منحة ال1.3 مليار سعودي لم تصل إلى حساب الحكومة بعد    غزة.. استخراج رفات 42 فلسطينيا مجهولي الهوية من مقبرة عشوائية    إجراء قرعة بطولة التنشيطية الثانية لكرة الطائرة لأندية حضرموت الوادي والصحراء ( بطولة البرنامج السعودي )    اتحاد حضرموت يفتتح مشواره بالستة على مدودة في كاس حضرموت للناشئين    النفط يتراجع مع ترقب زيادة إنتاج (أوبك)    هيئة المرأة والطفل بالانتقالي تشدد على ضرورة تعزيز خطط العمل المستقبلية    أبناء الدريهمي بالحديدة يجددّون النفير والجهوزية لمواجهة مؤامرات الأعداء    ميسي يحسم موقفه من مونديال 2026    بإيرادات قياسية... باريس سان جيرمان يصعد إلى المركز السابع بين أغلى فرق العالم    عقب اشتباكات مسلحة.. قائد محور الغيضة يؤكد ضبط جميع أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات    البيضاء .. تدشين المخيم الطبي المجاني الشامل للأطفال بمدينة رداع    مجلس القيادة يجدد دعمه الكامل للحكومة والبنك المركزي في مواصلة تنفيذ الإصلاحات    18 تريليون ريال و7 مليارات دولار.. الحكومة اليمنية تتجه لمزيد من الاقتراض وتحذيرات من غرقها في الديون    الأرصاد: درجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى ما دون 5 درجات في المرتفعات    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    فلسفة السؤال    هيبة الدولة تشترى ب 6 مليون ريال.. حضرموت بين عبث الجهلة وضياع البوصلة    أعرافنا القبلية في خطر: إختطاف القبيلة!    الإطاحة بعصابة استغلت العمل الخيري للاحتيال على المواطنين في عدن    السلفيون الحجوريون يثيرون الفتنة في مساجد المهرة    مدينة عتق.. عطش يطارد الأهالي ومؤسسة المياه في صمت مريب    الذهب بأدنى مستوى في 3 أسابيع وسط تفاؤل بشأن اتفاق بين أميركا والصين    ناطق الزراعة بغزة: حرب العدو قضت على 92% من انتاج الزيتون في القطاع    اتحاد كرة القدم يعيد تشكيل الجهاز الفني والإداري للمنتخب الأولمبي    أسر مختطفي إب تناشد المنظمات الحقوقية الدولية التدخل العاجل للإفراج عن ذويهم    الإصلاح في تعز يشترط المال لتسليم المقرات الحكومية    المساوي:استخبارات أجنبية تسعى لزعزعة استقرار تعز والسيطرة على ساحلها    أمريكا تنشر طائرات تجسس متطورة في الخليج وسط تصاعد المخاوف من الصواريخ الباليستية    كارفاخال يتعرض لانتكاسة جديدة    مصرع 4 مهاجرين غرقا قرب السواحل اليونانية    سفارات لخدمة العمل اللادبلوماسي    عبدالرحمن شيخ: الانتقالي مشروع وطني والشراكة ضمانة ضد التفرد والفساد    توكل كرمان أمام القضاء التركي بتهمة التحريض على الإرهاب في المغرب    الدكتور الترب ل"سبوتنيك": حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن "مقصودة" ولن تستمر طويلا    ضبط 369 كجم حشيش في صعدة    حملة تكشف اين رواتب اليمنيين    وزير الشباب والرياضة يناقش برامج تأهيل وتدريب شباب الضالع واوضاع نادي عرفان ابين    قراءة تحليلية لنص "ولادة مترعة بالخيبة" ل"احمد سيف حاشد"    مؤامرتا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين واليمني للجنوب العربي    صنعاء.. مناقشة دراسة أولية لإنشاء سكة حديد في الحديدة    ضبط 185 قطعة أثرية عراقية في بريطانيا    الأسهم الأوروبية تسجل ارتفاعا قياسيا    مزاد "بلاكاس" الفرنسي يعرض تمثال لرجل من آثار اليمن    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    وزارة الشباب والرياضة تمنح نادي التعاون بحضرموت الاعتراف النهائي    وزير التربية يدلي بتوجيه هام!    