حينما غزت قوات الحرس الجمهوري العراقي دولة الكويت, بأوامر مباشرة من صدام حسين وشلته الضيقة في خميس الغدر والعار في الثاني من أغسطس 1990, فهي إنما كانت ترسم للمنطقة قدرا أسود, وتكتب بدماء أبناء المنطقة الفصول الدموية الأولى لسيناريو الفجائع والكوارث والنكبات التي حلت على رؤوس العرب أجمعين, في تلك العملية الخسيسة ترسخ الغدر وتجلت مفرداته بأبشع صيغها, وعاد التاريخ القهقرى لعصور الظلام وعهد الغزوات وانفلات الأوضاع, وتحققت بحماقات النظام العراقي السابق وبالمجان كل المخططات الشريرة الهادفة للنيل من الأمة العربية, وتشتيت مصادر قوتها, وإعادة إحياء الفتنة والشقاق بين أبنائها, في ذلك اليوم الصيفي الحار وضع الحجر الأساس واللبنة الأولى لمخطط تدمير العراق وإنهائه وإخراجه من حلبة الصراع الإقليمي تمهيدا لضربه وتفتيته وتقسيمه, وإستهداف المنطقة كلها بعد ذلك وعبر استحضار أدوات وعملاء وأشكال خبيثة لتتحكم في مصير المنطقة ودولها وشعوبها. منذ ربع قرن, بالتمام والكمال, دار التاريخ دورته العرجاء, لنرى العربي يقتل أخاه العربي, ولنرى ونتابع بألم وحسرة كيف تم تحويل الجيش العراقي من ذلك الجيش المدافع عن الأمة العربية وحياضها وسيادتها في معارك حماية دمشق والجولان وصحراء سيناء وعلى طول الحدود الشرقية للأمة مع إيران في تلك الملاحم التي يسطرها التاريخ, إلى جيش تائه ومتورط بقتل أشقائه في الكويت, الكويت بالذات التي كانت تقطع من لحمها الحي في دعم صمود ذلك الجيش أمام الهجمات والغزوات الإيرانية التي كانت تستهدف إسقاط الأنظمة الخليجية وهو نفس الهدف الذي مازال النظام الإيراني يلعب على مفرداته بعد أن أتاحت له التطورات الدولية والإقليمية تطوير سيناريوهاته بل وتحقيق تقدم ستراتيجي كبير فيه بإتجاه تحقيق ذلك الهدف المقدس لديهم والذي نشهد إيقاعاته الحركية بكل وضوح اليوم في العراق ذاته, الذي تحول لمستنقع إيراني بالكامل, وسقط بسبب حماقات النظام السابق تحت سطوة أعداء الأمس بالكامل وأضحى أداة إيرانية متقدمة في العمق العربي بعد أن تقدم الغرب الأميركي لاقتناص لحظات التغير التاريخي وجاء بشلة من العملاء والعاملين في خدمة المشروع الإرهابي الإيراني المتأصل ليكونوا حكاما على العراق الذي تم تحريره من حكامه الحمقى ليسلموه لقمة سائغة للنظام الإيراني من خلال شعارات الديمقراطية المزيفة في لحظات تحول تاريخية ليس لها نظير في تاريخ العرب المعاصر. الكويتيون أبدوا من ضروب الشجاعة والتحدي ما خلده التاريخ بعد أن فوجئوا بغدر الشقيق وبتطورات سلبية متسارعة لم تكن في حسبانهم, فقد كان الكويتيون قبل الغزو يقاومون بقوة وإباء كل حملات الإرهاب الأسود التي كانت تستهدفهم والتي كان يحرك خيوطها النظام الإيراني من خلال عملائه من العراقيين واللبنانيين, وعاشت الكويت أبشع فصول الإرهاب الأسود من خلال حملات التفجير والإرهاب في 12/12/1983 ومن ثم تطوير الهجمات الإرهابية لتستهدف الطائرات والمصالح وحتى الناس الآمنين في أسواق وشوارع الكويت, لقد قاد الشيخان الراحلان جابر الأحمد وسعد العبدالله مرحلة التصدي والصمود الكويتية المبكرة للإرهاب, وتصديا بكل شجاعة لجرائم حزب الدعوة الإرهابي وحزب الله الإرهابي ومن خلفهم قيادتهم في الحرس الثوري الإيراني مركز التخطيط الشيطاني للإرهاب الأسود ورفع الأمير الراحل سعد العبدالله شعار »لن ننحني أو نركع للإرهاب« بمثابة دستور عمل وحياة لمرحلة مهمة وحاسمة من تاريخ الكويت المعاصرة, في مقاومة ذلك الغزو البشع تجلت الروح الوطنية الكويتية وهي ترفض الأمر الواقع وتؤكد على إرادة الحياة, وترسم الطريق للمستقبل, وتؤسس لإعادة البناء وهو ما تحقق فعلا بفضل العزم والإرادة وصلابة القيادة والإيمان برب العزة والجلال وبكون الله يدافع عن الذين آمنوا… كما قدمت الكويت باقة من شهدائها الأكارم ليفتدوا بدمائهم وتضحياتهم شعبهم وليخلدهم التاريخ في صفحاته الذهبية الخالدة… الكويت ليست دولة طارئة كما يوحي البعض أو يوهم النفس بإمكانية إلغائها بل ان وجودها قدر ومصير, الكويت تواجه اليوم المستقبل برؤى متطلعة رغم التحديات والمصاعب والمشكلات التي تعانيها المنطقة بشكل عام… لقد انهار الإرهاب الذي كان يستهدف الكويت وشعوب المنطقة, وتحررت الكويت من جديد وانطلقت كطائر الفينيق الأسطوري, لكن الإرهاب الجديد والمنتشر طوليا وعرضيا هو أقوى تحديات الحاضر خصوصا إن أدوات ذلك الإرهاب هي ذاتها التي قاومتها الكويت بدماء أبنائها وتضحياتهم في الماضي القريب. المجد للشهداء الأحرار, وكل الأمنيات الطيبة للشعب الكويتي الشقيق وهو يواصل مسيرة البناء والتحدي.. ومقاومة الغزو المتجدد. نقلا عن السياسة الكويتية