إن إدارة الصراع الإقليمي على حساب السيادة اليمنية والتحول في السيطرة... تحالف المصالح لا المبادئ. شهدت الساحة الجنوبية والشرقية من اليمن تطورات متسارعة مؤخرًا، تمثلت في تحركات للقوات التابعة للأطراف الإقليمية. إن مشهد "مرتزقة تنسحب ومرتزقة تسيطر، ومرتزقة تُسلم لمرتزقة" هو وصف دقيق للواقع، لكنه لا يمكن أن يُقرأ من منظور سياسي محض أو محلي. فالقوى الفاعلة على الأرض، التي تعمل تحت مظلة تحالفات إقليمية، لا تُغير مواقعها إلا وفق أوامر ومصالح هذه القوى. إن جوهر المشهد لا يكمن في هوية المسيطر، بل في الهدف الحقيقي من وراء عملية "إدارة الصراع" وتقسيم النفوذ، والذي تجسد بوضوح في زيارة الوفدين السعودي والإماراتي إلى عدن مؤخرًا. الحقيقة المطلقة: عمق استراتيجي ومطامع بحرية إن ما يحدد مسار الأحداث هو المصالح الاستراتيجية العليا للرياض وأبوظبي، وليس مصير الدولة اليمنية. يمكن تلخيص رؤية كل منهما كالتالي: * المملكة العربية السعودية: تنظر إلى اليمن ك عمق استراتيجي لأمنها القومي. لذلك، تسعى جاهدة لإبقاء القرار اليمني تحت نفوذها المباشر، خصوصًا في المحافظات الغنية بالثروات في البر، مثل حضرموت والمهرة، لضمان السيطرة على الثروات النفطية والغازية وحماية حدودها الطويلة. * دولة الإمارات العربية المتحدة: يتركز اهتمامها على الموانئ والجزر الحيوية والموارد البحرية والسمكية. هدفها هو تأمين موقعها كلاعب بحري وتجاري عالمي. وفي هذا السياق، تستخدم المجلس الانتقالي كأداة رئيسية لتثبيت نفوذها في الجنوب والتحكم في المضايق والموانئ الاستراتيجية. نظام التقاسم: اتفاق على تقاسم "الكعكة" بدلاً من التناحر بدلاً من الدخول في صراع مباشر ومكلف، اختارت القوتان الإقليميتان مسار تقاسم النفوذ. هذا التفاهم يقوم على معادلة واضحة: * السعودية: تتولى الملفات الحدودية والموارد البرية الداخلية. * الإمارات: تركز على السيطرة البحرية، الموانئ، والجزر. إن هذا التنسيق في إدارة الصراع هو ما يفسر التغيرات الأخيرة في السيطرة. فالغاية هي الاتفاق مع القوى المحلية التابعة (كالمجلس الانتقالي) على تقاسم "كعكة الجنوب"، حيث تصبح السيطرة للقوة الأقوى التي تحظى بالدعم الإقليمي في تلك اللحظة، ضمن خطة متفق عليها. المخاطر على اليمن: الثمن الباهظ للسيادة المنهوبة النتيجة المباشرة لهذه المعادلة هي استمرار إضعاف الدولة اليمنية المركزية. هذا التمزيق الممنهج يفتح الباب أمام تقسيم فعلي للنفوذ على الأرض، حتى لو لم يُعلن الانفصال أو التقسيم رسميًا. تتلخص المخاطر الجسيمة على اليمن والشعب اليمني في ثلاث نقاط محورية: * تمزيق النسيج الوطني: يتم ذلك عبر دعم كيانات مسلحة وكيانات سياسية موازية لما يسمى بالدولة، مما يقوض سلطتها المركزية ويغذي الانقسام. * نهب الثروات الوطنية: استمرار السيطرة الإقليمية يعني استنزاف الثروات النفطية والغازية والبحرية، وتحويلها بعيدًا عن خزينة الدولة والشعب اليمني. * إطالة أمد الحرب: إبقاء اليمن ساحة ل "إدارة صراع مصالح" إقليمي ودولي يضمن استمرار حالة اللاحرب واللاسلم، مما يطيل أمد الأزمة ويزيد من معاناة المواطنين. تداعيات التحركات: لموقف ما يسمى الحكومة المعترف بها دوليًا والحكومة الوطنية في صنعاء تثير هذه التطورات ردود فعل متباينة وحادة من الأطراف اليمنية الفاعلة: أولاً: موقف ما يسمى الحكومة المعترف بها دوليًا تنظر هذه الحكومة إلى تحركات المجلس الانتقالي على أنها تهديد مباشر لوجودها وسلطتها القانونية، خاصة وأن المجلس الانتقالي هو جزء من مجلس القيادة الرئاسي الذي يرأسه رشاد العليمي. * الرفض القانوني: وصفت الحكومة (ممثلة برئيس مجلس القيادة) هذه الإجراءات بأنها "إجراء أحادي الجانب" وتقويض لسلطة الحكومة الشرعية وتهديد لوحدة القرار الأمني. وقد حذرت من التداعيات الاقتصادية الخطيرة على حضرموت والمهرة. * التمسك بمرجعيات الانتقال: دعت حكومة الفنادق إلى ضرورة احترام مرجعيات المرحلة الانتقالية، وطالبت القوات الوافدة من خارج المحافظات بالانسحاب، وهو ما يظهر ضعف السيطرة على الأرض رغم الاعتراف الدولي. ثانياً: وجهة نظر الحكومة الوطنية في صنعاء (أنصار الله) تستغل قيادة أنصار الله هذه التطورات لتعزيز خطابها الداخلي والإقليمي، الذي يتماشى مع إدارة الصراع: * إثبات نظرية الاحتلال: يُنظر إلى هذه التحركات على أنها دليل قاطع على أن ما يجري في الجنوب والشرق هو صراع بين أدوات القوى الخارجية ل "تقاسم النفوذ والثروات"، وليس صراعًا وطنيًا. * تفكيك الدولة: تعتبر صنعاء أن هذه التحركات هي استمرار لمخططات الاحتلال الرامية إلى تمزيق اليمن وإبقاء البلاد في حالة ضعف وهشاشة دائمة لخدمة الأجندات الجيوسياسية في المنطقة والبحر الأحمر. الخلاصة ما يجري هو إدارة صراع مصالح بين الرياض وأبوظبي على أرض اليمن، حيث يتم استخدام شعار "الحفاظ على الاستقرار" كغطاء لتقاسم النفوذ والثروات، بينما يدفع الشعب اليمني ثمنًا باهظًا من وحدته وسيادته. هذه التطورات، رغم أنها لا تخدم مصالح الحكومة المعترف بها دوليًا، فإنها تعزز السردية التي تتبناها حكومة التغيير والبناء في صنعاء حول الاستهداف الخارجي للسيادة اليمنية.