دراسة حديثة تكشف فظائع للسجائر الإلكترونية بالرئتين    لصوص يسرقون ألفي قطعة نقدية من متحف فرنسي    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    قراءة تحليلية لنص "أنتم العظماء لا هم" ل"أحمد سيف حاشد"    الصحة العالمية تعلن عن ضحايا جدد لفيروس شلل الاطفال وتؤكد انه يشكل تهديدا حقيقيا في اليمن    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    عدن: بين سل الفساد ومناطقية الجرب    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المياه: التأهب لمواجهة الصدمات
نشر في عدن الغد يوم 04 - 08 - 2012

هل العالم مستعد لمواجهة الصدمات الناتجة عن نقص المياه؟ لاشك أننا سنصل إلى هذه الصدمات، لا بل إننا قد وصلنا إليها بالفعل. فقد عقد خبراء البيئة وصانعو السياسات والمهنيون العاملون في مجال المياه مؤخراً اجتماعاً في تشاتام هاوس ]المعهد الملكي للعلاقات الدولية[ في لندن للتفكير في هذا الاحتمال. ورأوا أثناء الاجتماع أن آسيا، هي القارة التي كانت المشاكل فيها أكثر حدة بالفعل.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال بافل كابات، خبير في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في فيينا: "كنا قلقين بشأن المياه في أجزاء أخرى من العالم – فما زالت هذه القضية هامة جداً في إفريقيا - ولكننا نسينا أن النمو الاقتصادي والنمو السكاني سيتسببان في ارتفاع كبير في الطلب على الغذاء في آسيا. ويجري استهلاك المياه العذبة حالياً لأغراض الزراعة بمعدلات مرتفعة جداً. فقارة آسيا هي البقعة الساخنة ... وأود أن أقول أنه سيتعين علينا مواجهة أولى القضايا الكبرى بحلول عام 2020 أو 2030".
ويتم تخصيص 70% من الاستخدام العالمي للمياه لأغراض زراعية، ومن المرجح أن تظهر الأزمة في هذا المجال. وأفاد كابات إلى أن "75% من مياه الري في الهند تأتي من المياه الجوفية"، مضيفاً: "نحن نفترض أن الحال سيبقى على ما هو عليه". ولكنه أشار إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث شهدت مستويات المياه الجوفية في بعض المناطق انخفاضات بنسب تصل إلى خمسة أمتار في السنة، وكان عليهم تبني قوانين للحد من استخراج المياه الجوفية لأغراض الزراعة، وهذا الأمر نفسه يمكن أن يحدث في آسيا.
وهناك أيضاً مسألة جودة المياه. فمع انخفاض تدفقات المياه العذبة من أنهر آسيا الكبيرة التي تصل إلى الساحل، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر، تعاني دلتا أنهر الجانج وبراهمابوترا وميكونج من زيادة تسرب المياه المالحة، وتصل نسبة الملوحة في بعض الأماكن إلى مستويات تمنع نمو المحاصيل الطبيعية. وقد أصبحت أصلاً بعض المناطق الساحلية في بنجلاديش غير صالحة للزراعة.
وليست الدول المتقدمة بمأمن من المشاكل الوشيكة بالتأكيد. ففي بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية تم استغلال طبقات المياه الجوفية القديمة للسماح بالزراعة في المناطق الصحراوية بشكل طبيعي. هذه "المياه الأحفورية" تُستنزف الآن بمعدل سريع وهي غير قادرة على تجديد نفسها. وقال أحد المتحدثين في الاجتماع أنه يتوقع اختفاء المياه الجوفية من بعض المناطق في وقت قريب، وهذا يعني توقف الزراعة، وبما أن الناس استقروا هناك فقط حتى يتمكنوا من زراعة المحاصيل المروية، لن تعود هذه المناطق نافعة لتبقى مأهولة بالسكان - وهذا احتمال مخيف جداً لدرجة أنه "يجعل صانعي السياسة غير راغبين في التصدي لهذه المشكلة."
