يبدو أن التاريخ البشري الطويل، ورغم كل تجاربه، لم يكن كافياً للولايات المتحدةالأمريكية لتستلهم منه الدروس، وتتعلم أن الشعوب الحرة لا يمكن أن ترضخ لإرادة محتل- مهما كانت قوته وجبروته- فكيف والحال إذا كان المحتل بالضعف الذي هي عليه قوات الغزو الصهيو- أمريكي في العراق!! عندما يتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم عرقية ومذهبية، فإن اللعبة الدولية التي تحاول إدارة الاحتلال بها فرض خرائطها لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" لابد أن تضع الشعب العراقي أولاً، والشعب العربي ثانياً أمام خيار واحد فقط هو: خوض معركة حياة أو موت، مصيرية، في كل البقاع التي تطولها أيديهم، قبل أن يسبقهم قدرهم المحتوم في الذل والهلاك! فلم يعد خفياً أن الأزمة النووية الإيرانية لم تكن سوى ذر الرماد على العيون ريثما يبلغ التقاسم أوانه، مثلما لم يكن خفياً على أحد أن إدارة الإحتلال هي من يرعى النشاط الإرهابي في العراق، وإن ما تسميه ب"القاعدة" ليس إلاّ (جيش الظل) الأمريكي الذي سبق أن خاض حروبها في أفغانستان بمواجهة السوفيت، ويخوض حروبها اليوم ضد الأنظمة العربية والإسلامية في أكثر من بلد من العالم.. وأنها لولا تلك الجماعات الإرهابية لأصبحت في خبر الماضي منذ عام غزوها الأول، إلاّ أن تلك الجماعات شوشت على أنشطة المقاومة العراقية، وأعاقت مشاريعها.. ومن يعتقد أن مشروع التقسيم هو من وحي ظروف ما آلت إليه ساحة العراق بعد الغزو فهو واهم.. لأن ذلك هو ما كان يطرحه "هنري كيسنجر"- وزير الخارجية الأمريكي السابق، وهو أيضاً ما ترجمته لأول مرة إدارة جورج بوش "الأب" بفرض مناطق حظر الطيران عقب العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991م، تحت ذريعة حماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال- وكان ذلك أول ترويج عملي لتقسيم أثيني ومذهبي للعراق.. لابد أن يتحرر السياسيون والمثقفون العراقيين والعرب من التقوقع حول فكرة المسألة الاقتصادية النفطية والاستثمارية- وإن كانت أحد دوافع الغزو- ليسلطوا أنظارهم على المحور الأهم المتمثل بمؤامرات طمس الهوية الحضارية العراقية.. فالعدوان الثلاثيني 1991م استهدف بالدرجة الأولى القضاء على البنى التحتية العراقية، التي كانت تترجم إرادة الإنجاز العراقي.. والحصار الذي جثم لأكثر من اثني عشر عاماً استهدف تعجيز العراقيين عن إعادة اعمار بلدهم، أو الحصول على مقومات النهوض المستقبلي من خلال حرمان الأجيال العراقية من متطلبات التعليم والرعاية الصحية والغذاء التي هي شرط كل نمو عقلي وجسدي سليم باعتبار أن "العقل السليم بالجسم السليم".. وعندما دخلت قوات الغزو للعراق في أبريل/ نيسان 2003م الأسود، لم يكن الأمريكان وحدهم من دخلوا، بل دخلت معهم فرق الموساد، وفرق تخريبية عربية من دول ناقمة على العراقيين، وفرق مخابراتية إيرانية، وحفنة من عملاء الخارج من أعضاء "مؤتمر لندن" سيء الصيت، وكانت المهمة الأولى لكل تلك الفرق نهب الآثار، وتخريب المواقع التاريخية، وإحراق الجامعات ونهب كل موجوداتها، وإحراق المكتبات، ودور الوثائق، والمراكز الثقافية والأدبية.. اليوم عندما تخطط الولاياتالمتحدة لتقسيم العراق، فإنها تعلم مسبقاً كم بلغت أعداد الإيرانيين في المحافظات الجنوبية من العراق، وماذا تعني في مستقبل الهوية الوطنية العراقية على المدى القريب- وليس البعيد- وما هو الخطر المترتب على المكون الثقافي، والتراثي، والوطني المؤلف للشخصية العراقية.. كما أنها تعلم أن تركيا لا تسمح بقيام دولة كردية في شمال العراق، ولو سمحت بذلك فلابد أن تضمن أولاً نفوذاً سياسياً واقتصادياً في هذه المنطقة.. والمسألة لا تقف عند هذا الحد الذي يتقسم به العراق على ثلاثة أقاليم، فمازالت هناك تطلعات أردنية لاستعادة العرش الملكي "الهاشمي" في العراق، وأخرى لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في منطقة غرب العراق، فضلاً عن الخرائط الاقتصادية "النفطية" التي توزع ثروات الأقاليم المزعومة- الضعيفة- إلى حصص لا تخص العراقيين وحدهم، بل حلفاء الحرب- وفي المقدمة الكيان الصهيوني، الذي يحتفظ بمواثيق مع الولاياتالمتحدة، وقعها "كيسنجر" منتصف السبعينات، وتتعهد فيها بلاده بتأمين احتياطي نفطي استراتيجي لإسرائيل، وكان المقترح آنذاك هو وضع اليد على البترول العراقي. ولو تجاوزنا كل تلك الحسابات، فإن المشروع بحد ذاته سيمثل سابقة تاريخية، إذا لم يتم منع حدوثها فإنها ستجر مخططاتها على العديد من الدول العربية، وبنفس الطريقة التي ستسعى من خلالها الولاياتالمتحدة تحريك عملائها، و"جيش الظل" المؤلف من المتشددين المرتزقة، لتفجير الفتن والصراعات الداخلية- طبقاً لأسلوب المحافظين الأمريكيين، المغرمين بسياسة (الفوضى الخلاّقة)!! لا شك إن على الشعب العراقي تحمل مسئوليته التاريخية- مجدداً- في التصدي للمؤامرة الصهيو- أمريكية، وتوحيد فصائل المقاومة الوطنية باختلاف مذاهبها وانتماءاتها السياسية، وإعلان نفيراً عاماً لخوض معركته التاريخية ضد قوات الغزو على كل شبرٍ من أرض العراق، وتلقين قوات الاحتلال دروساً في البطولة التي يشهد التاريخ بها لأبناء الرافدين.. فوحدة العراق خط أحمر، آن الأوان لتعميدها بدمٍ أحمر.. وعلى الأمة العربية أن تتحمل مسئوليتها في دعم هذه المقاومة بكل الإمكانيات، والطرق- المشروعة وغير المشروعة.. ولتقاتل من على أراضيها "جيش الظل" الأمريكي، من المرتزقة الإرهابيين، الذين يديرون لعبة الإرهاب الدولي في كل مكان من العالم، تحت مظلات الدين!!
إذا كان الأمريكان يراهنون على تقسيم العراق، فإن على العراقيين في كل أنحاء العالم أن يراهنون على دماء الأمريكان، وكل من سيقف الى جانب الأمريكان!! [email protected]