لم يعد خافياً على المراقب للمشهد اليمني بماذا يفكر الجنوبيون؟ بكل توجهاتهم السياسية والأيدلوجية ، بكل مستوياتهم الثقافية والعلمية . . . هي مشيئة الله ولا راد لها ؛ وحَّدت الجنوبيين على خيار التحرير والاستقلال ، ولم تدع للوحدويين "جنوبيي السلطة" من طريق للعودة إلى صنعاء . وهي مشيئة الله جعلت معركة التحرير ليست بين أنصار التحرير وأنصار الوحدة ؛ لو كانت كذلك ؛ كانت ستفسك دماء جنوبية بأيدي جنوبية ، وتفتح جروح ماكان لها أن تلتئم بسهولة . ولكن جعلها الله معركة من أجل سلطة الوحدة بين الوحدويين ، وفرضوها على الجنوبيين . فخضناها مع الخائضين ، وجعلنا الله على عدونا ظاهرين . ووضع الله الحق على ألسنة المحب والكاره ؛ فقال المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ "إنَّ الجنوبيين جميعهم يريدون الانفصال حتى نائب الرئيس بحاح" لم يفشِ سراً ، بل كان يضع النقاط على الحروف ، ويضع العربة على سكة القطار ، وكأنه ينصح العالم أن لايقف في طريقها . وهنا أذكر مقولة للوالد الشيخ صالح أحمد بن عاطف جابر في مؤتمر القاهرة نقلها لي أحد من حضروا المؤتمر (يا أبنائي لاتختلفوا ، ولاتستعجلوا ، وانتظروا تخرُّج الدفعة الجنوبية الأخيرة ، وحينها سوف نعود جميعنا إلى الجنوب) فسأله المحامي بدر العيسائي ؛ من أي دفعة أنت ياعم صالح؟ قال ؛ أنا من الدفعة الثانية "جبهة التحرير" وقد كنت في استقبال كل الدفعات التي تخرَّجت إلى تعز . صدق تاج راسي وتخرَّجت الدفعة الأخيرة إلى الرياض . وبتخرِّج الدفعة الأخيرة يصبح الحراك الجنوبي ملزما بوضع استراتيجية جديدة للاستقلال ؛ استراتيجية تجمع الجنوبيين ولاتفرِّقهم ؛ استراتيجية تتناسب مع المعطيات على الأرض ، وتضع في حساباتها أن لاتوقع دول التحالف العربي في حرج ؛ استراتيجية نصل بها إلى الاستقلال "الناعم" . . . استقلال ليس مطلوب جنوبياً فحسب ، بل مطلوب ومدعوم دولياً وإقليمياً . وفي رأيي الشخصي ؛ أن العنوان المناسب للاستراتيجية الجديدة يفترض أن يكون "استقلال وتنمية" استقلال الجنوب ، وتنمية للجنوب والشمال إذا أراد الشماليون الحفاظ على ماتبقى من الوحدة الشعبية بين الدولتين . وهذه الاستراتيجية تقضي بأن يلتحق كل شباب التحرير والاستقلال بأجهزة السلطة ، تحت سقف السلطة الشرعية . فليس أمامهم من طريق آمن ومشرعن إقليمياً ودولياً غير هذا ، وبه يحافظون ولا يفرِّطون بمغانم تضحياتهم في هذه المعركة . . . ومن العبث بل الخطيئة التاريخية ترك الوظائف للعدو المتستر بعباءة السلطة الشرعية "حزب الإصلاح والجماعات التابعة له" أو تركها للأخ الجنوبي الضعيف -جنوبيي السلطة- والعاجز عن خوض معركة الإرادة والدفاع عن الجنوب بمفرده . . . والضعف ليس عيباً ، العيب هو التخلي عن الواجب . ولا استبعد أن تظهر أصوات قذرة ، تقول للشباب : أن التوظف في أجهزة السلطة المدنية والعسكرية تحت علم الوحدة خيانة لدماء الشهداء . . . إنَّ هذه الأصوات الشيطانية مصدرها سيكون العدو الثاني بعد الرئيس المخلوع ، وهو حزب الإصلاح . هذا الحزب الشيطاني يزين للناس الجهالة والخطيئة كما يفعل الشيطان بالإنسان . . . فالحذر الحذر أن يلق في وعاء الحرية ، فلعابه كلعاب الكلب الطهور منه بمشقة ، ولن يكون طريق الاستقلال طاهراً من الدماء الجنوبية إذا ولق الاصلاح فيه . أيُّها الجنوبيون ؛ أسألوا أنفسكم ؛ ماهو التحرير والاستقلال...؟ الحرية حققتها المقاومته الباسلة لشعبنا بالانتصار في هذه الحرب ، ويبقى الاستقلال لم يحقق ، لأنَّ عموده الأساسي أن يصبح موظفو السلطة من شباب الاستقلال . . . ابتداءً بوظيفة مهندس نظافة الشوارع الذي يحمل المكنسة وانتهاءً بوظيفة خادم الوطن "رئيس الحمهورية" . لقد بدأت مسيرة التحرير والاستقلال باستقرار مبدأ الحرية في القلوب ، ثم انتقلت إلى الشارع ؛ بالمسيرات والاعتصام ، وكانت كلها عرق ودموع وألم ، سقانا العدو فيها موت الكرام . . . وقد انتهت تلك المراحل بمعركة الكرامة الجنوبية -2015- التي سقينا فيها العدو "موت اللئام" . لقد خاض شعبنا معركة الكرامة الجنوبية ، ودفع ضريبتها من أطهر الدماء ، من أشرف الرجال ، من أنبل الأقيال . . . أراد العدو أن يفرضها علينا قبل أن نستعد لها الاستعداد المناسب فيهزمنا ، فقسمه الله إلى فريقين يقتلون بعضهم بعضا ، ثمَّ أهلكم بجنودٍ من السماء ، ترميهم بحجارةٍ من سجيل ، وبأيدينا من الأرض ، فبادوا وجعلنا الله عليهم ظاهرين . وبمعركة الكرامة الجنوبية تمت الحرية ، وأعلن شباب الجنوب للعالم أنَّهم قادرون على حماية إرادة شعبهم ، متى حدد تاريخ معين ليكون اليوم الوطني الجنوبي ، ولايكون ذلك إلَّا إذا أصبح في أيديكم أيُّها الشباب مفاتيح الحسم "الوظائف المدنية والعسكرية في السلطة" . فلا تتركوها . حمى الله الجنوب من شرٍ قد اقترب