لا غرابة في أن يستميت (الجنوبيون) وهم يدافعون عن وطنهم بكل ما أوتوا من قوة وعزيمة, وأن يبذلوا في سبيل الذود عنه وعن أعراضه وخيراته وثرواته وأهله الغالي والنفيس,بل ويهبوا أرواحهم ودمائهم فداء له ورخيصة لترابه وجباله وهوائه وبحاره وكل شبر فيه, فهكذا عادة الشعوب حينما تسكن بين ثناياها الأوطان, وتستوطن (سويداء) القلوب وتتربع عروشها.. والشعب (الجنوبي) ليس بذلك الشعب الذي يسكن الوطن ويكون فيه (عالة) يأكل ويشرب وينام كما تفعل (الأنعام) أكرمكم الله, ولكن الوطن الجنوبي هو من سكن دواخل هؤلاء البسطاء من أبناء الشعب الذين نكلتهم السياسية وأقصتهم الحزبية وحرمتهم وهمشتهم الأحقاد الدفينة في جوف كل من كانوا يعولون عليهم رد الحقوق ورفع المظالم, وكانوا كالوحوش ينهشون في جسده وينهبون خيراته ويمتصون ثرواته..
فظل هذا الشعب الوفي على ذات (ديدنه) يحمل بين ثناياه وخلجاته حب وطنه (الجنوب) فلم تغيره السياسيات, ولم تزعزعه الإغراءات, ولم تلهه المناصب والريالات, ولم تثنه الأزمات والنكبات, ولم تنسه وطنه كل تلك السنوات والأحقاد التي حاول (الطغاة) من خلالها أن يمحوا من خراطة العالم أجمع ومن جوف الشعب الجنوبي (هويته) ووطنه وانتمائه,بل كانت تكبر تلك الهوية وذلك الإنتماء طوال هذه السنوات العجاف, وكلما أشرقت شمس الضحى من أعالي جباله وبحاره ومزارعه وأدويته, تحمل بين طياتها أمل مشرق لغدٍ أفضل وحياة فضلى..
وهاهم اليوم (الجنوبيون) يترجمون هذا إلى واقع أمام تلك المجنزرات وتلك المصفحات وآلات الحرب والدم والدمار ويذودون بكل ما أوتوا من قوة وصلابة وعزيمة عن وطنهم (الجنوب) دون أن تؤثر فيهم تلك الدماء التي سالت في شوارع محافظاتهم ومدنهم, أو تصهر من قوتهم تلك الأرواح التي كان يتخطفها الموت من بينهم, بل كلما ودعوا (شهيدا) أنجبت الأرض (الجنوبية) الف شهيد يحمل على أكفه (كفنه) ويسابق الموت وروحه إلى ميادين النضال والرجولة والفداء والتضحية,وعل هذا ما أرهب وبث الرعب في نفوس المعتدين الذين كانوا يضنون الضنون ويعتقدون أن الجنوب وأهله (لقمة) سائغة يسهل (مضغها)..
ولن تقف تضحيات أبناء الجنوب عند حد معين, ولن يكتفوا بما قدموا من قوافل الشهداء,بل هم تواقون للموت في سبيل أن (يحيى) وطنهم ويستعيد أمجاده وجغرافيته وحقوقه ومكانته بعد أن أحالها النافذون ومن في قلوبهم ( مرض) إلى ملكية خاصة (وتركة) يتقاسمون خيراتها وثرواتها وحتى (جغرافيتها) دون خجل أو حياء أو ضمير, وكأن هذا الوطن من أملاكهم الخاصة, متناسين أنه جزء لا يتحزاء من أوصال وأجساد أبناء (الجنوب), وأنه يجري في دمائهم ويصعد مع أنفاسهم, بل ويغفوا ويصحوا معهم إينما حلوا وأرتحلوا,فعشقه لن ينتهي لمجرد أن أشخاص أرادوا ذلك, هو باق في دواخلنا وخلجاتنا أبد الدهر, فهو من (يسكننا) ولسنا نحن من نسكنه..