وعبر الحدود في المكسيك، تعتبر العاصمة مهددة بوضع لا يمكن تحمله. فتعاني مكسيكو سيتي أصلاً من عجز خطير في المياه وتواجه انخفاضاً في معدلات هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 30%. وما زاد الأمر سوءاً أن المكسيك تمنح دعماً للخدمات العامة في العاصمة، والمياه هناك أرخص منها في الريف، وعدد السكان ينمو بسرعة كبيرة. وبمجرد أن يعتاد المستهلكون على الدعم، يصبح من الصعب جداً فرض سعر واقعي.
من جهة أخرى، يقول بوليوبترو مارتينيز أوستريا، مدير المعهد المكسيكي لعلوم المياه، أن مديري المياه لا يستطيعون حل هذه المشكلة بمفردهم. وأضاف في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية أن "هناك دعم مالي ضخم لخدمات المياه في المنطقة الآن، ونتيجةً لذلك، يتم استغلال طبقات المياه الجوفية بشكل مفرط، والوعي الشعبي حول استخدام المياه ليس كافياً لتوفيرها. أعتقد أننا بحاجة إلى سياسة جديدة للتنمية الحضرية، إذا ما أردنا حل مشكلة المياه".
أمّا في الهند وبنغلاديش والمناطق القاحلة من الولايات المتحدة ومكسيكو سيتي، فيكمن الانطباع السائد في إظهار حتمية مروعة، مثل رؤية حادث سيارة بالتصوير البطيء. والسياسيون لا يجيدون التعامل مع هذا النوع من الأحداث البطيئة الظهور. فيقول كابات: "نحن نعلم أنها آتية لا محالة ولكن يؤسفني القول بأن هناك نقص عام في قدرة الحكومات في مختلف أنحاء العالم على النظر إلى ما بعد فترة الانتخابات المقبلة. فنحن كعلماء لدينا الكثير من الدراسات حول السيناريوهات للسنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة، ولكن هذه ببساطة فترات أبعد كثيراً من النطاق الزمني لعمل السياسيين".
أدوات السياسة
قدم اجتماع تشاتام هاوس بعض أدوات السياسة العامة التي يمكن أن تعالج قضايا المياه. فدار نقاش حول الرسوم وإنشاء أسواق للمياه، حيث يمكن شراء حقوق المياه وبيعها وتأجيرها. هناك سوق من هذا النوع يعمل حالياً بنجاح كبير في حوض نهر موراي دارلينغ في أستراليا. وقد قامت الحكومة هناك "بفصل" حق ملكية الأرض عن حقوق ملكية المياه، حتى أن مجرد وجود الماء على أرضك، في شكل نهر أو مياه جوفية، لم يعد يعطيك الحق تلقائياً في استخدامها. كما يمكن بيع حقوق المياه المخصصة، بشكل دائم أو على أساس مؤقت. والجدير بالذكر أن الجفاف الخطير الذي ضرب البلاد مؤخراً أدى إلى توقف المزارعين عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وهي أقل قيمة مثل الأرز، فأصبحوا يبيعون حصص المياه للمزارعين الذين يزرعون محاصيل أعلى قيمة وأقل احتياجاً للمياه مثل العنب، وساعدهم الدخل الذي حصلوا عليه خلال فترة الجفاف حتى تمكنوا من استئناف الزراعة بشكل طبيعي.
نحن كعلماء لدينا الكثير من الدراسات حول السيناريوهات المحتملة للسنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة، لكن هذه ببساطة فترات أبعد كثيراً من النطاق الزمني لعمل السياسيين
من جهة أخرى، كشفت مناقشة حول التعرفة أن العديد من الدول ما زالت لا تفرض أي رسوم على استهلاك المياه، وبعض الدول تمنح خصماً عند شراء كميات كبيرة من المياه، وبالتالي تقل تكلفة الوحدة كلما زاد استهلاك المياه. أما
الصين، التي كانت تبيع المياه تقليدياً بأسعار زهيدة، فقد بدأت تفرض رسوماً أكبر، كما بدأت الانتقال إلى ما يُعرف باسم "رسوم الكتلة المتزايدة" حيث تزداد كلفة المياه كلما زاد الاستهلاك. وبما أن المدن على اختلافها تستخدم حالياً أنظمة مختلفة، فقد أظهرت دراسة مقارنة حديثة أنه لم يكن للتعرفة أي تأثير. وحققت بكين، التي تفرض الآن أسعاراً أعلى وتعرفة متزايدة بشكل حاد، انخفاضاً حقيقياً في الاستهلاك، في حين ما زال استخدام المياه يرتفع في بعض المدن الأخرى.
