يقول الجنرال مانيكشو [الحرب المحدودة هي حرب تستهدف أوضاع سياسية قائمة ، وخلق أوضاع أخرى بدلاً عنها ملائمة . . . أي أنها ليست كاملة لتفرض رأي طرف على طرف ، فرضاً مطلقاً ولا قيد أو شرط] وهذه كانت معركة 2015 ، حرب محدودة كي تعلو إرادة على أخرى ؛ علت الإرادة العربية على الإرادة الفارسية بمساعدة الجنوبيين في إطار الجنوب ، وتعثرت في الشمال . . . كان النجاح ممكن في الشمال لو أن التحالف تعامل مع الشمال باستراتيجية تناسبه .
هناك فرق كبير بين الجنوب والشمال ، لكنَّ التحالف وقع في خديعة علي محسن لحمر وحزب الإصلاح والجماعات المتأسلمة التابعة له ، عندما أقنعوه أنَّ الشمال والجنوب "واحد" . . . وأوقعوه في خديعة أخرى لم تظهر تداعياتها السلبية حتى اليوم وهي "أن الحراك الجنوبي إيراني" فمنع عنهم السلاح والدعم المالي...!!!..
رغم ذلك قاتل شباب الحراك -بدعم شعبي- إلى جانب التحالف بثبات وتضحية وشراسة . . . وعلى نفس الاستراتيجية -البقاء إلى جانب التحالف- يجب الاستمرار ، فالأمور بخواتمها ، ومع الوقت سيكتشف التحالف الكذبة .
وفي رأيي الشخصي أن قرار دمج المقاومة في الجيش والأمن ناتج عن مقترح من التحالف ، وليس قرار يمني صرف . . . واعتبره بداية انتباه خليجية . . . واحتيال "أبو يمن" على لغة القرار "ضم المقاومة إلى الجيش" يؤكد أنَّ القرار جاء من فوق رؤوسهم . . . فهذا المصطلح يهدف لتطفيش شباب المقاومة ؛ فهو يستصغر من قدر المقاومة ويعلي الجيش المنتهي ؛ فهو إمَّا خائن يقتل الشعب أو هارب في الخارج ، فمع أيُّهما نندمج...؟
ولكن لابأس من التغاضي عن هذا "الاستصغار" ؛ فالهدف كبير ولا يجب أن يصرفنا "اسم الهدف" عن أهميته . . . كون الوظائف العسكرية والأمنية هي العمود الأول لاستراتيجية الاستقلال الناعم (التي تحدثنا عنها في المقال السابق) .
لاسيما أنَّ المعلومات التي وصلتني عن آلية الدمج -إذا صحت- ممتازة ، وهي أن المقاومة ستكون عمود بناء الجيش ؛ ليس مجرَّد جنود بل ستكون في كل مستويات القيادة ؛ فالوحدة العسكرية (لواء-كتيبة-سرية.......) التي يكون قائدها من ضباط الجيش يكون الأركان من قادة المقاومة المدنيين . . . ويحصل على دورة عسكرية تؤهله تولي المنصب ويمنح الرتبة المناسبة . . . والأجور في الجيش الجديد لن تكون نفس الأجور -الزهيدة- في الجيش السابق ؛ فالحد الأدنى للأجور وهو راتب الجندي العادي يعادل ( 1200-1500) ريال سعودي .
والوظائف المدنية لاتقل أهمية عن الوظائف العسكرية ، بل منها ماهو أكثر أهمية وتأثير ، كالسلك الدبلوماسي . وهناك مئات الموظفين الدبلوماسيين التحقوا بالانقلابيين أو تواطئوا معهم . . . وهنا يبرز دور المغتربين (فهم سفراء الأمانة والكفاءة والصدق الجنوبية) ؛ وبينهم من حصل على تأهيل أكاديمي واكتسب تراكم خبراتي ممتاز أفضل من الداخل بكثير .
قد تعترض الشباب كثير من المعوقات ؛ يصطنعها بعض أمراض النفوس بتطبيق القوانين الروتينية التي سنها الرئيس المخلوع أبَّان حكمه ليقصي الجنوبيين ، قد يشتغل العقل الشيطاني لحزب الإصلاح فيعطل بناء أجهزة الدولة كي يمنع الجنوبيين من التوظف ، وقد تظهر كثير من المعوقات ، ولكنَّ العقل الجنوبي لن يعجز أمامها .
العقل المؤمن يستطيع تجاوزها ، وعلى سبيل المثال ؛ لماذا لا تنشأ جمعيات متخصصة "جمعية لكل مجال توظيف في السلطة" وهذه الجمعيات تستطيع إدارة معركة الوظائف وتتجاوز كل العقبات . وأول ما تقوم به "وضع خططها الاستراتيجية لتنفيذ مهمتها" خطط قابلة للتطبيق في مدى زمني مناسب . . . ثم تبدأ كل جمعية بوضع قاعدة بيانات للشباب المتخصصين في مجال مهمتها ، وقاعدة بيانات للوظائف المستهدفة .
فلو فرضنا أننا أنشأنا جمعية للمهندسين العاطلين والمهن الهندسية والفنية ؛ وقامت الجمعية بإعلان طلب ملفات الشباب في عدن ؛ وقامت بحصر كل الوظائف الهندسية في عدن ، ووضعت معايير الكفاءة لكل وظيفة ورشحت لها الأكثر كفاءة ، حينها سينجح تعيين أحد المرشحين ولن ينجح أصحاب الوساطات . وتستمر الجمعية في عملية موائمة الوظائف مع الأشخاص "من أعلى وظيفة إلى أدنى وظيفة" . . . حينها لن نجد مهندس أو فني عاطل ، ولن نجد منشأة في عدن معطلة لأنَّ عمالها من تعز أو الحديدة .
وبالمثل يتم التعامل مع كل الوظائف في الدولة ؛ حينها لن نجد أي نزاع على وظيفة ، ولن يجرؤ الأقل كفاءة على رفع عباءة المناطقية حتى يصل إلى وظيفه تتطلب قدرات لايملكها ، ويحرم منها جنوبي أكثر كفاءة منه . . . فأي نزاع على الوظائف تحت أي شعار سيخسر بسببه الجميع وتذهب الوظائف للاصلاح المتربص بالمتنازعين
وخلاصة ما أود قوله ؛ لم نقدم كل تلك التضحيات من أجل رفع العلم في الشوارع ؛ فالتحرير ليس رفع العلم في الشوارع ، وقد رفعناه ولم يتغير شيء . . . بل تسلَّط علينا المحتل بوجه آخر "فالمحتل هو المحتل سواءً بعمامة شيعية أو سلفية" . . . فإذا لم يمسك الشباب الوظائف الحكومية فهذا يعني فشل "استراتيجية الاستقلال الناعم" ؛ وهذا يعني الاستعداد للقتال من اليوم ، ونتيجة القتال لا يعلمها إلَّا الله .