقصود بالزمن الثاني، هو تاريخ التوقيع على معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش، وقد ضم كلا من: المغرب وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا. واليوم وبعد مرور 26 سنة على ذلك التاريخ أصبح مجرد ذكرى لم يطوها النسيان، لكنه أيضا لم يعد موجودا على مستوى الفعل السياسي، أي أنه ينتمي إلى الماضي أكثر منه مطلب الحاضر ليس فقط من السّاسة ولكن من الشعوب أيضا.
الاتحاد المغاربي اليوم لم يعد نصوصا لم تطبق ولا مؤسسات لم تعد قائمة لجهة صناعة الفعل، ولا هو نقاش يدور بين الساسة لكيفية البحث عن إحيائه من جديد فقط، ولكنه رفض مطلق لكل البنود التي قام عليها الاتحاد في مراكش، لنضرب أمثلة على ذلك، يمكن أن نُقيم عليها أسسَ التحليل السياسي هنا، أو نصوغ منها مقاربات قد تؤهلنا معرفيًّا إلى طرح استنتاجات.
فمثلا من البنود التي قام من أجلها الاتحاد، العمل على فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها.. فأين نحن من ذلك؟.
الحدود اليوم بين دول الاتحاد، هي: إما مغلقة في المطلق كما هو واقع بين الجزائر والمغرب، أو تخضع لحراسة شديدة كما هو الحال بين الجزائر وليبيا، والجزائر وتونس، وليبيا وتونس، وموريتانيا والمغرب، وما يتم نقله في حدود ضيقة من رؤوس أموال وبضائع يخضع لإجراءات احترازية في الغالب، ما يعني أن دول المغرب العربي ليست فاقدة للعلاقات بين دول الاتحاد مجتمعة فقط، ولكنها فاقدة وبدرجة أكبر للعلاقات البينية.
رهينة الإرهاب والثورات
من ناحية أخرى، قام الاتحاد المغاربي من أجل تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض، وتحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها، والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف.. فأين كل هذا مما يجري اليوم في دول الاتحاد، وهي تقع رهينة للجماعات الإرهابية، ولثورات انتهت بإسقاط نظامين في كل من تونس وليبيا، وإلى حالة من الانتفاضات في كل من: الجزائر وموريتانيا، ومزيدا من المطالب الاجتماعية في المغرب.

الاتحاد المغاربي يعمل على اتخاذ خطوات عملية للتقارب بين أعضائه

كثيرة هي الأسئلة المطروحة اليوم بخصوص حاضر الدول المغاربية ليس فقط في الشكل الاتحادي لجهة تحقيقه من عدمه، ولكن بخصوص الدولة القطرية نفسها، أين ستصير وهي تعاني من توتر في الجبهة الداخلية، ومن مخاطر الهجرة الأفريقية إليها، ومن علاقة غير سليمة مع شقيقاتها الجارات؟
سؤال آخر يطرح هنا على غاية من الأهمية: هل الدعوة إلى إحياء وتنشيط الاتحاد المغاربي اليوم مطلب شعبي بعد أن تخلى عنه الساسة لأسباب خاصة، بدليل أن محاولة الرئيس التونسي المؤقت السابق المنصف المرزوقي في 2012 لم تلق قبولا من القيادات المغاربية؟
الإجابة الصارخة والصادمة أيضا: لم يعد لتلك الدعوة قبولا، لأن الذين أسسوا الاتحاد المغاربي لم يعودوا في السلطة اليوم، اثنان منهم غيبّهما الموت هما: العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وثالثهم قتل في ثورة الشعب ضده وهو الزعيم الليبي معمر القذافي، ورابعهم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي عزل من السلطة وهرب خارج البلاد، وخامسهم الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع، الذي انقلب عليه رفاقه في السلاح، هذا على الصعيد المحلي، فماذا عن المستوى القومي؟
عمليّا من الصعب اليوم عربيا قوميا الدعوة إلى قيام الاتحاد المغربي بدوره، ذلك لأن الأحداث الراهنة في الوطن العربي ليست ذات صبغة وحدوية أو اتحادية، كما كانت في الماضي. الأولوية اليوم لخلاص الدولة القطرية من التمزّق حتى لوكان ذلك على حساب الدولة الشقيقة المجاورة، ما يعني تناقض المصالح واختلافها وتضاربها، بل إنها في علاقتها الدبلوماسية تتحالف مع قوى خارجية أحيانا ضد الدولة الجارة.
لقد اختلفت الدول العربية بعد قيام الثورات العربية في نمط العلاقات المشتركة بينها عما كانت عليه في الماضي القريب، من ذلك عدم اهتمامها بصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء كما نصت على ذلك بنود الاتحاد المغاربي مثلا، وإلا كيف لنا أن نفسر القبول بالتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا، مع أن ذلك ينتاقض مع المصالح العليا لباقي الدول المغاربية.
اتحاد المغرب العربي لم يعد موجودا على مستوى الفعل السياسي وهي فكرة تنتمي إلى الماضي أكثر منه مطلب الحاضر
الفشل وشروط العودة
على العموم فإن تجربة الاتحاد المغاربي كانت فاشلة في زمن الاستقرار والسلم، فما بالك والحروب في بعض دوله لم تضع أوزارها بعد، وجملة من المخاطر تطاردها.
وفي الوقت الراهن لا يمكن للاتحاد المغاربي أن يستعيد نشاطه إلا في حال تغير المعطيات على الساحة المغاربية، وحصول تطور إيجابي في دوله وفي علاقته بالغير، الآخر الأوروبي تحديدا، ويمكن لنا القول إن استعادة الاتحاد المغربي لنشاطه، أو على الأقل اتخاذ خطوات عملية للتقارب بين أعضائه، يقتضي جملة من المطالب، من أهمها:
-1 تحسين العلاقة بين الجزائر والمغرب، كونهما الأكثر تأثيرا في مسار الاتحاد.
-2 العمل بجدية من أجل استقرار ليبيا، وخروجها من أزمتها الراهنة.
-3 التوقف عن سياسة الاستقطاب داخليا بين الأعضاء وخارجيا من القوى الدولية المؤثرة.
-4 التخلي عن السياسات البديلة بين دوله في شكلها الثنائي، وإعطاء الأولوية للعلاقة الجماعية.
-5 التحالف من أجل مواجهة الإرهاب.
-6 العمل على إصلاح الجبهة الداخلية بما يتناسب مع العمل الوحدوي.
كثيرة هي القضايا التي يمكن التأسيس عليها لتنشيط اتحاد المغرب العربي، لكن الواضح أن تلك العودة عسيرة، بل إنها أصعب من ميلاده، لذلك علينا أن ننتظر مزيدا من الوقت، لأن البديل عنه هو طريق التششت والتشرذم، وهو ما تعانيه الأمة العربية مشرقا ومغربا، مركزا وأطرافا، ومثلما بدأت الاتحادات العربية في مناخ وحدوي فإنها مجبرة اليوم على الانطلاق من جديد ضمن ذلك المناخ، لتكوين جبهات قوية تنجح في الوقوف في وجه رياح الإرهاب القاتلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.