على المستوى الدولي، تركز بعض المناقشات على حقيقة أن الماء "موجود في كل مكان وغير موجود في أي مكان"، ما يؤثر على جداول أعمال أخرى كثيرة، ولكن لا توجد وكالة مختصة بالمياه في الأمم المتحدة. هذا الأمر قد يعكس حقيقة أن العالم الذي فيه مناخ واحد وجو واحد، يضم أيضاً أنظمة منفصلة عديدة من أحواض الأنهر والمياه الجوفية، التي يعاني بعضها من نضوب شديد، في حين تتوفر للبعض الآخر إمدادات كبيرة.
الاستهلاك على أساس التفاوض
ولكن شبكات المياه تتقاطع مع الحدود السياسية، وفي ظل تزايد أزمات المياه، وسيتعين على كلا الجانبين التفاوض بشأن استهلاك المياه. فطارق كريم، سفير بنجلاديش في دلهي، وخبير في التفاوض على اتفاقات تقاسم المياه مع الهند، أخبر شبكة الأنباء الإنسانية أنه يجب إجراء تغيير في النهج. وقال أنك "عندما تتحدث عن المشاركة، فإنك تتحدث عن تقسيم شيء ما، وكلما وصلت إلى مرحلة التقسيم، يصبح الأمر مثل تقسيم الغنائم، فلا بدّ من أن يحدث خلاف ما. لا يمكنك تقسيم النهر، أو تقسيم إدارته إلى قطاعات. لذا من الأفضل منطقياً أن تناقش احتمال الإدارة المشتركة للنهر".
وأضاف قائلاً: "لا تزيد مساحة أرضنا في بنجلاديش ولكن عدد السكان في تزايد مستمر، ويعتمد 80% من سكاننا على الزراعة كمصدر للرزق، لذا فإن هذا الأمر جوهري للغاية بالنسبة لنا".
هل العالم مستعد لمواجهة الصدمات الناتجة عن نقص المياه؟ لاشك أننا سنصل إلى هذه الصدمات، لا بل إننا قد وصلنا إليها بالفعل. فقد عقد خبراء البيئة وصانعو السياسات والمهنيون العاملون في مجال المياه مؤخراً اجتماعاً في تشاتام هاوس ]المعهد الملكي للعلاقات الدولية[ في لندن للتفكير في هذا الاحتمال. ورأوا أثناء الاجتماع أن آسيا، هي القارة التي كانت المشاكل فيها أكثر حدة بالفعل.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال بافل كابات، خبير في المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في فيينا: "كنا قلقين بشأن المياه في أجزاء أخرى من العالم – فما زالت هذه القضية هامة جداً في إفريقيا - ولكننا نسينا أن النمو الاقتصادي والنمو السكاني سيتسببان في ارتفاع كبير في الطلب على الغذاء في آسيا. ويجري استهلاك المياه العذبة حالياً لأغراض الزراعة بمعدلات مرتفعة جداً. فقارة آسيا هي البقعة الساخنة ... وأود أن أقول أنه سيتعين علينا مواجهة أولى القضايا الكبرى بحلول عام 2020 أو 2030".
ويتم تخصيص 70% من الاستخدام العالمي للمياه لأغراض زراعية، ومن المرجح أن تظهر الأزمة في هذا المجال. وأفاد كابات إلى أن "75% من مياه الري في الهند تأتي من المياه الجوفية"، مضيفاً: "نحن نفترض أن الحال سيبقى على ما هو عليه". ولكنه أشار إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث شهدت مستويات المياه الجوفية في بعض المناطق انخفاضات بنسب تصل إلى خمسة أمتار في السنة، وكان عليهم تبني قوانين للحد من استخراج المياه الجوفية لأغراض الزراعة، وهذا الأمر نفسه يمكن أن يحدث في آسيا.
