وبين الضربتين تتمطى شخصية اعتلت سدة الحكم في اليمن طيلة ثلاثٍ وثلاثين عاماً ، وتبدأ الحكاية من بطولة شاويش هزيل البنية ، أرعن الطبع ، عيناه تشعان ببريق يختلط فيه الطموح بالطمع ، يعشق المجازفة على قاعدة المثل الشعبي ( من سابَل عاش ، كل لحم الكباش ) وتعني مَن غامر يعش وينل لحم الخرفان ، والمعنى هنا مجازي إذ أن "الكباش" ترمز إلى المغانم ، ثم تبين أن بطلنا المغامر هذا لا يقف طموحه عند حدّ ، حتى بعد أن اشتوى بنيران حادثة النهدين إلا أن حالة الجشع في عرفه ما تزال خارج حسابات القناعة ، على أن القناعة كنزٌ لا يُفنى ، تستوقفني هنا ظاهرة القبول التي اعتاد عليها الناس ، وكأن التسليم بالأمر الواقع يوازي الإعتراف للشاطر بالسيادة ومنحه أوسمة السموّ ونياشين البطولة ، وإن كان حثالة لا يسعفه المستوى التعليمي ولا الطبقي إذا ما أخذنا بمعايير القبيلة ، ومهما تباينت ردود الفعل حول هذه الشخصية إلا أنها تلتقي عند نقطة مقادها أن ما حدث لا يعدو كونه ضربة حظ . لم يكن لضربة الحظ هذه أن تكتمل عناصرها لولا لمسة الحنان التي جعلت من الشاويش رئيساً ، وألقت بين يديه مصائر الملايين لغرض في نفس يعقوب ، وبالغ الخليجيون في تدليلهم لهذا المخلوق الغير مؤهل أكاديمياً ليدير منشأة ناهيك عن رئاسة دولة ، وقد رأينا كيف أحسن استثمار مؤسسة الرئاسة لتنمية أرصدته الشخصية في البنوك حتى وصلت إلى ما يقارب 7 مليار دولار بحسب مؤشرات الثروة من الودائع والحسابات الجارية والإصول الثابتة والمتداولة لفخامته في تقرير البنك الدولي .. جاءت ثورة الشباب كإحدى موجات الربيع العربي فكانت كفيلة بتعرية هذا التمثال الخرافي المصنوع من الشمع ، وكانت رعونته إزاءها موبقةً أخرى مشابهة لتلك التي ارتكبها في الجنوب صيف عام 94م . اقتضت المبادرة الخليجية استبعاده من المشهد السياسي ، لكن شهوته الطامعة لمزيد من الكسب قد طغت على قلبه وعقله ، وزين له الشيطان إمكانية التمرد على أسياده ، فوقع في شر أعماله ، وموقف علي صالح هذا ليس بجديد على الثقافة الموروثة ، ولا شك أن قرار عاصفة الحزم قد أخذ في الإعتبار قول الشاعر : أعلمهُ الرمايةَ كل يومٍ .. فلما اشتدّ ساعدهُ رماني وكم علمتهُ نظم القوافي .. فلما قال قافيةً هجاني وسواء أكان الخليجيون قد أدركوا كارثية الخطأ الذي هو صناعتهم بامتياز ، أم لم يدركوه فإن تداعيات هذا الخطأ الفادح تستوجب التدارك الأخلاقي ولو في حدوده الدنيا ، وأولى هذه الإستحقاقات ما لحق بالجنوب أرضاً وأنساناً من تنكيلٍ ووبال ، وأضاعَ مستقبل أجياله ، وعمد إلى طمس هويته ، ويعلم جيداً رعاة البيت الخليجي بأن الجنوبيين ذووا عهدٍ ووفاء ، وعفةٍ وإباء ، وهذه هي الخلال التي عليهم أن يأنسوا لأهلها ، والجنوبيون لا ينشدون سوى حسن الجوار ، فلديهم القدرة على الإكتفاء الذاتي ، وقد كانوا كذلك قبل أن تتكالب عليهم المحن .