في الشوارع سيارات قليلة ، ترفع عجلاتها كما ترفع الفتاة اطراف ثوبها الطويل و تعدو فارة. لم ترى شبح، لم ترى قيامة لكنها شاهدت غدر الجارة. في الشوارع مخلفات قصف ، و قليل جدا من المارة. في الأجواء صمت مترقب و في وجوه المارة المسرعون وجوم. شبهت الوجوم في وجوههم بوجه البوم. الفم منقار و العيون بؤبؤ بلا جفون. انه الخوف الذي ينحت الملامح. نحن سبب ما نحن فيه. لنتكاشف بلا فلسفة أحمق و لا خزعبلات مجنون. نحن سبب ما نحن فيه ، لم يكن بيننا عاقل يعرف حجم قدراتنا الضئيلة و يقارنها بحجم خطرنا الكبير و يتنبأ بما سيكون. ماذا فعلنا نحن الناس العاديين جدا، مثلي و مثلك حتى نواجه كل هذا الغضب الجامح؟ لم نفعل شيئاً يا سادة الخليج سوى اننا نمنا فأيقظتنا اصوات مضاد الطائرات ، ماذا حدث؟ السعودية و صيصانها تقصفنا. الخبر كالعاصفة... لكن ليس عاصفة الحزم بل عاصفة الجزم كما يسمونها المصريين. تدور بنا الأسئلة حتى ندوخ: لماذا؟ كيف؟ أين؟ حتى متى؟ تفقد كل الأشياء أهميتها مثل طقم فناجيني الجديد، و ثوبي عند الخياط. كل الكلمات تفقد معانيها مثل الأخوة و الاسلام و السلام و كل المبادئ تفقد قوتها حب الوطن و حق الانسان في الحياة. انهار كل شيء في لحظة عندما نتزاحم امام شاشة التلفاز لننصت بكل ارواحنا لما يحدث. تذكرنا العراق ثم سورية و ارتعدت قلوبنا لأننا احسسنا اننا رقم ثلاثة في لائحة البلدان الضائعة. صرنا مجرد رقم في القائمة. لكن السنا نحن سبب ما نحن فيه؟ اما نمنا في بيات شتوي من "سرطان" يستفحل و يستعر؟ سرطان كان يتناسل مع الخلايا المتجزئة ، الفقيرة، الجاهلة، الضعيفة لينتشر؟ اما كريات الدم القوية المدافعة، أين كانت؟ كانت - و يا للخزي - نااااائمة. فلنتصارح. نحن سبب ما نحن فيه ، نحن سبب اننا صرنا رقم ثلاثة في القائمة. يا زعمائنا السابقون لا تعتذروا ، لا تتوسلوا، لا لوعودكم الكاذبة ففي الوقت المتأخر هذا، كلماتكم ضائعة. اليمن هذا البلد الفقير منذ الأزل ، الممتحن ، المريض، الجائع، العاطش ، الحافي، الأمي ، الجاهل، المتخلف، اليمن هذا البلد المسكين ، تجتمع عليه دول عربية مسلمة يفوق عددها الست، لماذا؟ هكذا بعد كل ذاك الصبر يكون صبرنا- الذي قلنا لبعضنا انه مفتاحا للفرج- يكون مفتاحا لحرب؟ هكذا تضاف الى صفاتنا ، اليمن السعيد ، اليمن الخضراء..."اليمن بلد النفوس الخائفة." الست خائف صارحني ، انا مليون خائفة . ليس خوفا من الموت قصفا ، فكلنا لنا أجل ، و لكنني اخاف ان اجد نفسي في مكان ليس فيه لا اولادي و لا اليمن. نتجمع كلنا امام التلفاز ، نحدق في الافواه. افواه الاعداء الغزاة: (مؤتمر صحفي) ، (قمة عربية)، (مبادرة)، (حل) ، (وقف للغارات)...نمعن الانصات لنعرف اين هم سيضعوننا ، بماذا سيسمحون لنا، و عن ماذا سيمنعوننا و متى يأذنون لنا في الليل ان ننام ؟ نراقب و نحلل فتحقننا الأحداث المتآمرة علينا بحقن الذل، هي في الوريد صحيح لكن طعم الذل ذقناه في السنتنا حامض و مر و ذقنا كذا الغل. يظل ايماننا بالله قوي ، اذا هم دول كبيرة و ثرية فإن الله أكبر و أغنى. قالوا العرب أخوة ، فبئس هذه الأخوة النجسة الخائبة. لم تتحدوا يوما لمواجهة آل صهيون و تجتمعون اليوم لقصف اليمن؟ اشعر بحياء نيابة عنكم ، بئس الجبن الذي تختبئون خلفه و بئس من ربتكم. اما علمكم الوالد ان الاعتداء على الضعيف عيب، اما لقنتكم امهاتهم ان ضرب الأخ لا يجوز؟ طيب بلاش الأهل فقد تكون مشكوك فيها اصول الأسرة ، اما درستم في المناهج ان العرب اخوة؟؟ و ان المسلمين شهامة و حمية و نخوة؟ دول كبيرة و ثرية و عكازين ثلاثة يقصفوننا مقتفيين الأثر طمعا في المال. يا مرتزقة، يا عملاء يا جوعى للمال. تقدمون ارواح اولادكم بخسة مقابل لا شيء سوى " المال" و الأموال – للتذكير – لم تكن يوما دائمة. لكن التاريخ ينحت الاحداث التي تتصاعد و صفحاته منذ رسولنا محمد الى اليوم ليست زائلة. أنتم يا ممثلون في جوقة ، تلقي صاعها ارضا للنعال ،تدوس و تمسح. لما إن كنتم حقا اصحاب قضية لا تذهبون للعدو المباشر؟ العدو الحقيقي؟ لما لا تطيرون الى فارس ؟ تقصفونها هي مباشرة، واجهوها هي نفسها؟ دكوا معسكراتها هي ، و مخازن اسلحتها هي؟ و اقتلوا جنودها هي؟ لماذا لم تستعرضوا عضلاتكم الا امام ضعيف الهيكل او لنقل استعرضتم عضلاتكم امام ظل التاريخ مهما ُعظم شأنه يبقى ظل ؟ لماذا تقصفوننا ليلا ، مثلما تلعبون القمار ليلا ، و تسكرون ليلا، و تزنون ليلا... و الصباح انتم نيام؟ اما عكاكيزكم الثلاثة او الأربعة فقد تطايرت مساميرهم و شظايا خشب عكاكيزهم فوق مدرجات جبالنا. فلا تنسوهم ، نرثى لحالهم ، اعطوهم "المال" فمن اجله قصفوا اليمن.
اما انتم يا آل سعود فتعالوا الينا ، نسرد عليكم حكايتنا فأسمعونا. نصف لكم طعم الخوف الذي اخفتمونا. تعالوا هنا ، اجلسوا الينا ، امامنا، لنشير بأصبعنا اليكم و ندعو الله امامكم ان يعجل بقيامتكم لتعرفوا بأنفسكم معنى ان تقصفونا. تعالوا نروي لكم كيف صغارنا ما عادوا يصدقوننا. و لا تنطلي عليهم أعذارنا و تبريراتنا عند سماعنا اصوات القصف، صغارنا قالوا لا هذا ليس رعد ، أين المطر؟ و لا هذا ليس ُعرس ، فأين الأضواء و السمر؟ ماذا نقول لهم بعد؟ تعالوا يا آل سعود يا اصحاب الكروش المتدلية و النساء المدللة ، المكحلة نكلمكم كيف نتزاحم امام شاشة التلفاز نشحذ منكم و نتسول "كلمة" تطمئنا، كلمة مواساة تجبر خواطرنا. " مبادرة" او " نحن في عاصفة الحزم حريصين على ارواح اليمنيين" تسمعها اذني عاصفة الجِزم! فأضحك برغم الوجع . نسمع في التلفاز : "إنشاء جيش عربي مشترك."
عمل عظيم و ممتاز يا اخوتي، بوركت جهودكم لكنها جهود يهودي اول ما شطح نطح و اول ما نطق كفر. يلعب بنا زعماؤنا السابقون و الحاليون. يحولونا الى فئران تجارب. فماذا عساها تفعل فئران التجارب غير ان تفر الى الزوايا و تقتات البقايا ؟ّ! نحن صحيح فقراء لكن رضينا اليوم ان نهلك فقرا. صحيح اننا جهلة و لكن اتركونا نغرق في مستنقع الجهل و ان نجف عطشا لكن بدون قصف. و صحيح اننا جائعين لكن رضينا أن نتضور جوعا ، و صحيح اننا مرضى و رضينا ان نتدهور مرضا... لكن لا نقبل ان نرتقب القصف كل ليلة و ان يكون قاتلنا اخينا الجار العربي المسلم.
عندما تقررون وقف القصف اخوتنا الأعداء ، هزونا و سننفض الخوف عنا و نشكل من القلوب جيشا ، يقف في سرايا طويلة امام طبيب نفسي لعله يشفي الجرح الغائر فينا. جرح غدر الأخ. نحن البلد الفقير الضعيف نمنا، و صحونا فوجدنا دول عربية مسلمة تقصفنا و نحن ما معنا الا الدعاء ، فتشونا. فمن غير الله حامينا، و من جرح الأخ- هذا- شافينا؟ حسبنا الله و ِنعم الوكيل.