وهناك أيضاً مسألة جودة المياه. فمع انخفاض تدفقات المياه العذبة من أنهر آسيا الكبيرة التي تصل إلى الساحل، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر، تعاني دلتا أنهر الجانج وبراهمابوترا وميكونج من زيادة تسرب المياه المالحة، وتصل نسبة الملوحة في بعض الأماكن إلى مستويات تمنع نمو المحاصيل الطبيعية. وقد أصبحت أصلاً بعض المناطق الساحلية في بنجلاديش غير صالحة للزراعة.
وليست الدول المتقدمة بمأمن من المشاكل الوشيكة بالتأكيد. ففي بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية تم استغلال طبقات المياه الجوفية القديمة للسماح بالزراعة في المناطق الصحراوية بشكل طبيعي. هذه "المياه الأحفورية" تُستنزف الآن بمعدل سريع وهي غير قادرة على تجديد نفسها. وقال أحد المتحدثين في الاجتماع أنه يتوقع اختفاء المياه الجوفية من بعض المناطق في وقت قريب، وهذا يعني توقف الزراعة، وبما أن الناس استقروا هناك فقط حتى يتمكنوا من زراعة المحاصيل المروية، لن تعود هذه المناطق نافعة لتبقى مأهولة بالسكان - وهذا احتمال مخيف جداً لدرجة أنه "يجعل صانعي السياسة غير راغبين في التصدي لهذه المشكلة."
وعبر الحدود في المكسيك، تعتبر العاصمة مهددة بوضع لا يمكن تحمله. فتعاني مكسيكو سيتي أصلاً من عجز خطير في المياه وتواجه انخفاضاً في معدلات هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 30%. وما زاد الأمر سوءاً أن المكسيك تمنح دعماً للخدمات العامة في العاصمة، والمياه هناك أرخص منها في الريف، وعدد السكان ينمو بسرعة كبيرة. وبمجرد أن يعتاد المستهلكون على الدعم، يصبح من الصعب جداً فرض سعر واقعي.
من جهة أخرى، يقول بوليوبترو مارتينيز أوستريا، مدير المعهد المكسيكي لعلوم المياه، أن مديري المياه لا يستطيعون حل هذه المشكلة بمفردهم.
وأضاف في حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية أن "هناك دعم مالي ضخم لخدمات المياه في المنطقة الآن، ونتيجةً لذلك، يتم استغلال طبقات المياه الجوفية بشكل مفرط، والوعي الشعبي حول استخدام المياه ليس كافياً لتوفيرها. أعتقد أننا بحاجة إلى سياسة جديدة للتنمية الحضرية، إذا ما أردنا حل مشكلة المياه".
أمّا في الهند وبنغلاديش والمناطق القاحلة من الولايات المتحدة ومكسيكو سيتي، فيكمن الانطباع السائد في إظهار حتمية مروعة، مثل رؤية حادث سيارة بالتصوير البطيء. والسياسيون لا يجيدون التعامل مع هذا النوع من الأحداث البطيئة الظهور. فيقول كابات: "نحن نعلم أنها آتية لا محالة ولكن يؤسفني القول بأن هناك نقص عام في قدرة الحكومات في مختلف أنحاء العالم على النظر إلى ما بعد فترة الانتخابات المقبلة. فنحن كعلماء لدينا الكثير من الدراسات حول السيناريوهات للسنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة، ولكن هذه ببساطة فترات أبعد كثيراً من النطاق الزمني لعمل السياسيين".
