لقد قدم أنصار الله أنفسهم حتى وقت قريب بأنهم جماعة حقوقية ، وكانوا يرفضون نعتهم بجماعة سياسية ، ويبررون ذلك بأن الجماعة تضم فيما تضم قوى من مشارب سياسية مختلفة يسارية وقومية وليبرالية وغيرهم . وكنا نظن بأن مظالمهم هي مظالم اجتماعية . ولكن ظهر لنا بعد أن تمكنوا من عمران بأن مظالمهم ذات طبيعة طائفية في الأساس قوامها التهميش الذي لحق بالمذهب الزيدي بعد ثورة 26 سبتمبر ، والعداوة التي مورست ضد رموزهم من الهاشميين . وبعد أن تمكنوا من دخول صنعاء في ال 21 من سبتمبر تغير خطاب أنصارالله مائة في المائة ، إذ صبح يدعون بأن حركتهم هي حركة ثورية ، وهي ثورة شعب ، وتكرس هذا الخطاب بعد أن تمكنوا من احتواء رموز الدولة بالقوة في ال 20 من يناير ، واصفين ما قاموا به بأنه حسم ثوري . وبدأ من سلوك الجماعة كما لو إنها كانت تتجه نحو التمكين ( مصطلح أخواني يعني الهيمنة على الدولة ) وإن كان بطريقة تدريجية ، وغير مباشرة . ولا أدري هل كان ذلك بتأثير زهو النصر . أو هي فكرة أصيلة ، ولكنها كانت مضمرة . ولكن بعد استقالة الرئيس هادي وحكومته ، ووصول الأول بعدئذٍ إلى عدن ، دربك المشهد على أنصار الله . خصوصاً أن كل ذلك أرتبط بتحرك شعبي عريض ضدهم ، مع معارضة إقليمية و دولية لهم ، واصفين إياهم بأنهم جماعة انقلابية .
إن الثورة كما تُعرف في الأدبيات السياسية هي تعبير عن تناقض اجتماعي متقدم ، وتبعاً لذلك فان الطبيعة الاجتماعية لأي ثورة تكمن في تكريسها لمواقع قوى اجتماعية بعينها في المجتمع . لا تمكين فئوي ضيق بالطبع . مع امتلاك برنامج سياسي واضح يعكس المستويات المختلفة لإحداث التغيير المنشود . وإذا ما نظرنا إلى خطاب أنصار الله نراهم يعلنون بأن هدفهم الثوري هو القضاء على قوى الفساد والمفسدين ، وهو توصيف غير دقيق البتة ، فالفساد ظاهرة مجتمعية ، وليست قوى اجتماعية ، حيث يندرج في عباءتها مجموعات متباينة من حيث وجودها في مصفوفة بنية المجتمع المختلفة . كما إن التخبط الذي يعاني منه أنصار الله اليوم هو مؤشر على غياب الرؤية ( البرنامج ) إن كانوا حركة ثورية . وتبعاً لذلك فإن حركة أنصار الله من حيث طبيعتها ، هي حركة إصلاح سياسي ؛ كونها تبحث في القضاء على الفساد ، وهو أمر لا يحتاج سوى إلى إرادة سياسية ، مع أحداث تغييرات هيكلية في بنية النظام الإداري و المالي لاحتواء الفساد المستشري . حتى لو أضفنا إعادة الاعتبار للمذهب الزيدي ، فلن يغير ذلك من معادلة التوصيف . أما وصف الحركة بالثورة فهو أمر يحتاج إلى مراجعة . حتى لو ربطنا الأمر بأحداث 2011م . فما حدث وقتئذٍ كان انتفاضة وليس ثورة .
والمتابع لخطابهم السياسي اليوم ، سيجده خطاباً قائم على إعلان العداء الصريح لدول الجوار ، و تهديدهم ، وسب بعض الأسر الحاكمة . وتهديد أمريكا والغرب ، والوقوف في وجه العالم إن وقف ضدهم كما صرح أحدهم . وهو خطاب صادم ، ليس كونه ينضح بالثورية الجامحة فقط . بل لأنه خطاب ضرره أكثر من نفعه بكثير . أقول ذلك لأننا في الجنوب قد خبرنا مثل تلك الخطابات ، وأتذكره منذ كنا طلاباً في المدارس الابتدائية ، كشعار تسقط الامبريالية والرجعية .. عاشت الاشتراكية . وشعار قل لفيصل ( الملك) ونكسن ( الرئيس الأمريكي ) واتحاد الإمارات قل لهم ويلكم ويل يا لي تعبدون الجنيهات . وشعارات شتم للسلطان قابوس وآل سعود يخجل المرء أن يكتبها . وغيرها من الشعارات بالطبع . علاوة على وصف بلدان الخليج بالمحتلة ، وتأسيس جبهات شعبية لتحرير عمان والخليج . ولم نجنٍ من تلك الثورية الجامحة وشعاراتها سوى الخيبات . وأصبحت تلك الفترة أحاديث يتندر بها الناس اليوم عند ذكرهم لها ، حتى مع من كانوا فاعلين أساسين فيها .
لذلك أخشى أن يضيع القوم عمراً من حياة شعبهم في هذا المسار العبثي ، إن قدر لهم التمكين . وقديماً قالوا أسأل مجرب ولا تسأل طبيب . وإذ كان أنصارالله يراهنون بتحالفهم مع إيران في مواجهة التحديات الماثلة أمامهم . فإن الجماعة في الجنوب كانت قد راهنت على الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية وهو تحالف أقوي بكثير إذا ما قورن بالتحالف مع إيران . ومع ذلك لم يستقم الأمر في الجنوب إلا بعد تحولهم من الثورة إلى الدولة . فهل انتم متعظون ؟ .