أدوات السياسة
قدم اجتماع تشاتام هاوس بعض أدوات السياسة العامة التي يمكن أن تعالج قضايا المياه. فدار نقاش حول الرسوم وإنشاء أسواق للمياه، حيث يمكن شراء حقوق المياه وبيعها وتأجيرها. هناك سوق من هذا النوع يعمل حالياً بنجاح كبير في حوض نهر موراي دارلينغ في أستراليا. وقد قامت الحكومة هناك "بفصل" حق ملكية الأرض عن حقوق ملكية المياه، حتى أن مجرد وجود الماء على أرضك، في شكل نهر أو مياه جوفية، لم يعد يعطيك الحق تلقائياً في استخدامها. كما يمكن بيع حقوق المياه المخصصة، بشكل دائم أو على أساس مؤقت. والجدير بالذكر أن الجفاف الخطير الذي ضرب البلاد مؤخراً أدى إلى توقف المزارعين عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وهي أقل قيمة مثل الأرز، فأصبحوا يبيعون حصص المياه للمزارعين الذين يزرعون محاصيل أعلى قيمة وأقل احتياجاً للمياه مثل العنب، وساعدهم الدخل الذي حصلوا عليه خلال فترة الجفاف حتى تمكنوا من استئناف الزراعة بشكل طبيعي. نحن كعلماء لدينا الكثير من الدراسات حول السيناريوهات المحتملة للسنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة، لكن هذه ببساطة فترات أبعد كثيراً من النطاق الزمني لعمل السياسيين
من جهة أخرى، كشفت مناقشة حول التعرفة أن العديد من الدول ما زالت لا تفرض أي رسوم على استهلاك المياه، وبعض الدول تمنح خصماً عند شراء كميات كبيرة من المياه، وبالتالي تقل تكلفة الوحدة كلما زاد استهلاك المياه. أما الصين، التي كانت تبيع المياه تقليدياً بأسعار زهيدة، فقد بدأت تفرض رسوماً أكبر، كما بدأت الانتقال إلى ما يُعرف باسم "رسوم الكتلة المتزايدة" حيث تزداد كلفة المياه كلما زاد الاستهلاك. وبما أن المدن على اختلافها تستخدم حالياً أنظمة مختلفة، فقد أظهرت دراسة مقارنة حديثة أنه لم يكن للتعرفة أي تأثير. وحققت بكين، التي تفرض الآن أسعاراً أعلى وتعرفة متزايدة بشكل حاد، انخفاضاً حقيقياً في الاستهلاك، في حين ما زال استخدام المياه يرتفع في بعض المدن الأخرى.
على المستوى الدولي، تركز بعض المناقشات على حقيقة أن الماء "موجود في كل مكان وغير موجود في أي مكان"، ما يؤثر على جداول أعمال أخرى كثيرة، ولكن لا توجد وكالة مختصة بالمياه في الأمم المتحدة. هذا الأمر قد يعكس حقيقة أن العالم الذي فيه مناخ واحد وجو واحد، يضم أيضاً أنظمة منفصلة عديدة من أحواض الأنهر والمياه الجوفية، التي يعاني بعضها من نضوب شديد، في حين تتوفر للبعض الآخر إمدادات كبيرة.
الاستهلاك على أساس التفاوض
ولكن شبكات المياه تتقاطع مع الحدود السياسية، وفي ظل تزايد أزمات المياه، وسيتعين على كلا الجانبين التفاوض بشأن استهلاك المياه. فطارق كريم، سفير بنجلاديش في دلهي، وخبير في التفاوض على اتفاقات تقاسم المياه مع الهند، أخبر شبكة الأنباء الإنسانية أنه يجب إجراء تغيير في النهج. وقال أنك "عندما تتحدث عن المشاركة، فإنك تتحدث عن تقسيم شيء ما، وكلما وصلت إلى مرحلة التقسيم، يصبح الأمر مثل تقسيم الغنائم، فلا بدّ من أن يحدث خلاف ما. لا يمكنك تقسيم النهر، أو تقسيم إدارته إلى قطاعات. لذا من الأفضل منطقياً أن تناقش احتمال الإدارة المشتركة للنهر".
وأضاف قائلاً: "لا تزيد مساحة أرضنا في بنجلاديش ولكن عدد السكان في تزايد مستمر، ويعتمد 80% من سكاننا على الزراعة كمصدر للرزق، لذا فإن هذا الأمر جوهري للغاية بالنسبة لنا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.